ملخص تنفيذي:
تقرأ هذه الورقة في الفرضية المطروحة حول وجود مخطط إخواني للإنتقال إلى ماليزيا الواقعة جنوب شرق آسيا، وتحويلها إلى ملاذ آمن للعناصر الهاربة في الشرق الأوسط.
وتحلل الورقة الأسباب والعوامل التي قد تمّكن التنظيم من تنفيذ ذلك، كما تتطرق إلى التحديات والعوائق التي من شأنها أن تحول دون اعتماد هذا الخيار.
كما تناقش هذه الورقة مدى واقعية هذا الطرح بالإعتماد على المعطيات المحلية، والظروف الموضوعية الراهنة، وتُقدّم بعض السيناريوهات المحتملة.
مدخل:
بين حين وآخر، تتصدّر ماليزيا واجهة الأخبار والتحليلات التي ترى بأنّ البلد الآسيوي سيكون “الوجهة الجديدة” لشتات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وخاصة الفرع المصري الذي يشكل نواة هذا التنظيم. وترتبط هذه الفرضية دون شك بالتحولات السياسيّة التي جرت- وتجري- على مستوى الرعاة الإقليميين للجماعة، تركيا وقطر، وأيضاً بالتضييق الواقع على شبكات الجماعة في أوروبا، وخاصة في فرنسا وألمانيا والنمسا. ناهيك عن حالة الإنكسار الذي تعيشه الجماعة بعد سقوط حكمهم في مصر، وفشل مشروعهم في بقية الدول كتونس والمغرب وليبيا واليمن، وهو ما انعكس في المحصلة على هيكلية التنظيم نفسه الذي بات مهدداً في وجوده بعد الخلاف الحاد بين قطبيه الرئيسيين؛ جبهة أنقرة ويترأسها الأمين السابق محمود حسين، وجبهة لندن التي يتزعمها القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير.
ويبدو أنّ اختيار ماليزيا كقاعدة “مفترضة” جديدة للتنظيم الدولي للإخوان متعلق بظروف خاصة بالمملكة ذاتها؛ إذ أنّ أذرع محلية عديدة تتبنى فكر الجماعة ومشروعها، حاضرة بالفعل ومنذ عقود في المشهد السياسي والإجتماعي والدعوي بالبلاد، وهو ما تجلى في احتضان كوالالمبور عدداً من مؤتمرات التنظيم الدولي للإخوان خلال العقد الماضي، كان أولها في يناير 2012 تحت مسمى “المؤتمر الدولي الأول للحركة العالمية للمعتدلين”، ولاحقاً من خلال اجتماع “الوسطية والاعتدال” الذي عُقد أواخر عام 2013 تحت رعاية الحزب الحاكم آنذاك “أمنو”، بحضور خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وعبد الموجود الدرديري، عضو لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، ورضا فهمي، القيادي بالحزب. ثمّ أتت تصريحات وزير الداخلية الماليزي الأسبق أحمد زاهد حميدي، في مناسبات مختلفة خلال عامي 2017 و 2018 ، حول استعداد بلاده لاستقبال عناصر من حماس والإخوان لرفع الحرج عن قطر في أزمتها الأخيرة مع دول الخليج. وهي التصريحات التي سرعان ما تلقفتها قيادات الجماعة، فكانت زيارة زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي ماليزيا، واستقباله من قبل رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبدالرزاق، بالتزامن مع تنظيم ما سُمى «الاجتماع الدولي لتضامن الأمة الإسلامية في آسيا»، الذي عقد في ولاية كيلانتان بالتعاون مع حكومة الولاية واتحاد علماء المسلمين.
وتُوّج هذا الزخم السياسي بقمّة كوالالمبور الإسلامية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، التي دعا لها رئيس الوزراء الماليزي السابق، مهاتير محمد، المعروف بصلاته القوية مع جماعة الإخوان المسلمين، وشاركت فيها ماليزيا وتركيا وقطر وإندونيسيا، في مسعى من محور “الإسلام السياسي” آنذاك إلى مزاحمة منظمة التعاون الإسلامي (مقرها السعودية)، والتي تضم في عضويتها 57 دولة، في دورها ومكانتها. إلا أنّ هذا الفصل من “الطموحات” ربما انتهى مع رحيل مهاتير محمد عن السلطة في 24 فبراير (شباط) 2020 ، حين استقال من منصبه على وقع خلافات في التحالف الحاكم في بلاده.
