تنظيم “حراس الدين” هو تنظيم سلفي جهادي انشق رسميا عن تنظيم هيئة تحرير الشام بعد قيام الجولاني بفك ارتباط جبهة النصرة تنظيمياً عن “قاعدة الجهاد”، مما أحدث انقساما حادا بين قادة النصرة من منظِّري الحركة الجهادية الذين يرون الصراع من خلال منظور شامل يهدف إلى عولمته وليس إلى جعلِه مقتصراً على الحدود الوطنية. فبادروا بتأسيس تنظيم جديد، يسير على خط “القاعدة” ويتمايز عن تنظيم “الجولاني”، أطلقوا عليه اسم “حراس الدين”.
تركز هذه الدراسة التي أجراها مركز مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي على التنظيم القاعدي الجديد، باعتباره الطرف المنافس لـ”هيئة تحرير الشام”, ولما أحدثه من جلبة دولية باعتبار أبرز قادته مصنفين على لوائح الإرهاب. وتشمل عدة أقسام ترسم صورة كاملة لتنظيم “حراس الدين” منذ التأسيس وحتى يومنا هذا. هي:
- مدخل
- التأسيس
- الانسلاخ التدريجي عن ” فتح الشام”
- دوافع الانسلاخ
- التركيبة القيادية
- القائد العام للتنظيم
- مجلس شورى التنظيم
- قادة حراس الدين
- المقدَّرات البشرية والمادية للتنظيم
- الانتشار ومناطق النفوذ
- الصراع مع ” هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقا”:
- خلاصة
مدخل
يتسم الصراع الدائر بين منظري وقادة التيارات الجهادية في سورية داخل منظومة “القاعدة”، منذ نحو سنتين ونصف، بالتعقيد الشديد، لما يشكل من عامل مؤثر في مسار الأحداث الداخلية وما يتصل به من تفاعلات إقليمية ودولية, كما يعتبر الصراع البيني مصدراً للاستقطاب والتنافس على الشرعية الجهادية, ويظهر ذلك في أجلى صورة في الانقسام الحاد داخل مجموعة قادة تنظيم “جبهة النصرة” إثر إعلان “الجولاني” انفكاك “النصرة” عن التنظيم الأم ” القاعدة”, ليولد ” تنظيم حراس الدين” عصارة “القاعدة” في سورية, ويأتي في مقدمة التنظيمات الأكثر تشدداً, فقد أعلن عن تأسيسه في نهاية فبراير/شباط وبداية مارس/آذار عام 2018م . وتشكل من انشقاق مجموعة من “الجهاديين” عن “فتح الشام” أو “جبهة النصرة” تزامنا مع تأسيس “هيئة تحرير الشام”. مما زاد الوضع تعقيدا في المناطق المحررة، التي باتت ذريعة للاستنزاف، بين المختلفين والمؤتلفين على حدٍّ سواء. نتيجة الوضع العسكري الذي أفرزه التخندق الايديولوجي بين المجموعات الجهادية المسلحة، وما يشكله آفاق القادم بين هذه الكتل من انزلاقات باتجاه الانفجار كلما زادت حدّة التهديدات الخارجية.
التأسيس
تأسس تنظيم “حراس الدين” رسمياً في أواخر فبراير/شباط عام 2018. وكان وقتها فصيلاً جهادياً ضمن “هيئة تحرير الشام”، النصرة سابقاً. ولكن تأسيسه أسبق من ظهور بيانه الأول”1″، الذي بدأت بواكير فصوله، في يوليو/تموز 2016، عندما أعلن أبو محمد الجولاني، زعيم “جبهة النصرة”، فك ارتباطه تنظيمياً عن “قاعدة الجهاد” (القاعدة)”2″، وهو ما دفع قياديين وعناصر تحت إمرة الجولاني، للانزواء بعيداً عن “الجبهة” الجديدة، لكونها لم تعُد تابعة لـ”القاعدة”.
