مع تجدد الغارات الإسرائيلية ضد مواقع تابعة للنظام السوري، يعود الدور الروسي في البلاد ومدى الحماية التي يؤمنها الجيش الروسي لنظام الأسد، إلى الواجهة مجدداً، لا سيما وأن الغارات المذكورة تأتي بعد أيامٍ قليلة من تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت”، التي أعلن خلالها توصله خلال لقائه مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى تفاهمات جيدة ومستقرة بشأن سوريا.
يشار إلى أن النظام السوري قد أعلن عبر وسائل إعلامه الرسمية تعرض عدة مواقع عسكرية لغارات إسرائيلة نهار السبت، وهي من المرات القليلة التي يشن فيها الطيران الإسرائيلي غارات في وضح النهار على سوريا، حيث اعتادت إسرائيل على شن تلك الغارات فجراً أو خلال الساعات المتأخرة من الليل.
حماية مؤقتة للأسد والتآمر على حلفائه
يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “عرفان العش”: “مهمة روسيا الحالية في سوريا هي ضمان استمرار نظام بشار الأسد بهيكليته التقليدية وليس حماية حلفائه المتمثلين بالميليشيات والقوات المدعومة إيرانياً، وهنا يكمن بيت القصيد”، لافتاً إلى أن أكثر من 90 بالمئة من غارات الطيران الإسرائيلي تستهدف القوات المدعومة إيرانياً وليس قوات النظام السوري.
يشار إلى أن مصادر حقوقية سورية قد أعلنت أن الغارات الإسرائيلية طالت مواقع في ريف دمشق وأسفرت عن مقتل 5 عناصر من حزب الله اللبناني وفصائل مسلحة موالية لإيران.
ويشدد “العش” على ضرورة الفصل بين الهجمات، التي تستهدف النظام السوري وبين تلك التي تستهدف حلفاءه المدعومين إيرانياً، مؤكداً على أن الحرب في سوريا الآن أو المخطط الإسرائيلي يقوم على ضرب الوجود الإيراني في سوريا فقط وليس توجيه ضربات لنظام “بشار الأسد”.
من جهته، يؤكد المحلل العسكري، “أحمد برجو” على نقطة أن إسرائيل لا تستهدف النظام السوري على الإطلاق وإنما تستهدف قوات إيرانية ترى فيها تهديد محتمل لأمن الحدود الشمالية، موضحاً: “التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية تؤكد ان النظام السوري فقد كامل قوته العسكرية كجيش نظامي خلال السنوات العشر الماضية، وتحديداً صواريخه البالستية بعيدة المدى، التي كانت تعتبر السلاح الوحيد الذي يمكن أن يمثل تهديداً لإسرائيل، وبالتالي فإن القيادة الإسرائيلية ليس هدفها شن أي هجمات تزيد من ضعف النظام وتهاكله”.
من ناحية الدور الروسي، يلفت “برجو” إلى أن موسكو ينحصر هدفها في منع سقوط النظام وحمايته من المعارضة السورية وليس من الهجمات الإسرائيلية، وبالتالي فإن التصدي لأي غارات إسرائيلية ضد النظام أو أي من حلفائه لا يقع ضمن المهمة الموكلة للجيش الروسي أو قاعدة حميميم، مشيراً إلى أن روسيا جزء من مخطط دولي تنفذه إسرائيل هدفه الإبقاء مؤقتا على “الأسد” والتضييق على المحور الإيراني في سوريا.
يضيف “برجو”: “الآن أوراق المصالح في سوريا قد اختلطت من جديد وتتفق روسيا وإسرائيل على ضرورة أن تخرج إيران من هناك، فبالنظر إلى الخارطة العسكرية في البلاد، فإن إيران تسيطر عسكرياً على الكثير من المناطق الحيوية والاستراتيجية في سوريا، خاصة في محيط العاصمة دمشق وشرق البلاد مع انتشار مقلق في المنطقة الساحلية والجنوب، وهي المناطق التي تمثل بدورها أهمية كبيرة بالنسبة للروس، الذين لم يعتادو على مشاركة كعكتهم مع أي طرف كان”، مشدداً على أن روسيا تعتبر سوريا كعكة ذات أهمية كبيرة في إعادة رسم مراكز القوة العالمية.