أولاً – عوامل وأسباب محتملة لتوجه الإخوان نحو ماليزيا:
الحضور الإخواني المتجذر في ماليزيا، وأبرز أدواته:
- الحزب الإسلامي الماليزي (باس): يعتبر بمثابة الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين. تأسس في الخمسينيات، وتأثر كثيراً بفكر رموز جماعة الإخوان لكن قادته يؤكدون أنهم تأثروا كذلك بالجماعات الإسلامية الأخرى حول العالم كالتبليغ والدعوة و”الجماعة الإسلامية” وغيرها. وقد عمل الحزب منذ نشأته على تغيير نمط التدين الماليزي المتسامح، عن طريق نشر أفكاره المشددة، ناهيك عن تغلغله في مفاصل الدولة.
ويشارك الحزب اليوم في حكومة إسماعيل صبري يعقوب بثلاثة وزراء، هم: تقي الدين حسن، وزير الموارد الطبيعية والطاقة، وإدريس أحمد، وزير الشؤون الدينية، وتوان إبراهيم توان مان، وزير البيئة والمياه.
ويسيطر الحزب على الحكم في ولايات كلنتن (دار النعيم)، وترغكانو (دار الإيمان) وكيداه (دار الأمان)، كما يشارك الحزب في حكم ولايتي جوهور (دار التعظيم)، وبيراك (دار الرضوان)، وللحزب 91 عضواً في المجالس التشريعية، وله كذلك 18 من أصل 222 مقعداً في البرلمان.
يقود الحزب “عبد الهادي أوانج” (الشيخ هادي) وهو عضو مؤثر في التنظيم الدولي ومحسوب على الجناح الأكثر تشددًا في الحزب، فقد درس في المملكة العربية السعودية وتتلمذ على يد محمد قطب، شقيق المفكر الإسلامي الشهير سيد قطب. بينما درس العديد من قادة الحزب في القاهرة، وتبنوا أفكار الإخوان المسلمين هناك.
- حركة الشباب الإسلامي “أنغكاتان بيليا إسلام ماليزيا” والتي تعرف اختصاراً بـ (ABIM)؛ تأسست العام 1971، وهي الحركة التي قادها فيما بعد “أنور إبراهيم” أحد أبرز وجوه المعارضة الإسلامية في ماليزيا.
- جمعية إصلاح ماليزيا: التي تكونت نواتها الأولى من الطلاب الماليزيين المبعوثين بالجامعات البريطانية خلال فترة السبعينيات، وكانت لهم أنشطة ثقافية ودعوية من خلال ما عُرف بمجلس المندوبين الإسلامي.
يضاف إلى ذلك أن أعضاء من الصف الثاني بالجماعة، موجودون بالفعل في ماليزيا، ومنهم أحمد عبدالباسط محمد، مسؤول الملف الطلابي بالجماعة، الهارب من حكم بالإعدام في مصر، وهو من يقوم بالتنسيق مع عدد من الجامعات بدولتي ماليزيا وتركيا، لاستقبال الطلاب المصريين المنضمين للجماعة.
بينما تستخدم حركة حماس مركزها الثقافي في كوالالمبور للحفاظ على اتصالات غير رسمية مع مختلف دول جنوب شرق آسيا، على اعتبار أنّ السفارة الفلسطينية الرسمية تسيطر عليها حركة فتح. وأسست “حماس” المركز الثقافي” بعد أن رفضت فتح إخلاء السفارة إثر انتخابات 2006.
- التغيرات السياسية والاستراتيجية الكبرى التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط: حيث شهدت المنطقة خلال العامين الماضيين تحوّلات نوعيّة في سياسات اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، تجلّت في المصالحات العربية- التركية، والعربية-العربية، وانعكست بشكل سلبي على حضور وأداء جماعات الإسلام السياسي في معظم دول المنطقة، بعد “حقبة ذهبية” عايشتها تلك الجماعات خلال السنوات الأولى لثورات الربيع العربي.