الانسلاخ التدريجي عن ” فتح الشام”
انسلخ تنظيم “حراس الدين” عن ” هيئة تحرير الشام – النصرة سابقا” لإعادة لملمة عناصر “القاعدة” في سورية بكيان عسكري مؤدلج بعد التحولات التي شهدتها “جبهة النصرة”, حيث لم يعد بإمكانهم الحفاظ على هويتهم القاعدية, أو التعبير عنها والتأثير في سياسات واستراتيجيات وأهداف “هيئة تحرير الشام” بالقدر الكافي, خصوصا أن استراتيجية الجولاني لم تعد تتيح ذلك بتاتاً, وقد مثّل تخليه عن نهج القاعدة فرصة ثمينة لشخصيات قاعدية أعلنت انسلاخها عن تنظيم الجولاني الجديد, وأبرزهم إياد طوباسي (أبو جليبيب)، وسامي العريدي (شرعي النصرة سابقاً وحراس الدين حالياً)، وبلال خريسات “أبو خديجة الأردني”، الذين أدركوا، في مرحلة التحول إلى “فتح الشام”، أن الوقت غير مناسب للانسلاخ ثم انطلقوا لتحقيق الهدف الرئيس من مشروعهم من خلال توسيع دائرة الاحتواء لقيادات وعناصر كثيرة داخل فتح الشام على أساس ايديولوجي, أو حتى الذين يختلفون مع براغمائية الجولاني, فضلاً عن استمالة السلفيين الذين يقفون موقفاً مختلفاً من فتح الشام, ويمكن وصف تلك المرحلة بتجميد نشاطهم, قبل أن يبدؤوا التحرك لتشكيل جسم جديد بعد ولادة “هيئة تحرير الشام”. ومع تشكيل “هيئة تحرير الشام”، انقسم أتباع “القاعدة”، إلى فريقين؛ الأول يعتبر أن التشكيل الجديد ضروري كون “النصرة- فتح الشام” كانت تسعى لإسقاط تنظيمها من لوائح الإرهاب الدولي، وعلى هذا فإن الميّالين لفكرة “الهيئة” الوليدة، اعتبروها تتماشى في أدبيات الجهاديين مع “فقه الواقع”، بينما الثاني رفض الفكرة، لكونها برأيهم ابتعاداً عن “نهج القاعدة” الصارم، الرافض لتمييع “تطبيق الشريعة” وفق ما تمليه التطورات”3″.
دوافع الانسلاخ
توافد إلى صفوف ” حراس الدين” مقاتلون كثر، لعدة دوافع، يمكن إجمالها بالتالي:
ـ الدافع الايديولوجي:
ويتمثل بتمسك القادة بنهج القاعدة، والحفاظ على الولاء التقليدي لها، بعد أن حوَّلَ الجولاني بطريقة عملية “تنظيم القاعدة”، من خلال “جبهة النصرة”، بعيداً عمّا كان يعرف بـ “الجهاد الدولي” بعد فك ارتباطها تنظيمياً بـ”القاعدة مما أثار ذلك غضب القادة ومرجعيات الحركة الجهادية الذين نظروا إلى الصراع من خلال منظور شامل يهدف إلى عولمته وليس إلى جعلِه مقتصراً على الحدود الوطنية”4″.
ـ الدافع السياسي:
حول “الجولاني” جبهة النصرة إلى منظمة محلية؛ تتفاعل مع بيئة سياسية معقدة، ولكن لم يكن هذا سبباً كافياً لكثيرين من قياداتها، كي يتخلوا عن بيعتها، فجاء تسارع التطورات العسكرية في الميدان السوري، إثر خسارة المعارضة السورية شرقي حلب نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، والبدء بأولى جولات مسار أستانة في 23 يناير/كانون الثاني 2017، الذي قسّم الفصائل العسكرية على اختلاف توجهاتها، في شمال غربي سورية، بين رافضٍ ومشاركٍ في هذا المسار الذي شهد جولات متعددة خلال العامين 2017 و2018″5″.
