تواصل روسيا تدخلها في الشأن الفلسطيني الداخلي, حيث تستغل روسيا حالة الإنقسام الفلسطيني والصراع الفلسطيني الإسرائيلى للدخول إلى المنطقة, فيما تشهد اللقاءات الروسية مع حماس تطوراً كبيراً في ظل الدعوات الروسية المتواصلة لإستضافة قيادات حركة حماس, أما على صعيد حماس فتسعى هي الأخرى إلى فتح قنوات حوار مع دول عديدة سواء عربية أو أوروبية, في خطوة لتعزيز حضورها السياسى في المنطقة, وفرض معادلة ردع من خلال إفساح المجال أما تطوير قدرات جهازها العسكرى, والذى يعتبر مصدر قوتها في ظل الدعوات الإسرائيلية والأمريكية المطالبة بنزع سلاحها, والذى تواصل تطويره من خلال جلب الخبرات العسكرية الخارجية
وبحسب صحيفة معاريف العبرية, فإن وحدة العسكرية في الجيش الإسرائيلى تبدى قلقها من فتح روسيا أبوابها والترحيب بقيادة حماس وفتح قنوات حوار معها, والذى قد يدفع حماس إلى إستغلال العلاقات وتطويرها من أجل الحصول على دعم وخبرات عسكرية, تخدم برنامجها العسكرى الذى تواصل الليل بالنهار من أجل تطويره وإلحاق الضرر بإسرائيل .
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل منزعجة من العلاقات بين روسيا وحماس, ويعتقد المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل, أن ثمة تقارباً بين موسكو وحركة حماس يأتي ضمن مساعي الأخيرة إلى فرض معادلة في منطقة الشرق الأوسط, من شأنها الضغط على إسرائيل من خلال إشراك روسيا بالتدخل لإيجاد حل أمام الضغوطات الإسرائيلية الواقعة عليها, وبذلك تستغل حماس الدعم الروسي لمواقفها, وتشرع في بناء قوة سياسية وعسكرية مؤثرة على إسرائيل تحت مظلة روسيا.
أما صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية, قالت أن روسيا تلعب دور خطير وحساس في المنطقة ولاسيما بفتح علاقات مع منظمة مصنفة إرهابية كحماس, في حين أن وقوف روسيا إلى جانب حماس قد يساهم في دعم مواقفها السياسية في المنطقة على حساب السلطة الفلسطينية, وهذا الدعم يعطى حماس الفرصة في تعزيز وجودها في المشهد السياسى الإقليمى, ويعزز ذلك من إستغلال حماس هذا الدور من أجل تطوير قدراتها العسكرية, في ظل وجود نوايا لدى روسيا في إنشاء تحالف مع إيران في منطقة الشرق الأوسط, وهذا يخدم بالمقام الأول حماس والتى تعتبر أحد أذرع إيران في المنطقة.
ووجهت موسكو في مرات عديدة إنتقادات حادة لإسرائيل, وذلك على خلفية شن ضربات عسكرية على قطاع غزة خلال الفترات الماضية وإتهامها بإرتكاب المجازر بحق الفلسطينيين, وإلى جانب ذلك أكد السفير الروسي لدى إسرائيل ألكسندر شاين في وقت سابق, أن بلاده لا تعتبر حماس حركة إرهابية, مؤكداً أن حماس تعتبر جزءاً من واقع التسوية, وهذا من شأنه أن يدعم مواقف حماس ويمنحها إنفتاح على العالم الخارجى بفضل المواقف الروسية المؤثرة, فيما تخفى روسيا عدائها لإسرائيل وذلك على خلفية تعرض القواعد الروسية في سوريا مؤخراً لهجمات من قبل سلاح الجو الإسرائيلى, وهذا تسبب بأزمة سياسية قائمة بين البلدين جعل إسرائيل في حالة من القلق لعدم رغبتها في إنزلاق العلاقات مع روسيا.
من جهته يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلى يوسف أبو عجوة أن حماس متمسكة بشكل كبير في فتح خطوط حوار وبناء علاقات قوية مع موسكو, كون روسيا قوة عظمة مؤثرة في المنطقة, وتخالف سياسات إسرائيل وأمريكا وهذا يعزز من مواقف حماس وحضورها السياسي في المنطقة, والذى من شأنه أن يعطى لحماس التأييد لسياساتها وينهى عزلتها الإقليمية, وتضغط من خلال ذلك على إسرائيل وتدفعها للتخفيف من حدة الحصار والعقوبات التي تفرضها عليها في غزة.
ويضيف أبو عجوة في حديثه لـ”مرصد مينا” أن توجه روسيا هي الأخرى بفتح علاقات مع حماس, مرتبط برغبة موسكو في العودة للمنطقة ووضع موطئ قدم لها فيها, وكسر الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة, خاصة في ظل إنشغال المنطقة العربية ومنذ سنوات طويلة بالقضية الفلسطينية والتى تعتبر جوهر ومركز الصراع, وعن أسباب تجاهل روسيا للسلطة وإختيار حماس, يأتي ذلك من باب أن روسيا تعتبر الأخيرة جبهة مؤثرة في المنطقة, وتنتهج خيار الكفاح المسلح ضد إسرائيل على غرار السلطة الفلسطينية التي تسير نحو نهج سلمى وتؤيد المفاوضات والحل السلمى مع إسرائيل, ومن هنا تعتبر حماس بالنسبة لروسيا بوابة الدخول وبقوة إلى المنطقة, لخلق ثقل وتوازن يساعدها في لجم إحتكار أمريكا وإسرائيل للدول العربية والتدخل في شؤونها الداخلية.