- تراجع الدعم التركي- القطري: ربطاً بالفكرة السابقة، هناك تصوّر مدعوم بـ”المنطق السياسي” يقول بأنّ تركيا وقطر بدءتا بالتملص من دعمهما لجماعة الإخوان وخاصة أنقرة التي تسعى لتوطيد علاقاتها مع إسرائيل ومصر ودول الخليج، وتحدثت تقارير عن طردها لناشطين في حماس خلال الفترة الماضية. ومن المرجح أن ينسحب الأمر ذاته على قطر التي تستضيف قيادات إخوانية فارة من العدالة شأنها في ذلك شأن تركيا إلى جانب الدعم المالي والإعلامي الذي تقدمه الدولتان للتنظيم. وكان دعم قطر للإخوان أحد أسباب المقاطعة الخليجية التي انتهت عملياً بـ”المصالحة” التي تمت خلال قمة العلا في السعودية في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.
- اشتداد الخناق على التنظيم في دول الإتحاد الأوروبي: شهدت العواصم الأوربية خلال الأشهر الماضية حراكاً واسعاً ضد شبكات التنظيم التي تغوّلت في عدة دول أوروبية منذ عقود خلت تحت ستار “العمل الخيري” وتمثيل الجاليات المسلمة، مستغلة في ذلك مناخ الحريات والديمقراطية. وتواجه الجماعة اليوم مشكلات تكمن في نقص الدعم المالي واللوجيستي بالقارة الأوروبية، في ظل سعي السلطات الأمنية إلى تضييق الخناق على الجماعة والمنظمات التابعة لها، والعمل على مواجهة مخاطر تيار الإسلام السياسي، الذي يعتبره البعض بالقارة العجوز تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وليس أدل على ذلك من أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالتحديد منذ نيسان ابريل الفائت، تقدّمت أحزاب ألمانية رئيسية، من ضمنها حزبي الإتحاد المسيحي واليسار، بـ 8 طلبات إحاطة ومشاريع قرارات في البرلمان بخصوص طبيعة أنشطة وتمويل شبكات التنظيمات الإسلاموية في ألمانيا.
- بُعد اقتصادي: من المعروف أنّ ماليزيا هي إحدى النّمور الآسيويّة التي نما اقتصادها بشكل هائل خلال الاربعة عقود الأخيرة، وهو ما شكل عاملاً جاذباً للجماعة التي استغلت الحضور والنشاط السياسي للإسلاميين الموالين هناك فضلا عن التغلغل الإخواني في النسيج المجتمعي. وتدير جماعة الإخوان وبعض أذرعها مثل حركة حماس، بالفعل، العديد من المشاريع والاستثمارات والشركات في ماليزيا، وترتبط هذه الإستثمارات بشبكات اقتصادية في تركيا وبعض دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، الأمر الذي يصعّب مهمة تتبعها.
عملياً تحولت كوالامبور إلى وجهة لبعض أموال التنظيم، خاصة عقب يونيو 2013 في مصر، وذلك وفقًا لما كشفت عنه التحقيقات مع المتهمين من عناصر التنظيم في قضية الإضرار بالاقتصاد المصري. رغم ذلك، يصعب تقدير حجم استثمارات الإخوان في ماليزيا بشكل دقيق، إلا أنه يمكن الجزم أن التنظيم استثمر مليارات الدولارات في التجارة الحرة في منطقة شرق آسيا، وتحديدا ماليزيا منذ تسعينات القرن الماضي، وزادت بشكل كبير بعد الانهيار الذي شهدته على مدار السنوات القليلة الماضية.
- إمكانية استغلال الخصوصية الماليزية: وخاصة التنوع الديني والقومي والعرقي، مع وجود أغلبية مسلمة، يلعب الدين دوراً مهما في حياتها، وأيضاً وجود حالة طائفية يمكن تأجيجها حسب الحاجة، لترويج خطاب إسلاموي، يحمل نزعة دينية مغلقة، يسهل من خلالها تجنيد أفراد جدد، وضمهم إلى التنظيم. ناهيك عن القدرة على التسلل الناعم للحكم، عبر النظام السياسي الديمقراطي، وكذلك الانفتاح النسبي للمجال العام.