ـ الدافع الداخلي:
مع إعلان خروج “هيئة تحرير الشام” عن “القاعدة”، بات عددٌ غير قليل من عناصر وقادة “النصرة” يقرؤون تغيرات مزاج “الجولاني”، معتبرين إياه متخلياً عن نهج “القاعدة” فما كان من هؤلاء القادة، إلا البدء بفكرة تأسيس تنظيم جديد، يسير على خط “القاعدة”. وللتمايز عن الجولاني، حاول القادة المنشقون عنه، إثبات قدرتهم على التكيف مع الواقع المحلي والدولي في سوريا، مدعين بأنهم أكثر نضجاً ووعياً بمسار الصراع من داعش ومن الجولاني من خلال إثبات رفضهم محاربة الجماعات الثورية الأخرى على الرغم من الاختلافات الفكرية الشديدة بينهم. وذكر المغرد السوري ” مزمجر الشام”, أن الجولاني حاول التظاهر باستمرارية بيعته السرية للظواهري، إلا أنه وبعد الضغوطات عليه من قبل القاعدة، قرر الهروب إلى الأمام بتشكيل هيئة تحرير الشام”6″، المنفصلة كلياً عن “القاعدة”، وهو ما أدى إلى حرب إعلامية وخلافات ميدانية حادة بين الطرفين، تمثلت بانشقاق مجموعة كبيرة من قيادات وعناصر الهيئة.
التركيبة القيادية
أخذ كيان تنظيم القاعدة في سورية بالانقسام العلني والحاد، على مستوى القيادات الإدارية والميدانية، بعد أيام قليلة من فك ارتباط الجولاني “جبهة النصرة” عن تنظيم القاعدة، ومن ثم تأسيس تنظيم ” حراس الدين” وتعتبر تركيبته القيادية الراهنة نسخة قاعدية بامتياز، ويدير هذا التنظيم، الآن، القائد العام أبو همام الشامي، ومجلس الشورى الذي يتألف من عدّة شخصيات لها أهميتها في تنظيم القاعدة, وتتجلى هذه التركيبة وفق ما يلي:
القائد العام للتنظيم
هو ” سمير حجازي” المعروف بـ”أبو همام الشامي” القائد العسكري لجبهة النصرة السورية التابعة لتنظيم القاعدة سابقا، والقائد العام الحالي لتنظيم حراس الدين”7″, انتقل إلى أفغانستان في أواخر التسعينيات، حيث تدرب في معسكر يديره الخبير الاستراتيجي الجهادي “أبو مصعب السوري”. ثم تدرّب في معسكرات القاعدة، وأصبح قائداً لمجموعة السوريين في معسكرات التدريب في أفغانستان، هاجر إلى العراق أثناء الحرب في عام 2005، بناءً على طلب قيادة القاعدة، وأجرى تدريبات مع زعيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، ثم أوكلت إليه مهمة قيادة تنظيم القاعدة في سوريا, اعتقلته السلطات اللبنانية في بيروت لمدة خمس سنوات, وبعد الإفراج عنه انضم إلى جبهة النصرة, فرع تنظيم القاعدة في سوريا خلال الثورة السورية, ظهر في شريط فيديو “آذار/مارس 2014″, حيث أعلن أن مفاوضاته لإحلال السلام مع تنظيم الدولة قد فشلت، مما أدى إلى الحرب بين التنظيمين. وفي مارس 2015م ادّعت وسائل إعلام نظام الأسد أن إحدى غاراتها قتلت أبو همام الشامي بالقرب من إدلب”8”, ليظهر الشامي في العام 2018م قائدا عاما لتنظيم حراس الدين.
مجلس شورى التنظيم
يقود تنظيم “حراس الدين” مجلس شورى يغلب عليه المقاتلون الأردنيون؛ ممن قاتلوا في أفغانستان والعراق والبوسنة والقوقاز، ولهم باع طويل في صفوف تنظيم القاعدة بينهم (أبو جليبيب الأردني “الطوباسي”، أبو خديجة الأردني، أبو عبد الرحمن المكي، سيف العدل وسامي العريدي.
ــ سامي العريدي: الملقب “أبو محمود الشامي” هو رجل دين أردني يعتبر مرجعية شرعية كبرى ضمن تنظيم “جبهة النصرة – فرع القاعدة” في سوريا. وكان زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني، ضمن مقابلة تم بثها على قناة الجزيرة في 19 كانون الأول / ديسمبر 2013، قد نصح بالانتباه إلى ما يقوله “العريدي”، باعتباره من يمثل موقف التنظيم من المسائل الشرعية والعقائدية”9”. ولد العريدي عام 1973 في عمان، الأردن، وحصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأردنية. وله كتابان مطبوعان في نفس تخصصه، وكان يعتبر أحد قيادات التيار السلفي الجهادي في محافظة إربد، وقد تعرض للاعتقال عدة مرات لانتماءاته الفكرية، وسجن على خلفية قضية سميت “تنظيم الطائفة المنصورة”، وكان يعتبر أحد المرجعيات الشرعية للتيار في الأردن، ويحظى بعلاقة وثيقة مع أبرز منظري التيار على مستوى العالم عمر محمود أبو عمر، الشهير بـ “أبي قتادة” “10”. وقد تأثر بتعاليم المجاهدين القدامى من أمثال “أبو مصعب السوري”. انضم إلى جبهة النصرة وأصبح رئيسًا للهيئة الشرعية فيها بعد استبدال “أبو ماريا القحطاني”. وفي كانون1/ديسمبر 2014 أعلن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد تشكيل تحرير الشام، انشقّ عنها؛ لفك ارتباطها عن تنظيم القاعدة، واعتقلته “النصرة” لفترة قصيرة ثم أطلقت سراحه، لينضم إلى مجلس الشورى التابع لتنظيم “حراس الدين”.
