أعلن وزير الداخلية التونسي “توفيق شرف الدين”، اليوم الاثنين، خلال جلسية استماع عقدتها لجنة الامن والدفاع في البرلمان، عن تفكيك 33 خلية إرهابية، ومقتل 9 عناصر تكفيرية، وذلك خلال تنفيذ 48 عملية استباقية في الأشهر القليلة الماضية.
وأكد “توفيق شرف الدين” أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها تونس، تحتاج إلى جهود إضافية للقضاء نهائيًا على الإرهاب، وتفكيك كل المجموعات المسلحة والخلايا النائمة.
وحسب وزير الداخلية التونسي تمكنت الوحدات العسكرية والأمنية، منذ بداية السنة الحالية وحتى اليوم من إيقاف 1020 شخصا بتهمة الانتماء لجماعات إرهابية. وتجدر الإشارة إلى أن تونس، كانت قد شهدت خلال السنة الحالية عددا من العمليات الإرهابية على غرار تلك التي استهدفت دورية امنية في محيط السفارة الامريكية في شهر ماي الفائت وراح ضحيتها عنصران من الشرطة، وعملية أخرى في سوسة في شهر سبتمبر الماضي أيضا وراح ضحيتها احد الأمنيين.
الترويج للتطرف
وينشط في تونس العديد من التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من جبال الشعانبي الواقعة بغرب البلاد، مواقع لها على غرار كتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة، وكتيبة جند الخلافة التابعة لتنظيم داعش.
وتتهم دوائر سياسية في تونس التنظيمات الإخوانية بنشر الفكر التكفيري وتحفيز الشباب على الاتجاه نحو التطرف والعنف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية
ويرى متابعون بأن حصيلة انتشار الخلايا الإرهابية في تونس تعتبر مخيفة خاصة في ظل الاضطرابات الحاصلة في الجنوب التونسي والمناطق المتاخمة لها من الجانب الليبي.
تشير العديد من الدراسات الدولية إلى أن التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية وبؤر الصراع العالمية، وهو ما يثير التساؤل خاصة مع تمكن تونس من فرض نفسها كدولة تشهد ديمقراطية ناشئة وسط جوار ملتهب.
الخبير في شؤون الإرهاب “إعلية العلاني”، يؤكد في هذا الخصوص أن ظاهرة الإرهاب تفاقمت في تونس في الفترة التي تلت الثورة أي بعد العام 2011، مرجعا ذلك إلى التغيير السياسي، وغياب الإرادة السياسية وقتها في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، وتدفق المال الخارجي دون رقابة كبيرة إلى تونس. زيادة عن ذلك هناك تراجع في الاقتصاد التونسي، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، ما أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة لدى التونسيين. ويرى الخبير العلاني أن هذه ظاهرة شهدت تراجعا في تونس في الأعوام الماضية لكنها لا زالت موجودة.
وشدد المتحدث على ضرورة التدخل الدولي في مكافحة هذه الظاهرة وعدم اهمالها موضحا أن ” تونس لا تستطيع لوحدها القضاء على ظاهرة الإرهاب، فالظروف الدولية المحيطة ونقص الأموال والأجهزة كلها أمور تساعد على عرقلة فرض الدولة لنفوذها وملاحقة التنظيمات المتطرفة”.
توظيف الازمات الداخلية
وتعد العلاقة بين الأحزاب والتيارات والحركات السياسية التونسية التي يغلب عليها الصراع، أحد المحفزات الرئيسة لداعش لاستعادة دوره، حيث تتنامى عمليات التنظيم في وقت أخذت التجاذبات السياسية تتزايد داخل الائتلاف الحكومي، وكذلك الخلاف بين بعض التيارات المدنية مثل الحزب الدستوري الحر وحركة النهضة، وهو ما يُعطي التنظيمات الإرهابية الفرصة لإغواء وإغراء الشباب بالمال والسلاح لتجنيدهم في صفوف هذه التنظيمات، وذلك من خلال توظيف الأزمات الداخلية التي تعاني منها تونس، والفراغ الذي تتركه النخبة السياسية والحكومة أمام هذه التنظيمات لملئها، وخاصة في المناطق التي تعاني تهميشاً اقتصادياً واجتماعياً.
