تعالت في الفترة الأخيرة أصوات العديد من المسؤولين الفرنسيين، داعية الى ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين. وقد وصل الامر بالنائب عن الضاحية الجنوبية اريريك كيوتي الى حد الدعوة بتعليق جميع قوانين الهجرة، مطالبا بالخروج من تشريعات السلم الى تشريعات الحرب. واعتبر ان فرنسا اليوم تعيش حربا معلنة مع الإرهاب.
وياتي ذلك، على إثر حادثة نيس الإرهابية التي تورط فيها شاب تونسي من المهاجرين غير النظاميين الذي هاجر خلسة إلى جزيرة لامبيدوزا ليدخل الأراضي الفرنسية قبل يومين من وقوع الحادثة الإرهابية.
ولتفعيل المطالب الداعية الى ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين، أدى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان زيارة الى تونس خلال نهاية الأسبوع المنقضي، بتكليف من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
231 تونسي غير نظامي
وتضمنت الزيارة حسب ما تم الكشف عنه، الإعداد لصيغة سلسة لتفعيل إجراء ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين والذي سيمكّن فرنسا من ترحيل قرابة 231 تونسي مقيمين بشكل غير قانوني وتتعلق بهم شبهات تطرف.
وقد تم اتخاذ هذا القرار عقب تعهد الرئيس التونسي قيس سعيد، بتسهيل منح التصاريح القنصلية لمواطنين تونسيين يشتبه بتطرّفهم ويعيشون بطريقة غير قانونية بفرنسا، وهي الوثيقة التي تسمح لهم بالرجوع أو بترحيلهم إلى بلدهم.
وهو ما يؤكد سير السلطات الفرنسية بصفة جدية ورسمية نحو تفعيل قرار ترحيل المهاجرين غير النظاميين والذي تكتمت رئاسة الجمهورية عليه ولم تشر إليه في بيانها الأخير الخاص بفحوى المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس قيس سعيّد مع نظيره الفرنسي إيمانوال ماكرون إثر حادثة نيس الإرهابية.
من جهته، قال وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، اثر لقائه بنظيره الفرنسي في تونس، أن كل من يثبت أنه تونسيّ مرحب به في بلده، والمسألة تخضع إلى نص قانوني مضيفا أن الفصل 25 من الدستور يمنع أصلا رفض قبول عودة التونسي إلى بلده مبينا أن قبول التونسيين المرحّلين يجب أن يتم في إطار المواثيق الدولية ووفقا لشروط أهمها حفظ كرامة التونسي.
رفض الضغط السياسي
في هذا الإطار أوضح السيد رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية المكلف بملف الهجرة، أن هذا الأمر يتعارض مع المواثيق الدولية مما يجعله إجراء غير قانوني خاصة عندما تكون عملية الترحيل جماعية مضيفا أن قرار الترحيل لم يصدر عن جهة قضائية ولم يقع توفير ضمانات قانونية للمهاجرين غير النظاميين ومنها توفير محام لينوبهم مما يجعل قرار ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين قرارا تعسفيا وهو ما يزيد منسوب التخوفات على وضعية المهاجرين التونسيين غير النظاميين في فرنسا.
وأبرز بن عمر في السياق ذاته أنه من المفترض أن لا تنساق السلطات التونسية وراء الدعوات لترحيل المهاجرين التونسيين والحال أن هذا الأمر يتعارض مع المواثيق الدولية.
ومن جهتها عبرت عديد الجمعيات الحقوقية في تونس عن رفضها للضغط السياسي على الحكومة التونسية من قبل بعض الحكومات الأوروبية التي تستغل الخوف الذي تسببه الجرائم المروعة التي يرتكبها الإرهابيون للتخلص من المهاجرين غير النظاميين في تحد للقانون والعدالة معربين عن رفضهم للاتفاق الأخير الذي انتزعته السلطات الإيطالية والذي يعمم الإعادة القسرية الجماعية على حساب التشريع كما اعتبرت هذه الجمعيات أن زيارة وزير الداخلية الفرنسي محفوفة بالتهديدات ضد المهاجرين التونسيين في فرنسا خاصة أولئك الذين ينتظرون تسوية أوضاعهم.
دعم سياسي ومالي
وفي هذا الإطار أوضح الخبير الأمني علية العلاني أنه يجب في البداية الفصل بين المهاجرين غير النظاميين و المهاجرين الذين تعلقت بهم شبهة تطرف أو إرهاب مضيفا أن مسألة ترحيل التونسيين من فرنسا إلى تونس مرتبطة بمدى قدرة الطرف التونسي على التفاوض مع الطرف الفرنسي فيما يخص الصنف الأول من المهاجرين غير النظاميين ذلك أنه يجب على تونس أن تطالب فرنسا بأن توفر لها دعما سياسيا و ماليا لأن إمكانيات تونس لا تسمح لها بأن تتولى بمفردها مراقبة الحدود باعتبار أن ذلك يستوجب إمكانيات مالية ولوجستية هامة لا تمتلكها تونس وبالتالي يجب أن يشدد الطرف التونسي في مفاوضاته حول هجرة التونسيين على هذه النقطة.
وأبرز العلاني في السياق ذاته أنه في ما يخص المهاجرين غير النظاميين المشتبه في تطرفهم أو من لهم شبهة إرهاب فإنهم يمثلون خطرا مزدوجا في حال ترحيلهم باعتبارهم أطرافا لهم شبهة انتماء للجريمة المنظمة و هم بلا موارد مالية تمكنهم من العيش الكريم إلى جانب ما يحملونه من أفكار متطرفة تمثل خطرا كبيرا على محيطهم الموسع في غياب لبنية تحتية قادرة على احتضانهم و لمراكز إيواء تعمل على إعادة إدماجهم في المجتمع لذلك يجب أن تطالب السلطات التونسية من خلال مفاوضاتها مع الطرف الفرنسي أن تقدم لتونس مساعدات مالية هامة تمكنها من توفير مراكز إيواء هؤلاء التونسيين المرحّلين من فرنسا ممن يحملون أفكارا متطرفة ليتم إخضاعهم للرقابة و التدقيق في نشاطهم وهي مهمة موكولة للجان الإستخباراتية لكلا البلدين إلى جانب عمل هذه المراكز على تأهيلهم من الناحية الفكرية عبر دفعهم إلى مراجعة أفكارهم المتطرفة وكذلك تأهيلهم من الناحية الإجتماعية من خلال إدماجهم في الدورة الإقتصادية بتوفير موارد رزق لهم تضمن لهم عيشا كريما وهذا الأمر يستوجب إمكانات مالية على تونس أن تفرضها في مفاوضاتها مع الطرف الفرنسي لأن ذلك أمر مشروع.
حقوق النشر والطباعة ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©