ــ أبو جليبيب الأردني: واسمه الحقيقي إياد نظمي صالح خليل، ويعرف أيضًا باسم إياد الطوباسي، هو من مواليد 1974, تنقّل مع القاعدة من أفغانستان إلى العراق، ثم التحق بـ”تنظيم الدولة – داعش” ليوفده زعيمها “أبو بكر البغدادي” إلى سوريا. تنقّل بين عدة تنظيمات، وبحسب وثائق وزارة الخزانة الأمريكية”11″ والأمم المتحدة المتضمنة معلومات عن المتشددين، أن (أبو جليبيب) الأردني متزوج من شقيقة زوجة القيادي أبو مصعب الزرقاوي.
وتضيف الوثائق أنه “في عام 2011، بعد أن انتقل أبو جليبيب للعمل مع البغدادي، أوفده إلى سوريا لإنشاء فرع للتنظيم أضحى اسمه جبهة النصرة، وفي عام 2013 أعاد زعيم النصرة أبو محمد الجولاني، ربط هذا التنظيم مع القاعدة بزعامة أيمن الظواهري، وظل “أبو جليبيب” ضمن مؤيدي الجولاني في مناهضة البغدادي حتى عام 2016″. وحسب معلومات وزارة الخزانة الأمريكية فإن “أبو جليبيب” “ترقّى في “جبهة النصرة” ليصبح القيادي الثالث فيها، ويتولى إمارة فرعها في الساحل السوري، ومقره أدلب”.
وفي وقت لاحق من عام 2016، انشق عن جبهة النصرة عند تحوّلها إلى هيئة تحرير الشام، وفي عام 2017 اعتقلته هيئة تحرير الشام ولم تفرج عنه إلا ضمن تسوية مشروطة، ليعود “أبو جليبيب” بعدها لينشئ فصيلًا باسم “حراس الدين” ثم قتل في درعا بظروف غامضة بحسب مصادر مختلفة”12″.
ــ “أبو خديجة الأردني”: اسمه بلال خريسات ” شرعي جبهة النصرة سابقا في الغوطة الشرقية، وقاضي الأمنيين في جبهة النصرة، وأمير جبهة النصرة في البادية”13″.
المقدَّرات البشرية والمادية
تتكون قدرات تنظيم “حراس الدين” من القوة البشرية لوحدات فصائلية اندمجت معه، ولاسيما الفروع المنبثقة من “هيئة تحرير الشام” التي أعلنت مبايعتها “تنظيم القاعدة”، إلا أن عدد عناصره يتراوح من بضع مئات إلى نحو ألفَي مقاتل، وهو عدد منخفض مقارنة بهيئة تحرير الشام. غير أن الخلايا النائمة التابعة لحراس الدين وتكتيكاته في شنّ حرب عصابات، مثل الاغتيالات على الدراجات النارية والتفجير بواسطة سيارات مفخخة، تتيح له تأدية دور مُزعزِع للاستقرار، ما يساهم في تعزيز قوّته، ويشكّل المقاتلون المتمرّسون في تنظيم “حراس الدين” مصدراً إضافياً لقوته. فإلى جانب قدامى المحاربين الذين شاركوا في حروب أفغانستان والعراق، يستقطب “حراس الدين” العديد من المقاتلين المؤدلجين، ويتمتّع هؤلاء المجنّدون بمهارات كبيرة في الحرب، ولا سيما جمع المعلومات الاستخبارية.