ثانياً – التحديات أمام تحوّل “ماليزيا” إلى قاعدة لجماعة الإخوان:
- طبيعة النظام القائم والحياة السياسية النشطة؛ إذ تحكم ماليزيا ملكية دستورية من نوع غير معتاد، يتناوب فيها منصب الملك – كل خمس سنوات – تسعة حكام تقليديون هم سلاطين تسع ولايات. كما تتميز ماليزيا بديمقراطية برلمانية نشطة تحول دون استئثار أي طرف على السلطة، وبالتالي تمنع اتخاذ قرارات أحادية من قبل الأحزاب الإسلامية في حال قررت توفير غطاء قانوني وسياسي لتواجد تنظيم الإخوان على أراضي الدولة. ويمكن الإستدلال على هذا التقييد من خلال أمرين؛
- الأول: أنّ الحزب الإسلامي فشل عام 2013 في تمرير قانون تطبيق الحدود في ولاية كلنتن (دار النعيم) ضمن البرلمان الاتحادي، رغم أنّه يسيطر على الولاية، منذ العام 1993. حينذاك، عجز الحزب عن إقناع الأحزاب الأخرى بتأييده في إجراء التعديل الدستوري المطلوب الذي يتطلب موافقة أغلبية الثلثين، ودون إقرار هذا التعديل لا يستطيع الحزب تطبيق الشريعة في كلنتن، إذ يعطي الدستور لحكومات وبرلمانات الولايات بعض الصلاحيات المحدودة، إلا أن نظام العدالة الجنائية موحد، ولا يمكن تعديله إلا بموافقة البرلمان الاتحادي، وهو ما اعتبر في النتيجة دليلاً على قوة المعارضة لتوجهات الحزب الإخوانيّة، وأدى الى انشقاق بعض الليبراليين عن الحزب وتأسيس “حزب الثقة الوطنية” (أمانة) عام 2015.
- الثاني: يحكم تحالف الجبهة الوطنية ماليزيا بقيادة المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو) أكثر من 6 عقود، وخسر السلطة في انتخابات عام ٢٠١٨، ثم عاد إليها عام ٢٠٢٠ ضمن شراكة مع أحزاب أخرى منافسة. ورغم أنّ الأحزاب الملايوية تهيمن على تشكيلة الحكومة المركزية التي يقودها اليوم اسماعيل صبري يعقوب (وهي الحكومة الثالثة منذ انتخابات مايو/أيار عام 2018 وتعدّ امتدادا لحكومة محيي الدين ياسين الذي استقال في أغسطس/آب 2021) إلا أنّ هناك تصدعات كبيرة بين أركانها الرئيسة وهي: حزب “أمنو” الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، وحزب “بِرساتو” (وحدة أبناء الأرض) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، والحزب الإسلامي الماليزي (باس).
- التواجد القوي للأحزاب القومية وبعض التيارات العلمانية في مفاصل الدولة: وأهم الأحزاب ذات التوجه القومي في ماليزيا؛
- المنظمة القومية الملايوية المتحدة (أمنو): يعرف الحزب نفسه بأنه حزب وطني ملايوي يتبنى الإسلام المعتدل، ويناضل من أجل التطلعات القومية لأبناء الملايو، وصيانة السيادة والهوية والثقافة الملاوية.
- حزب وحدة أبناء الأرض الماليزي (برساتو): رغم أنه تأسس على يد مهاتير محمد بعد انشقاقه عن حزب (أمنو) عام 2016، إلا أن الحزب يغلب عليه التوجه القومي.
- حزب العمل الديمقراطي: يهيمن عليه الماليزيون من أصول صينية.
- التنافس بين التيارات الإسلامية: أحد أوجه الصراع على السلطة والنفوذ في ماليزيا اليوم هو ذلك القائم بين جماعة الإخوان المسلمين بقيادة رئيس حزب الإسلام الماليزي عبد الهادي أوانج، وبين الوهابيين السلفيين بقيادة مفتي برليس، أسري زين العابدين، المعروف بإسم الدكتور مازا، والأخير مدعوم من رئيس الوزراء السابق شهيدان قاسم، وهو الصراع الذي قلّص من حرية سكان الملايو في ممارسة الإسلام وفقًا لتقاليدهم والمعروف بإسم “إسلام نوسانتارا”.
