تشتد الازمة الاقصادية التونسية تزامناً مع تصاعد الأزمة السياسية والحكومية، واستمرار معضلة التعديل الحكومي للشهر الخامس على التوالي، ما جعل تونس مهددةً بشكل فعلي بتكرار سيناريو الأزمة اللبنانية بشقيها السياسي والاقتصادي، خاصةَ مع فشل الحكومة حتى الآن بتأمين القرض المطلوب من صندوق النقد الدولي.
يشار إلى أن صندوق النقد قد أعلن عن عدم تمكنه من إقراض الحكومة التونسية مبلغ 4 مليارات دولار أمريكي، لا سيما في ظل غياب الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة من قبله لضمان سداد القرض، بالإضافة إلى حالة الفشل السائدة في مؤسسات الدولة التونسية، على حد وصف الصندوق.
الباحث في الشون التونسية، “سعيد بلمبارك”، ربط الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في تونس، بالنهج الحكومي، وانشغال رئيس الحكومة “هشام المشيشي” بالصراعات السياسية وحرب الصلاحيات مع رئيس الجمهورية، “قيس سعيد”.
عشرة أعوام ورهانات خاسرة
يشير “بلمبارك” إلى عدم جدوى الحلول، التي تسعى إليها حكومة “المشيشي” من خلال سياسة القروض، والتي لا يمكن اعتبارها حلاً ناجعاً للأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، بقدر ما هو تأجيل لوقوع الكارثة وتعميقاً لآثارها، على حد وصفه، مشدداً على أنه لا يمكن على الإطلاق حل الأزمة الاقتصادية بمعزل عن الأزمة السياسية القائمة، تحديداً أزمة التعديلات الدستورية.
يذكر أن “المشيشي” أجرى قبل أشهر تعديلاً وزارياَ شمل 11 وزيراً وسط معارضة رئيس الجمهورية “قيس سعيد”، الذي رفض استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية، بما يسمح لهم بممارسة مهامهم بشكلٍ رسمي.
إلى جانب ذلك، يضيف “بلمبارك”: “عملياً تونس لا تزال عالقة في مرحلة ما بعد الثورة، وصراعات الكتل السياسية، خاصةً وأن الجدال حول نظام الحكم مستمر بين مطالبٍ بالنظام الرئاسي ومطالبٍ بالابقاء على النظام شبه البرلماني، وهذا ما أدى إلى آثار سلبية على النشاط الاقتصادي والإصلاحي في تونس”، محملاً كافة الأطراف التونسية مسؤولية ما يحدث.
في السياق ذاته، يرى “بلمبارك” أن حركة النهضة المسيطرة على البرلمان والحكومة التونسية، تحاول تقديم تعهدات لرئيس الحكومة “المشيشي” بتأمين الدعم المالي من حلفائها الخارجيين، وعلى رأسهم تركيا، مقابل استمراره في مواجهة الرئيس “سعيد”، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن رهانات “المشيشي” على النهضة لن تكون موفقة، لا سيما وأن تركيا تعيد حالياً حساباتها في قضية دعم الإخوان المسلمين.
بالإضافة إلى التحولات التركية في العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، يظهر وفقاً “لبلمبارك” عامل عدم الاستقرار السياسي في وجه الاستثمارات الخارجية واستقطاب رؤوس الأموال، مشدداً على أن الحل الوحيد لتونس هو العودة إلى نقطة الصفر وبناء النظام السياسي من جديد.
حكومة بلا شرعية ولبنان يلوح في الأفق
يبدأ الكاتب الصحافي، “الحبيب الأسود”، في تقييمه للوضع الاقتصادي التونسي، بالتأكيد على أن رئيس الحكومة “هشام المشيشي” لا يملك أي شرعية انتخابية ولا زعامة شعبية تساعده على إقناع التونسيين بمشروعه الإصلاحي القائم على جملة من الإجراءات القاسية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الحكومة القائمة لا تمتلك أدوات الدولة القوية القادرة على فرض قراراتها ولاسيما في وجه الغضب الشعبي، بحسب ما نقلته عنه جريدة العرب.
كما يضيف “الأسود”: “المشيشي يرى نفسه مجبرا على اتخاذ القرارات الصعبة لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي تعرفها البلاد، وهي إجراءات كفيلة بالإطاحة بأي حكومة في أي بلد آخر، أو على الأقل بالتخفيض من شعبية أي زعيم حقيقي وإن كان يحظى بثقة الشعب”، مذكراَ بأن الحكومات المتلاحقة على حكم تونس منذ عشر سنوات عجزت عن التصدي للاحتجاجات والاعتصامات في مواقع الإنتاج الرئيسة بالبلاد.
في السياق ذاته يلفت “الأسود” إلى أن العديد من السياسات الحكومية أدت لاحقا إلى حالات العجز ومنها إلى اقتراب تونس من حالة الإفلاس، مشيراً إلى أن الفترة الماضية، شهدت تصاعد غير مسبوق لنفوذ المهربين ولرساميل الاقتصاد الموازي، الذي قال إنه قد يصل إلى عتبة الستين في المئة من الاقتصاد المحلي التونسي.
بعيداً عن التجاذبات السياسية، يؤكد المحلل الاقتصاد “خير الدين علي” أن تونس تسير بوتيرة متسارعة تجاه هاوية اقتصادية مشابهة لما يحدث في لبنان، خاصة مع انكماش الاقتصاد المحلي بنسبة تصل إلى 9 بالمئة خلال العام 2020، إلى جانب ارتفاع حجم الدين العام والدين الخارجي الذي وصل إلى 30 مليار دولار.
ويكشف “علي” أن معدل البطالة وبحسب الإحصائيات الرسمية وصل إلى 18 بالمئة، مضيفاً: “وفقاً لمعطيات الاقتصاد التونسي والآثار الناجمة عن نتشر فيروس كورونا المستجد، كوفيد 19، يمكن القول بأن نسبة البطالة قد تصل مع نهاية العام إلى ما بين 25 إلى 28 بالمئة من إجمالي التونسيين القادرين على العمل”.
الحل الكارثي والموت المستعجل
مع اتساع المطالبات بإقالة حكومة “المشيشي”، تحذر الباحثة في شؤون شمال إفريقيا، “سميرة صالح”، من أن تلك الخطوة ستكون بمثابة حل كارثي وتكرار السيناريو اللبناني بأركانه التامة في تونس، موضحةً: “في ظل الوضع السياسي الحالي، وعدم امتلاك أي كتلة برلمانية للأغلبية المطلقة، فإن استقالة المشيشي ستؤدي إلى نوع من الفراغ الحكومي، مع صعوبة اختيار رئيس بديل له، وبالتالي ستدخل تونس في نفق حكومة تسيير الأعمال إلى ما شاء الله”.
كما تلفت “صالح” إلى أن الحل يكمن في ضرورة إجراء انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، تخلص البرلمان التونسي من حالة القارب في نسب المقاعد بين الكتل السياسية الكبرى، بما يمكنه على الأقل من انتخاب حكومة أكثر استقراراً وقرباً من الشعب التونسي ومطالبه، وبعيدة عن حالات الابتزاز السياسي، الممارس حاليا من قبل بعض الأطراف، على حد قولها.
إلى جانب ذلك، تجدد “صالح” تأكيدها على أن الإطاحة بحكومة “المشيشي” في ظل الظروف النيابية الراهنة سكون بمثابة الموت المستعجل للبلاد وللثورة وللشعب التونسي، لا سيما وأنه قد يدفع باتجاه تدخل الجيش لإنهاء حالة الأزمة السياسية.