وقد ساهمت تجارب التنظيم في أفغانستان، في تعزيز روابطه مع قيادة القاعدة المركزية، فضلاً عن شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية ضمن أقسام أخرى من التنظيم”14″. ونجح مؤسسو التنظيم عبر علاقاتهم بالأوساط الجهادية في شمال غربي سورية، باستقطاب مجموعاتٍ صغيرة، اختلفت حول الولاء لـ”جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام”، ووجدت في “حراس الدين” ملاذاً لها.
وأبرز هذه المجموعات آخر من تبقى من تنظيم “جند الأقصى”، و “جند الملاحم”، و”جند الشريعة”، و”جيش الساحل”، و”جيش البادية”، وعدد من المجموعات التي تطلق على نفسها وصف “السرايا”، أمثال “سرية غرباء”، و”سرية الساحل””15”.
لكن تنظيم “حراس الدين” يعاني من نقص التمويل وانخفاض مستويات التسلح. فقد صادرت هيئة تحرير الشام أسلحة معظم أولئك الذين انضموا إلى صفوفها. كما يفتقر تنظيم “حراس الدين” إلى هيكل إداري مركزي، فهو موزّع إلى مجموعات صغيرة في أجزاء مختلفة من شمال سوريا. كما تعمل الجماعة على اجتذاب المهاجرين (المقاتلين الأجانب) وكذلك المقاتلين المحليين الذين غادروا هيئة تحرير الشام”16″.
الانتشار ومناطق النفوذ
تنتشر وحدات التنظيم العسكرية في مناطق متعددة في الشمال السوري، وبحسب مصادر محلية؛ فإنهم ينتقلون من مكان لآخر، ولا يسيطرون فعلياً على قرى أو بلداتٍ بعينها، إنما يتوزعون جغرافياً، في عددٍ من القرى المدمّرة بفعل طيران روسيا ونظام الأسد، والمشاطرة للمناطق الواقعة تحت نفوذ قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية, في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي الشرقي, وقريباً من ريف اللاذقية الشمالي”17″.
الخلاف مع هيئة تحرير الشام، أسبابه ومآلاته
يشكِّل الاحتقان القائم بين (الحراس والهيئة)، جزءاً من الاحتقان السائد بين التنظيمات الجهادية؛ نتيجة استفراد ” الهيئة” بالسلطة، وما أحدثته، أو تحاول إحداثه، من تغييرات في الأبعاد المختلفة لنهج القاعدة بحسب منظري التيار الجهادي القاعدي، في سياق صراع تحركه تيارات سياسية متناقضة، تتداخل معها مصالح ذاتية متعارضة مع مكونات المجتمع السوري. ويرى منظرو تنظيم “حراس الدين” وجوب البقاء على “البيعة” لتنظيم القاعدة، فيما يرى منظرو الهيئة الداعمون للجولاني، مثل “الزبير الغزي وعبد الرحمن عطون”، أن قرار الانفصال عن القاعدة مبنيٌ على أسس “شرعية” سليمة.
لكن تنظيم “حراس الدين” انتهج منذ ولادته أسلوبين: أولهما، التركيز على العمل العسكري، وثانيهما، عدم مجابهة الهيئة ومنافستها على ما تملكه من سلطة على المجتمعات المحلية والمؤسسات والهيئات التابعة لها، أو المرتبطة بها مثل حكومة الإنقاذ. ولأجل ذلك شكّل “تنظيم الحراس” تحالفات عسكرية مع مجموعات جهادية موجودة في جبال الساحل”18″، وقام بإنشاء غرف عمليات مشتركة معها باسم ” وحرض المؤمنين” على خطوط التماس مع قوات نظام الأسد، وذكرت الغرفة أن العناصر التابعين لها هاجموا خطوط قوات الأسد البعيدة من الخلف، مستهدفين أكبر غرفة عمليات في “جبل الأكراد”، والواقعة في منطقة الجب الأحمر بريف اللاذقية. وأشارت الغرفة إلى أن عناصرها تمكنوا من قتل وجرح العديد من ضباط وعناصر الأسد، مما أحدث إرباكا شديدا في صفوفهم لعدم توقعهم وصول أي أحد لهذه المنطقة الحصينة”19”.
أبرز الأسباب، التي تقف خلف تدهور العلاقة بين الطرفين، انكشاف نوايا كل منهما تجاه الآخر، وما تحمله تلك النوايا من تهديد وجودي سياسي، رغم شراكتهما السابقة ضمن ” جبهة النصرة” عسكريًّا، وسياسياً، إلى ذلك، يعترض التنظيمان على جملة من الممارسات التي يعدونها شكلًا من أشكال التصعيد أو بابًا للخلاف بينهما، ويتصدر هذه الممارسات ما يلي:
- إثارة ما يعتبر أسراراً محرّمة، مثل كيف تمت عملية انفكاك جبهة النصرة عن القاعدة، واتهام هيئة تحرير الشام بالخيانة والحنث بالقسم. فيما يرى شرعيو ” الهيئة” أنّ قرار الانفصال عن القاعدة مبنيٌ على أسس “شرعية” سليمة.
- ادعاء تنظيم “حراس الدين” بأنّ “تطبيق الشريعة” لا يحتاج إذناً من “تحرير الشام”، ولا يحق لـ”الهيئة” منعها. فيما اعتبرت الهيئة أن سلوك ” الحرّاس” تدخلا في المناطق الخاضعة لنفوذها، مما أدى إلى وقوع قتلى من الهيئة في بلدة تلحدية بريف حلب الجنوبي”20″.
- التزام هيئة تحرير الشام بالمنظومة الإقليمية، في احترام مناطق خفض التصعيد مع نظام الأسد، وهذا ما أثار حفيظة “حراس الدين” الذين وصفوا الأتراك “بالكفّار” ووجهوا انتقادات لاذعة لـ”هيئة تحرير الشام” لتهاونها وتخلّيها عن “ثمار الجهاد”. واعتبر تنظيم “حراس الدين” اتفاق سوتشي حول إدلب “مؤامرة كبرى”، وشبهه بما حصل في البوسنة، حيث قال قيادي في التنظيم عن “اتفاقية نزع السلاح” في البوسنة: “بعد أن سلّم المسلمون السلاح، قتلهم الصرب تحت أعين الأمم المتحدة” “21”.
احتواء الانفجار الكبير
في ظل الشحن والتراشق الإعلامي المتبادل بين الهيئة والتنظيم، أوشك الوضع بين الجانبين على الانفجار، في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2017، أثناء قيام هيئة تحرير الشام بتنفيذ حملة اعتقالات كبرى، شملت قادةً من الدرجة الأولى والثانية من الموالين للقاعدة. فألقي القبض على المسؤول الشرعي السابق في جبهة النصرة، وهو الأردني سامي العريدي، وزميله في جبهة النصرة إياد الطوباسي (أبو جليبيب). كما اعتُقل نائب الزرقٍاوي، خالد العاروري (أبو القسام)، والقائد العسكري العام السابق للنصرة، أبو همام الشامي”22″، و” بلال خريسات” أبو خديجة الأردني، وكذلك قادة من الدرجة الثانية من بينهم أبو مسلم وأبو الليث. وقد تم احتواء ذلك غداة نجاح ضغط „الظواهري” على “الجولاني”، الذي أطلق سراح الشخصيات التي اعتقلها. الأمر الذي عمَّق الفجوة بينهما أكثر، لتبدأ عمليات الانتقام المتبادل من خلال الاغتيالات التي طالت شخصيات من الطرفين، وانشقاق مرجعيات دينية عن الهيئة ومن أبرزهم أبو اليقظان المصري لتضييق نطاق عمله وتحجيم دوره”23”.