فعلى مدى العقود القليلة الماضية، تبنت أقلية من الملايو الفكر السلفي الوهابي الذي نشأ في المملكة العربية السعودية، وطوّر “أسري زين العابدين” (د. مازا) سلفية ماليزية هجينة مقرها ولاية بيرليس الريفية المحافظة الشمالية والتي ينص دستورها على أن الدين الرسمي للولاية هو “السنة والجماعة”.
وأحد انعكاسات صراع الطرفين في داخل البلاد هو حظر دخول عرّاب السلفية “د. مازا” إلى ولاية كيلانتان الإخوانية. أما خارجياً، فتمّ التعبير عن هذا الصراع من خلال الاصطفافات والسياسات الخارجية؛ فبينما يملك الإخوان في ماليزيا علاقات متينة مع “إخوان العقيدة” في الخارج، يموّل “د.مازا” رجل الدين السلفي “لطفي جاباكيا” في تايلاند، كما يتبرع سلفيو ماليزيا بأموال طائلة للسلطات الإسلامية الإقليمية في جنوب تايلاند.
- الحضور السعودي المناهض للإخوان: ربطاً بالفكرة السابقة، يشكل النفوذ السياسي والديني السعودي في ماليزيا أحد العوائق الرئيسية أمام هجرة قيادات وكوادر الإخوان المسلمين. وقد أنشأ السعوديون برنامجًا للمنح الدراسية في المملكة العربية السعودية، وقاموا بتمويل المدارس، وأرسلوا الدعاة إلى ولاية بيرليس. كما تشير بعض المعلومات إلى أنّ مؤسسة “د.مازا” الأساسية وهي Petubuhan Yayasan Al-Qayyim Malaysia ، ومؤسسة خير الأمة الدولية (IKAF) التي يديرها الداعية السلفي فتح الباري، يتم تمويلها جزئياً من المملكة العربية السعودية.
- حضور وسطوة أجهزة الأمن في البلاد؛ والتي قد تعترض على منح الإخوان أو حركة حماس مساحة أكبر في ماليزيا. ومن المرجح أن تدعم قوات الأمن في بعض دول جنوب شرق آسيا نظيرتها الماليزية. وكانت السلطات الماليزية قد أظهرت موقفا حازما لحرمان مجموعات من تنظيمي الإخوان المسلمين والقاعدة من إعادة تأسيس نفوذهما في البلاد، معتمدة على صرامة قانون الأمن الداخلي المناهض للأنشطة الإرهابية والمعدل في العام 2012، وباتت تتحفظ على أي نشاط ملحوظ للإخوان على أراضيها. كما أبعدت السلطات الحكومية الماليزية في مارس عام 2019 ستة عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين من المصريين وتونسي عن البلاد، بسبب مخالفات أمنية.
على المستوى المحلي، يتخوّف قادة في جماعة الإخوان بماليزيا من فقدان ثقة الحكومة والأجهزة الأمنية، ما يؤدي لمساواتها في المعاملة بالكيانات الجهادية، وأظهروا مؤخرا تعاونا مع السلطات في حال تواصل أفراد أو خلايا جهادية وافدة معهم طلبًا للحماية.
- النشاط الاستخباراتي الغربي والإسرائيلي المشترك في هذه المنطقة وخاصة في دول تعتبر في المقام الأول حليفة للولايات المتحدة، وهو ما يجعل خيار ماليزيا غير آمن على المدى البعيد بالنسبة إلى جماعة الإخوان وحركة حماس التي اغتيل أحد قادتها البارزين، عالم الطاقة الفلسطيني فادي محمد البطش، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، يوم 21 ابريل 2018.