ويشير إلى أن تخوف إسرائيل من فتح حماس علاقات مع دول عربية وأوروبية, نابع من رغبة حماس المتواصلة في تطوير برنامجها العسكرى, خاصة على صعيد تطوير تقنيات الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة إلى جانب تطوير سلاح الطائرات المسيرة, وبإمكان توثيق العلاقات مع روسيا منح حماس الفرصة في الحصول على خبرات عسكرية سرية تقدمها روسيا, مقابل منح حماس روسيا دور سياسى فعال في المنطقة تحقق من خلاله مساعيها.
وكشفت شعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلى أمان, عن معلومات أمنية تفيد بحصول الجناح المسلح لحركة حماس على دفعة من صواريخ متقدمة مضادة للطائرات صنعت في روسيا, حيث تم تهريبها إلى قطاع غزة من الأراضى الليبية ليبيا, في حين أعربت الشعبة العسكرية عن قلقها من تداعيات تهريب صواريخ حديثة ومتطورة إلى قطاع غزة, حيث أن هذه الصواريخ بإمكانها التشويش على حركة سلاح الجو, الذى يعتبر من أهم الأسلحة الإستراتيجية للجيش, إلى جانب أن هذه الصواريخ باتت تهدد حركة الملاحة الجوية للطائرات المدنية خلال رحلاتها.
في السياق أكد الخبير العسكرى واصل السباعي أن روسيا كما حماس التي ترغب في إنهاء عزلتها والحذو نحو الإنفتاح الخارجى, تسعى جاهدة لتوثيق علاقات جيدة في منطقة الشرق الأوسط خاصة مع الجماعات المناوئة لتوجهات إسرائيل وأمريكا ومؤثرة عليها, وذلك في خطوة للضغط على أمريكا التي تستفرد بالعرب وتفرض الهيمنة في المنطقة, حيث ترغب روسيا في التدخل بالقضية الفلسطينية والعمل كوسيط رئيسي لإدارة عملية السلام والتدخل في حل النزاع المتواصل بين قطاع غزة وإسرائيل, بهدف تحقيق مصالحها كون القضية الفلسطينية من القضايا المهمة التي يمكن أن تتيح لها نفوذ في المنطقة.
ويقول السباعي في حديثه لـ”مرصد مينا” أن روسيا تتجه لكسر هيمنة إسرائيل التي تتخذ من أمريكا مصدر دعم وإسناد في المنطقة, من خلال فتح مجال للتعاون العسكرى مع إيران ونفوذها في الشرق الأوسط, والعمل على بناء تحالف عسكرى شامل يجمع في ذلك حماس وحزب الله وسوريا أحد أذرع إيران في المنطقة, وهذا ما يشكل خطر على إسرائيل التي ستواجه تهديد حقيقي وخطير.
ويوضح أن حماس التي تعانى من ضائقة في الحصول على السلاح من الخارج, نتيجة الحصار الإسرائيلى المطبق الذى تعانيه غزة وإعتمادها مؤخراً على جهود ذاتية في تطوير قدراتها العسكرية, والتى تشهدت تقدم كبير بفضل خبرات خارجية حصلت عليها, سيدفعها إلى إستغلال العلاقات الروسية من خلال الإستفادة من خبرات عسكرية روسية, تضيف تقدماً في مسيرة تطوير قدراتها كون روسيا من الدول المتقدمة جداً في الخبرات العسكرية.
وتابع ترغب حماس من خلال تقاربها إلى دعوة روسيا للتوسط في تلطيف العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري, من خلال الدفع نحو تفعيل العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية عام 2011, في ظل قدرة روسيا في الضغط على النظام السوري الذى يصر على إغلاق الأبواب في وجه قادة حماس, على الرغم من الوساطة الإيرانية التي قدمتها حماس سابقاً ولم تنجح في إعادة العلاقات.
وفى خضم جهود روسيا نحو بناء علاقات بحركات المقاومة الفلسطينية وسعيها إلى فتح قنوات حوار متواصلة معها, إستنكرت إسرائيل مطلع أذار /مارس الماضى إستضافة موسكو لوفد من حركة الجهاد الإسلامي بقيادة الأمين العام للحركة زياد النخالة, ولقائهم مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف, وطالب السفير الإسرائيلى في موسكو بالتراجع عن إستضافة روسيا للمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران, والتى تشكل خطراً على أمن إسرائيل ومواطنيها, وفى مقابل ذلك لم يمنع هذا الإستنكار روسيا من مواصلة فتح قنوات الحوار مع حركات المقاومة الفلسطينية, وهذا ما يخلق حالة من التوتر لدى الساحة السياسية والعسكرية في إسرائيل.