وتعتبر العمليات التي قام بها تنظيم “داعش”، أو التي تم إحباطها، انعكاساً بشكل أو بآخر لتعقيدات الصراع الليبي، خاصة في ظل محاولة “داعش” إعادة التموضع في البؤرة الليبية، ومحاولته نقل عناصره والأسلحة للأراضي التونسية عبر الحدود الرخوة، وهو ما سبق أن أشار إليه وزير الدفاع عماد الحزقي. وتهدف عناصر “داعش” إلى البحث عن أماكن ارتكاز بديلة لتكون قاعدة للتنظيم المركزي، ويجري التركيز على ليبيا لكونها إحدى المناطق الجغرافية الهشَّة، إلى جانب الاستفادة من حالة الصراع الدائرة هناك، فضلاً عن قُرْب ليبيا من إحدى أهم ولايات تنظيم داعش (غرب أفريقيا)، وسهولة انتقال الأفراد والمعدات عبر الحدود الجنوبية لليبيا للوصول إلى مناطق ارتكاز التنظيم في وسط أفريقيا وغربها.
تهديدات جدية
وجدير بالذكر ان تونس تحولت إلى إحدى الدول الرئيسة التي ينتقل مواطنوها إلى سوريا واليمن وليبيا خلال السنوات التسع الماضية، وهي إحدى القضايا التي لا يزال الجدل متصاعداً بشأنها. وتتفاوت التقديرات بشأن أعداد هؤلاء ما بين 3500 و6000 مقاتل. ولأن هذا الملف شائك، ويوجد به العديد من الثغرات القانونية التي تُعرقل عمل القضاة نظراً لعدم وجود مستندات تثبت قتال هؤلاء في بؤر الصراعات، بل توجد أوراق ثبوتية بسفرهم إلى تركيا وعدم خروجهم منها، فإن مثل هذا الأمر يسمح لهم بالعودة كمواطنين عاديين يُمكنهم التحرك بحرية في الداخل التونسي والقيام بعمليات تهز الأمن والاستقرار.
ومن أبرز التهديدات التي تواجه مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية عمليات “الذئب المنفرد”، التي تقوم بها عناصر قليلة من “داعش” بشكل لامركزي، والتي تستهدف عناصر الأجهزة الأمنية والعسكرية. وقد لوحظ أن مُنفِّذي العملية الأخيرة التي شهدتها سوسة لم يكونوا مُصنَّفين لدى الجهات الأمنية. كما أن مُنفِّذي عمليات أخرى سبق توقيفهم ثم أُفرِجَ عنهم، ليتم تصفيتهم بعد قيامهم بعملية هنا أو هناك.
ورغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية التونسية في الكشف عن المنتمين تنظيمياً والموالين فكرياً لداعش، إلا أن هناك ثغرات ينفذ منها الإرهابيون، ومن بينها شبكة “الإنترنت المظلم”، وتحديداً شبكات التواصل الاجتماعي التي يُطلق عليها البقع العمياء إذ لا يمكن رؤيتها بسهولة، بالإضافة إلى كونها تنظيماً يتمتع بنوع من الحماية اللوجستية من قبل من يدير عملياته وشبكاته الإلكترونية من الخارج.
ويهدد تنظيم “داعش” الأمن القومي التونسي. حيث يحاول عبر هجماته “المتفرقة” عرقلة الجهود المبذولة لتكريس الاستقرار الداخلي. كما سيظل يعمل على توظيف “شبكات التسفير” المدعومة من جهات محلية، والبحث عن مناطق آمنة لعناصره عبر الفروع والتنظيمات الموالية له، وخاصة كتيبة “جند الخلافة”، التي بايعت زعيم التنظيم أبو إبراهيم القُريشي. وتعمل الحكومة التونسية على تعزيز اتصالاتها وتوثيق تعاونها مع القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة.