أثار الرئيس التونسي قيس سعيد قضية شرعية حكومة الوفاق في ليبيا خلال زيارته إلى فرنسا، في الوقت الذي بدأت فيه دول أخرى بمراجعة موقفها بشأن حكومة الوفاق الوطني.
وأثارت آراء سعيد ردود فعل غاضبة من الإسلاميين الليبيين كما أظهرت تصريحات محمد صوان، رئيس حزب العدالة والتنمية الليبي، الذي قال إن الرئيس التونسي مضلل به.
وفي سياق الحديث عن العمليات العسكرية الجارية في ليبيا، قال خبراء في الشأن الليبي إن المواجهة العسكرية الجارية أثبتت أن حكومة الوفاق الوطني تعمل بشكل أساسي كجبهة للإسلاميين منذ خسارتهم في الانتخابات التشريعية عام 2014.
مساء الاثنين الماضي، عقد الرئيس التونسي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، قال فيه إن “السلطة القائمة في ليبيا تقوم على الشرعية الدولية، وهي شرعية مؤقتة لا يمكن أن تستمر ويجب أن تستبدل بشرعية جديدة نابعة من إرادة الشعب الليبي.”
وأضاف سعيد: “يجب أن نبحث عن شرعية جديدة في ليبيا تنبثق من داخل ليبيا وأساسها الشرعية الانتخابية.”
وفيما يخص الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يواصل الإسلاميون في ليبيا والأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لهم، رفضهم لإجراء انتخابات جديدة خوفاً من تكرار كارثة 2014؛ لذا تسعى حكومة الوفاق إلى المماطلة واستغلال الوضع الحالي.
ويعكس موقف الرئيس التونسي الجديد انضمامه إلى الموقف الفرنسي، والذي أعلنت مصادر دبلوماسية في وقت سابق أن فرنسا تتحرك باتجاه سحب الشرعية من حكومة الوفاق الوطني، لتنضم إلى مصر، التي ألمح وزير خارجيتها، سامح شكري، يوم السبت إلى أن صلاحية التفويض الذي منح لحكومة فايز السراج قد انتهت صلاحيته.
وقد أبدى إسلاميو طرابلس قلقهم من أن وجود تونس كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن يدعم التحركات الفرنسية من أجل سحب الشرعية الدولية من الحكم الإسلامي الذي يهيمن على حكومة الوفاق الوطني، والذي أدى احتكاره للسلطة في طرابلس وتحالفه مع رجال الأعمال والأموال في مدينتي مصراتة وطرابلس إلى مزيد من العنف والفوضى في البلاد، خاصة بعد التدخل المسلح لميليشيات إسلامية ليبية ضد الانتخابات التشريعية في 2014.
ويرى الكثيرون أن اتفاقية الصخيرات ليست إلا صيغة تدعم الانقلاب الذي قام به الإسلاميون وميليشياتهم ضد إرادة الشعب الليبي، بعد أن صوت الليبيون لاختيار برلمان لا يخضع لسيطرة الإخوان المسلمين والميليشيات الليبية.
و في وقت سابق من هذا الشهر، أكد مصدر دبلوماسي عربي مطلع، أن الفرنسيين قد اتخذوا قرارهم بشأن حكومة الوفاق الوطني وأنهم سيسعون إلى الحصول على قرار من مجلس الأمن لسحب ما يسمى غطاء “الشرعية الدولية” من حكومة طرابلس. حكومة. وترى فرنسا أن مهمة مبعوث الأمم المتحدة المعين حديثاً في ليبيا هي إيجاد صيغة شاملة كي تحل محل اتفاقية الصخيرات المنتهية الصلاحية (منذ ديسمبر 2017)، والتي ستكون ملزمة لجميع الأطراف المشاركة في الصراع الليبي.
وتحاول الولايات المتحدة، وبخاصة من خلال نفوذ وزارة الخارجية الأمريكية، عرقلة تعيين مبعوث دولي جديد من شأنه التقليل من تأثير الولايات المتحدة في الملف الليبي، حيث تفرض الولايات المتحدة تدخلها في ملف ليبيا من خلال مبعوثتها الحالية، الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز.
وأضاف المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن التعنت الذي أظهرته فرنسا يستهدف حكومة الوفاق الوطني بشكل أساسي، لأنها الجانب الذي دعا علانية وبشكل رسمي إلى التدخل العسكري التركي.
وأشار وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم السبت الى أن التفويض الممنوح لحكومة الوفاق الوطني قد انتهى قبل عامين. وتمثل تصريحات شكري تحدياً غير مباشر من قبل مصر لشرعية حكومة الوفاق الوطني، على الرغم من أن حكومة طرابلس لا تزال تتمتع بدعم دولي.
وتعليقاً على رفض الإسلاميين للتحذير المصري من تدخل عسكري محتمل، قال شكري لوسائل الإعلام إن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس فشلت في تفسير موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل صحيح، وأعرب عن أمله في أن تلتزم حكومة الوفاق بالمدة المنصوص عليها في اتفاقية الصخيرات”.
ووفقاً لبنود اتفاقية الصخيرات، كانت ولاية حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج ستنتهي في 17 ديسمبر 2017، بما في ذلك تمديد لمدة عام واحد لم يتم الإعلان عنه. ومع ذلك، يواصل المجتمع الدولي دعمه للحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون حتى اليوم، أي بعد ثلاث سنوات من انتهاء ولايتها.
وتنص اتفاقية الصخيرات الموقعة في ديسمبر 2015، على أن السلطة الدستورية للاتفاقية وصلاحيتها مدتها سنة واحدة منذ توقيعها، ويمكن تمديدها لسنة أخرى ولكن بعد الاتفاق بين الأطراف المعنية.
منذ تشكيلها، لم تحظَ حكومة الوفاق الوطني بتوافق آراء جميع الأطراف المعني ، والأهم من ذلك أنها لم يتم الاعتراف بشرعيتها من قبل البرلمان الليبي، الذي رفض أيضاً إدراج اتفاقية الصخيرات في الإعلان الدستوري.
خلال حملته الانتخابية، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد دعمه للشرعية الدولية في ليبيا، ولكن يبدو الآن أنه تراجع عن موقفه، لا سيما في ظل إساءة الإسلاميين للاعتراف الدولي بهم وفتح الطريق أمام التدخل التركي الذي جلب الآلاف من المسلحين والمرتزقة السوريين، بما في ذلك داعش وعناصر جبهة النصرة، وكل ذلك على بعد بضع مئات الكيلومترات من حدود تونس.
ويتعارض موقف سعيد الجديد مع موقف رئيس البرلمان التونسي ورئيس حزب حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي. ورداً على الاحتجاجات في تونس التي نددت باتصاله بفايز السراج، وتهنئته على استعادة قاعدة الوطية العسكرية، رد الغنوشي أن حكومة الوفاق الوطني تحظى باعتراف دولي.
وكما هو متوقع، هاجم الإسلاميون الليبيون الرئيس التونسي، حيث قال محمد صوان رئيس حزب العدالة والتنمية المنتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين إن “قيس سعيد يفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة حول الأزمة السياسية في ليبيا ونسيج الشعب الليبي”.
وقد دافع صوان عن الدستور الحالي، الذي صاغته هيئة منتخبة، ولكن يعتبره الكثيرون مليئاً بالثغرات، ويهدف إلى استبعاد معظم معارضي الإسلاميين من الترشح للانتخابات الرئاسية. إلا أن الرئيس سعيد قال إن الدستور يجب أن يستبدل بدستور أعدته القبائل الليبية.
وأضاف صوان: “إن حديثه عن دستور كتبه زعماء القبائل ومقارنته الوضع في ليبيا بالوضع في أفغانستان سخيف، ودعونا لا نتحدث عن موقفه المنهجي ومنطقه الذي يفتقر إلى الدبلوماسية تجاه الجكومة الشرعية في ليبيا، والتي تأسست على أساس اتفاق بين الليبيين تحت رعاية الأمم المتحدة ووفقًا للإعلان الدستوري الذي لا يزال ينظم الحياة السياسية في ليبيا.”