ثالثاً- السيناروهات المطروحة:
على ضوء الإستعراض السابق لأبرز مفاعيل الحضور الإخواني في ماليزيا، والمحددات التي تؤطر هذا التواجد، يمكن قراءة فرضية انتقال ثقل تنظيم الإخوان إلى ماليزيا من خلال السيناريوهات التالية:
- الحفاظ على مستوى الحضور الراهن: ونقصد هنا حفاظ التنظيم الدولي على نشاطه الرسمي “المعتدل” على الأراضي الماليزية، وأيضاً استمرار بعض أذرعه وخلاياه بالأنشطة الحركية السرية، مثل خلايا حماس في ماليزيا. وهو السيناريو المتوقع في ظل تضاؤل التهديد المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين التي حفزت خصوم تركيا وقطر ضدّ سياستهما سابقاً، وبالتالي اكتفاء الدوحة وأنقرة بتحجيم نفوذ الجماعة والحد من تدخلاتها. ناهيك عن لجوء الرئيس أردوغان إلى ما أسماه الكاتب الصحفي والباحث في الحركات الإسلامية أحمد سلطان بـ”تتريك الإخوان” كوسيلة لإيجاد صيغة رسمية تضفي الشرعية على وجودهم في تركيا، وذلك من خلال تسهيل إجراءات حصولهم على إقامات. هذه الإجراءات تجعل الحديث عن مستقبل المعارضة والإخوان بالتحديد في تركيا أكثر تعقيداً.
- فشل المشروع أو نجاحه: وذلك مرتبط بعدة عوامل، أهمّها:
- ما ستفرزه الإنتخابات البرلمانية على المستوى الإتحادي في العام 2023.
- إمكانية حظر دول غربية للحركة وتصنيفها إرهابية، وهو ما ستلتزم به ماليزيا.
- التحولات في موقف أنقرة السياسي تجاه العديد من القضايا، وعلى رأسها موضوع العلاقة مع جماعة الإخوان، في محاولتها للتكيف مع المحيط الإقليمي.
- الصراع الحاصل بين جبهتي لندن واسطنبول، وما قد تفرزه من إعادة إنتاج لهيكليات جديدة في الجماعة، قد تتخذ بعضها منحى تصالحي مع الأنظمة المناوئة. ويندرج في هذا الإطار ما أدلى به ابراهيم منير لوكالة رويترز يوم 29 يوليو الماضي، قال فيه إن الجماعة ترفض الصراع على الحكم بأي صورة من الصور (حتى لو الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها التي تديرها الدولة، هذه الأمور عندنا مرفوضة تماما ولا نقبلها)، وهو مافُسّر على أنه إيذان بابتعاد الجماعة عن العمل السياسي بصورة كاملة.
خلاصة:
من خلال استعراض المعطيات المحلية الخاصة بماليزيا، والإقليمية ذات الصلة بالدول الفاعلة، والموضوعية المتعلقة ببعض جوانب الواقع القائم لتنظيم الإخوان، يمكن الإستنتاج أن توُّجه التنظيم نحو ماليزيا، إن حصل، لن يغير من واقع الجماعة المأزوم، فتجربة الإسلام السياسي في المنطقة والعالم، أثبتت فشلها بالنظر إلى الكم الهائل من الفوضى والعنف الذي تسبب به.
في ماليزيا، يمكن للجماعات القومية العلمانية في أجزاء مختلفة من ماليزيا، ولمعارضي نفوذ الإسلام السياسي، بما في ذلك الحزب الصيني والحركات الوهابية الموالية للسعودية، تضييق الخناق على أي محاولات لتوغل قادة الإخوان المسلمين في البلد الآسيوي.
بناءً عليه، يبدو أنّ الحديث عن إمكانية تحوّل ماليزيا إلى قاعدة محتملة لجماعة الإخوان يحتوي مبالغة وتجاهل لتحديات وعوائق كبيرة من شأنها أن تحول دون تنفيذ ذلك. دون شك، في حال استمرت تركيا بالتضييق على الجماعة فإنّ خيارات الأخيرة ستصبح أكثر محدودية. وبينما سيتجه القادة البارزون – خصوصًا حاملي الجنسيات الأجنبية – إلى الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا، سيكون قيادات الصف الثاني والثالث أمام مشكلة حقيقية.
مراجع:
https://www.eurasiareview.com/07052022-hamas-eyes-malaysia-as-a-possible-operations-base-analysis/
https://daqaeq.net/mb-malaysia/
https://www.reuters.com/article/oegin-malaysia-internet-ah2-idARAEGO94298320080309
http://www.islamist-movements.com/3432
https://www.okaz.com.sa/news/politics/2026659
https://www.bbc.com/arabic/world-46988069
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.