يعود التوتر إلى تسيُد المشهد التونسي مع اندلاع مظاهرات جديدة في مدينة عقارب التابعة لمحافظة صفاقس التونسية، على خلفية سوء مستوى الخدمات والمعيشة والظروف العامة، وهو ما يأتي عقب أسابيع من الهدوء النسبي في البلاد.
يشار أن الاحتجاجات في المدينة ترافقت مع الإضراب العام في القطاعين العام والخاص، في حين أكدت مصادر تونسية أن المظاهرات تحولت يوم الأربعاء إلى صدامات بين المحتجين وقوات الأمن بعد محاولة المتظاهرين إغلاق كافة مداخل المدينة واقتحام مكب النفايات بعقارب.
بلغ السيل الزبى
يعلق المحلل السياسي، “رمزي التمراني” على التصعيد الحاصل في عقارب بأنها القشة التي قصمت ظهر البعير وأبلغت السيل الزبى، لافتاً إلى أن الغضب بات ظاهرة عامة تجتاح كافة المدن التونسية بسبب استمرار الأزمات وضبابية مستقبل البلاد.
ويرى “التمراني” أن البلاد تتجه إلى المزيد من التصعيد الشعبي، الذي قد يفجر ثورة جديدة تطيح بكامل الطبقة السياسية الموجودة في البلاد، معتبراً أن حالة الصراع السياسي أفقدت تونس فعلياً كافة مكاسب الثورة ودفعت البلاد باتجاه حالة فوضى ناجمة عن صراع المناصب والسلطة بين كافة الأطراف.
إلى جانب ذلك، يعتبر “التمراني” أن زج الأمن التونسي في مواجهة الشعب الرافض لسوء المعيشة والمطالب بحقوقه قد يؤدي إلى إشعال البلاد بأكملها، خاصة مع سقوط قتيل بين المتظاهرين، لافتاً إلى أن القوى السياسية في تونس لم تدرك حتى الآن أن الشعب التونسي عرف طريق التظاهرات ولن يحكم من جديد بالخوف أو الرعب.
كما ينتقد “التمراني” حالة المراوحة في المكان التي تخيم على كافة الأزمات التي تمر بها تونس اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً، مشيراً إلى أن كافة المؤشرات والبيانات تؤكد على أن البلاد لم تشهد أي تطورٍ في ملف الأزمات.
يذكر أن إحصائيات شبه رسمية أكدت في وقت سابق من الشهر الماضي، أن عدد الفقراء في تونس وصل إلى أكثر من مليونين و500 ألف تونسي، فيما أعلنت 88 ألف مؤسسة صغرى ومتوسطة عن إغلاقها بشكل نهائي، في حين وصل معدل الدين العام إلى نحو 1 .99 مليار دينار تونسي خلال العام الجاري، مسجّلا زيادة بنسبة 2 .11 بالمائة مقارنة بسنة 2020.
أمام هذه المعطيات الاقتصادية، يؤكد “التمراني” أن تونس باتت تسير بخطوات متسارعة باتجاه الانهيار بعد أن كانت مثال يحتذى به بين الدول العربية التي عاشت ثورات الربيع العربي، لافتاً إلى أن الأمر يزداد خطورة مع حالة الارتباك السياسي وعدم استقرار الحكومة وغياب الرقابة البرلمانية.
خارطة طريق جديدة
مع اتجاه الأمور إلى المزيد من التصعيد والمواجهات من وجهة نظره، يطالب الاتحاد التونسي للشغل بوضع خارطة طريق تنهي المرحلة الاستثنائية في البلاد، على حد وصفه في بيانٍ صادرٍ عنه، مشيراً إلى ضرورة أن توضح خارطة الطريق المفترضة الرؤية السياسية ورسم مسار تصحيح حقيقي وإنهاء الغموض المحيط بالوضع العام.
تزامناً، يؤيد المحلل السياسي، “الطيب بوبكر” طرح الاتحاد في ضرورة إنهاء الأوضاع الاستثنائية في البلاد والاتجاه نحو وضع سياسي أكثر استقراراً، محذراً في الوقت ذاته من إمكانية أن تتجه بعض القوى السياسية المتضررة من الوضع الاستثنائي، في إشارة إلى حركة النهضة، إلى المزيد من التحريض التجييش وتسخين الشارع، في محاولة منها لاستعادة سلطتها المفقودة.