يذكر أن صحيفة هآرتس العبرية قد كشفت أن الرئيس الروسي “بوتين” طالب “بينيت” خلال الاجتماع في سوتشي بتحسين إسرائيل الإخطارات التي ترسلها إلى موسكو بشأن أنشطتها في الأراضي السورية، وأن تكون أكثر دقة في ذلك، وأن الطرفين ناقشا تموضع إيران في سوريا وجهود إسرائيل لإبعادها عن الحدود قدر الإمكان، مبينةً أن الفجوات بين موسكو وتل أبيب فيما يتعلق بالنشاط الإسرائيلي في سوريا صغيرة جداً.
إلى متى..؟
أمام الواقع الحالي في سوريا، يتمحور السؤال الأكثر أهمية حول المدى الزمني الذي ستبقى سوريا خلاله على هذا الحال، وفقاً لما يقوله المحلل السياسي “رائد خميس”، لافتاً إلى ان التفاهمات والاتفاقات، التي تحدث عنها “بينيت” في تصريحاته الأخيرة قد تضمن تفاصيل أكثر مما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية.
ويؤكد “خميس” أن الحالة الراهنة ستبقى مستمرة حتى الوصول إلى مرحلة إخراج القوات الإيرانية من سوريا، لافتاً إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ليست على عجلة من أمرها في إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، طالما أن ذلك الوجود لا يزال في طور التهديدات ولم يتحول إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، مشيراً إلى أن امتداد الفترة الراهنة إلى مدة أطول سيكون بصالح تل أبيب وواشنطن على اعتبار أنه يستنزف المزيد من القوة الإيرانية ويساعد على انهاك قوتها المالية والاقتصادية، خاصةً وأن إيران لم تحقق مكاسب مادية من تدخلها في سوريا بالقدر الذي يساعدها على تعويض نفقاتها.
يذكر أن دراسة أجراها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان “شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط”، قد كشفت عن إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالي 16 مليار دولار سنويا، فيما نقلت مصادر إعلامية إيرانية عن مسؤولين إيرانيين تأكيدهم أن فاتورة دعم نظام الأسد بلغت 30 مليار دولار، تشمل الدعم العسكري والنفطي والاقتصادي.
في ذات السياق، يرى “خميس” أن إسرائيل و”وفق مصالحها”، أحسنت إدارة الأزمة السورية وخرجت منها كأكبر الرابحين، خاصة وأنها تمكنت من خلق حرب مصالح داخل المعسكر الداعم “للأسد”، تحديداً بين روسيا وإيران، كما تمكنت من جرهما في بعض الأحيان إلى مواجهات من تحت الطاولة في عدة مناطق، معتبراً أن هذا الصراع على المصالح مكن من إسرائيل من إرباك إيران ودفعها إلى الخلف بعد أن كان رجال الدين فيها وبعض السياسيين المتشددين يعتبرون سوريا محافظة إيرانية.
ويربط “خميس” انتهاء الوضع الراهن في سوريا المتمثل بمبدأ “اللاحرب واللاسلم” بمدى قدرة الروس على خلق واقع جديد في سوريا يمكنهم من الاستغناء تماماً عن الوجود الإيراني وحل معضلة مدينة إدلب والمعارضة المسلحة، بالإضافة إلى إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بقيادة توجه داخل مجلس الأمن لإخراج كافة القوات العسكرية في سوريا بما في ذلك القوات التركية.
كما يشدد “خميس” على ان الوضع السوري يعتبر الأكثر تعقيداً على الساحة الدولية نظراً لكثرة الأطراف الدولية ذات المصالح المتعارضة، المتدخلة فيه، معتبراً أن الوصول إلى حل شبه نهائي في هذا الملف يحتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، سيبقى خلالها الشعب السوري يعاني من تبعات تشبث الأسد في السلطة.
ويضيف “خميس”: “للأسف يجب على السوريين أن يتفهموا هذه الحقيقة المرة، بأن بشار الأسد يمثل حالياً ضرورة مرحلية ليس للروس والإيرانيين فقط وإنما حتى للإسرائيليين والأمرييكين، على اعتبار أن اللعبة الدولية تحتاج وجوده إلى زمن معين، وبالتالي فإن غارات إسرائيل لا تستهدف البنية العسكرية للنظام وإنما بنية حلفاءه”، لافتاً إلى أن ذلك لا يعني بقاءه إلى الأبد، وإنما استمراره في الحكم إلى نقطة محددة ربما قد تم تحديدها ضمن اتفاقات “بينيت – بوتين”.