خلاصة
لا تزال القيادات العليا لـ” هيئة تحرير الشام, وحراس الدين” تتعامل بشيء من الحرص للحفاظ على الهدوء الظرفي السائد بينهما, أما ما يحدث من مواجهات مسلحة عرضية، فإنها لا تعدو أن تكون تصرفات خارجة عن إرادة هذه القيادات، كما قد يكون ذلك تحت إملاء الضرورة، وفي حدود المسموح به، التي تقتضيها حسابات كل طرف، ومع ذلك انكمشت فجوة الخلاف، وتراجعت ظاهريًّا، ولكن يبقى حراس الدين عقبة أمام ضمان استقرار الهيئة في مناطق نفوذها, ويرفض الانصياع لقرارات الهيئة, مما ترتب عليه انتشار الفوضى الأمنية وتمدد آثارها لتمس أمن وسلامة قادة الهيئة وعناصرها، مثلما أدّت سلسلة من الاغتيالات الغامضة إلى استفحال التشنجات مؤخراً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام. وقد ألقى عدد كبير من الأشخاص باللائمة على الخلايا النائمة التابعة لحراس الدين. وقد استهدفت الاغتيالات كوادر ومقاتلين في هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، كما هاجم تنظيم حراس الدين، مواقع تابعة لنظام الأسد في محافظتي حماة واللاذقية، ما تسبّب بإطلاق عملية قصف جوي في منطقة جسر الشغور التي كانت هادئة لوقت قريب نتيجة التفاهم الروسي- التركي. ومن المتوقع حدوث مواجهة بين ” حراس الدين” من جهة، وهيئة تحرير الشام والفصائل الثورية من جهة أخرى، إذ ينص اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا على طرد التنظيمات الجهادية من إدلب.
المراجع
(1) حراسة شعلة القاعدة، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، رابط الكتروني، https://carnegie-mec.org/diwan/76548
(2) جبهة النصرة تعلن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، موقع BBC, رابط الكتروني،http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160728_syria_nusra_alqaeda
(3) تنظيمات القاعدة وأخواتها في إدلب: “حراس الدين” بنسختها الأردنية https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/10/13/
(4) الصراع بين الجهاديين وولادة حرّاس الدين https://syria.chathamhouse.org/ar/research/2018/jihadist-in-fighting-and-the-birth-of-horas-ad-deen
(5) تنظيمات القاعدة وأخواتها في إدلب: “حراس الدين” بنسختها الأردنية https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/10/13/
(6) “مزمجر” يكشف معلومات مثيرة عن القاعدة والأردنيين والجولاني https://arabi21.com/story/1071322/
(7) ترقبوا انتصارات “القاعدة” ضد النظام https://www.syria.tv/content/
(8) أبو همام الشامي.. 17 عاما من القتال https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/3/6/
(9) الشيخ سامي العريدي https://www.terrorism-info.org.il/ar/20623/
(10) ماذا تعرف عن قيادات وشرعي “جبهة النصرة” الذين ألقي القبض عليهم …؟ http://www.shaam.org/news/syria-news
(11) عقوبات وزارة الخزانة ضد كبار قادة جبهة النصرة https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/sm0011.aspx
(12) من هو “الجهادي” إياد الطوباسي الذي قتل بظروف غامضة في درعا؟ BBC, رابط الكتروني, http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46786800
(13) قيادات أردنية في “فتح الشام” تعلن انشقاقها عن التنظيم https://alkhaleejonline.net/
(14) تنظيم “حراس الدين” يستعيد “القاعدة” من يدَي “جبهة النصرة” http://www.alhayat.com/article/4585769
(15) تنظيمات القاعدة وأخواتها في إدلب: “حراس الدين” بنسختها الأردنية https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/10/13/
(16) الصراع بين الجهاديين وولادة حرّاس الدين https://syria.chathamhouse.org/ar/research/2018/jihadist-in-fighting-and-the-birth-of-horas-ad-deen
(17) لقاءات خاصة مع نشطاء من سكان المناطق المشاطرة لمناطق نفوذ نظام الأسد، حيث أفادوا أن “تنظيم حراس الدين” يتموضع على الجبهات، وليس لديه مقرات ثابتة.
(18) كيف سينتهي خلاف “تحرير الشام” و”حراس الدين”؟ https://www.aljumhuriya.net/ar/content
(19) غرفة عمليات وحرض المؤمنين تهاجم أكبر غرف عمليات قوات الأسد بجبل الأكراد http://www.shaam.org/news/syria-news
(20) مقتل قيادي عسكري لدى تحرير الشام على حاجز “حراس الدين”, موقع بلدي نيوز, رابط الكتروني, https://www.baladi-news.com/ar/news/details/41207/
(21) من هم “حراس الدين” الذين رفضوا اتفاق سوتشي حول إدلب السورية؟ http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46419251
(22) “تحرير الشام” تعتقل أبرز قياداتها الأردنيين (أسماء) https://arabi21.com/story/1052268
(23) لماذا استقال أبو اليقظان المصري من هيئة تحرير الشام؟
https://www.youtube.com/watch?v=9BdEfFGeF9I
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.