وكانت حركة النهضة التونسية، قد حملت في بيانٍ لها الأربعاء، الرئيس التونسي “قيس سعيد” مسؤولية المواجهات التي حدثت بين قوات الأمن والمتظاهرين في ولاية صفاقس وتسببت بوفاة الشاب “عبد الرزاق الأشهب”.، معربةً في الوقت ذاته عن إدانتها لما أسمته “اللجوء إلى المنهج الأمني في التعاطي مع مشاكل البلاد وما يخلفه ذلك من ضحايا وانتهاكات”.
في ذات السياق، يشير “بو بكر” أن استمرار الحالة الاستثنائية وانعاكسها السلبي على الظروف العامة وانشغال الحكومة بالصراعات السياسية بعيداً عن حاجة المواطن التونسي، تمثل فرصة بالنسبة لحركة النهضة للدفع باتجاه فك تجميد البرلمان، الذي تسيطر عليه وخلق مشكلات للحكومة الجديدة إلى حين إسقاطها وإعادة حكومة جديدة مقربة من الإخوان المسلمين.
يذكر أن الرئيس التونسي، “قيس سعيد” كان قد أصدر سلسلة قرارات استثنائية قبل عدة أشهر جمد بموجبها البرلمان التونسي، الذي كانت تسيطر حركة النهضة على أغلبية ضيئلة فيه، بالإضافة إلى إقالة رئيس الحكومة المحسوب على النهضة “هشام المشيشي” ونقل الصلاحيات التنفيذية من رئاسة الحكومة إلى مؤسسة الرئاسة، قبل أن يصدر قرار بتعيين رئيسة جديدة للوزارء.
إلى جانب ذلك، يعتبر “بوبكر” أن تونس تعاني من عدة مشكلات لها حل واحد فقط، يتمثل في إجراء انتخابات عامة مبكرة تنهي حالة الجدل الدستوري وتعيد الأمور إلى نصابها، بالإضافة إلى تشكيل حكومة قوية بدعم برلماني كبير، موضحاً أن أي شيء آخر خارج إطار الانتخابات لن يساهم في تحسين الأحوال ولا استقرارها.
الديمقراطية المصانة
رفضاً لاعتبار أن ما تشهده تونس هو مساس بالديمقراطية وحد من حرية التعبير، يقول الصحافي “حكيم المرزوقي”: “الكل يجمع في تونس على أن الديمقراطية مصانة أكثر من أي وقت مضى، وأن ما أقدم عليه الرئيس سعيد يصب في هذا المنحى ويسعى لتجذرها وتصحيح مسارها كي لا تكون واجهة لتلميع الفساد وتبييض الاستبداد”.
في السياق ذاته، يتساءل “المرزوقي”: “هل أن منظمات المجتمع المدني في تونس لن تتحرك وستبقى مكتوفة الأيدي في حال استشعارها بأن الديمقراطية مهددة أو متراجعة وهي الفطنة دائما والمعروفة بكثافة نشاطاتها منذ عهد الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي بل هي التي قادت الحراك الاجتماعي الذي تكلل بإعلان الرئيس سعيد تجميد البرلمان وحل الحكومة يوم الخامس والعشرين من يوليو؟”، بحسب ما نقلته جريدة العرب.
من جهته، يشدد الباحث في شؤون شمال إفريقيا، “موسى أنصاري” على أن قرارات الرئيس التونسي قد تكون إلى حد معين خارج السياق الديمقراطي الذي يريده التونسيون، إلا أنها في الوقت ذاته أنهت ظاهرة لا ديمقراطية تمثلت بسيطرة طيف واحد فقط مجسد بحركة النهضة طيلة عشر سنوات على السلطة، مشيراً إلى أن مسألة حفظ استقرار تونس لم تعد مرتبطة بالقرارات الاستثنائية وموقف النهضة منها، وإنما بأهمية أن يكون المواطن التونسي واحتياجاته هم بوصلة الحكومة الحالية أو القادمة، أياً كان الحل الذي سيتم تبنيه.
ويلفت “أنصاري” إلى أن المظاهرات اليوم ليست ضد قرارات الرئيس ولا لصالح إعادة النهضة للحكم وإنما هي مظاهرات رافضة لغياب المواطنين ومطالبهم وحقوقهم عن رادار الحكومة المؤسسات الرسمية، معتبراً أن تونس بحاجة ماسة لتحسين الوضع الاقتصادي وإنعاش المناخ الاستثماري وليس لمعارك سياسية وتصفية حسابات، على حد وصفه.