هيئة التحرير
بروز وثيقة سرية، تكشف عما قالت إنها رشوى دفعتها قطر لمسؤولين أتراك، مقابل تمرير إتفاقية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية، عام 2015، يفتح الباب أمام الحديث بشكل أعمق عن السيساسة القطرية، والتي يصفها الباحث في الشؤون الخليجية، “حسن الدوسري”، إنها جمعت المتناقضات السياسية، لافتاً إلى أن صغر حجم قطر وقلة إمكانياتها العسكرية، ورغبتها في لعب دور إقليمي أكبر من تلك الإمكانيات، كان عاملاً أساسياً في بحثها عن داعمين إقليميين، يساعدوها لتجنب أي ردود أفعال من قبل الدول المحيطة على سياستها المتعارضة مع أمن تلك الدول، خاصة وأنها سياسات تسبح بعكس التيار العربي، بحسب ما تراه الدول العربية.
وكانت وثيقة مسربة، نشرها موقع نورديك مونيتور، كشفت عن تقديم قطر مبلغ مالي، 65 مليون دولار، كرشوة لمسؤولين أتراك، عام 2015، عبر رئيس اللجنة الخارجية في البرلمان التركي، “أحمد بيرات كونكار”، مقابل تمرير البرلمان لاتفاقية نشر قوات تركية في قطر.
بين أنقرة وطهران
طبع السياسة القطرية وارتباطها بالكثير من الأزمات، سواء في مصر أو ليبيا أو سوريا وحتى تونس، بالإضافة إلى تبنيها لخط الإخوان المسلمين، المرفوض في المنطقة العربية، يرى فيه “الدوسري”، سبباً رئيسياً في توجه الدوحة إلى إيران وتركيا، كملاجئ لها، معتبراً أن الحكومتين القطريتين المتعاقبتين منذ 1995 وحتى 2020، ترسم مصالحها بشكل تعتبره دول الجوار العربي غير منسجماً مع الأمن القومي العربي، لا سيما في ظل ما تراه الحكومات العربية من تورط تركي وإيراني في أزمات الشرق الأوسط، انطلاقاً من أطماع توسعية، لم تخفها أياً من الدولتين.
وبحسب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، فإن كلاً من تركيا وإيران مسؤولتين عن سلسلة نزاعات في المنطقة العربية بشكل مباشر، حيث تخوض تركيا نزاعات في كل من سوريا وليبيا والعراق، في حين تتورط إيران بمجازر دموية في سوريا والعراق واليمن.
كما يقسم “الدوسري”، السياسة والطموحات القطرية بدور إقليمي أكبر في المنطقة، إلى ثلاث مراحل، الأولى تمتد من 1995 وحتى 2002، والتي كانت تعتمد على ممارسة دور الوساطة في النزاعات، كما في الصومال والسودان والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تفجير قنبلة إعلامية من خلال شبكة قناة الجزيرة، التي بدأت بتناول القضايا الخلافية في المنطقة، في حين أن المرحلة الثانية بدأت منذ 2002، أي مع وصول حزب العدالة والتنمية، المحسوب على الإخوان، إلى الحكم في تركيا، وحتى انطلاق ثورات الربيع العربي، لافتاً إلى أنها المرحلة التي انتهى فيها نسبياً دور الوساطات، وبدأ طور التنقل بين الأحلاف، لتختار قطر التيار الإيراني والتيار التركي كحلفاء استراتيجيين مع الإبقاء على وجود ضمن الحضن العربي.
أما المرحلة الثالثة، فيصنفها “الدوسري” بأنها أخطر المراحل، والتي بدأت مع انطلاقة الربيع العربي 2011، وتشكل قناعات لدى بعض الجهات بالمنطقة ومنها قطر، بأن تلك الثورات ستكون بداية حكم الإخوان المسلمين، مع وصولهم إلى السلطة في مصر وليبيا وتونس، وقيادتهم للمعارضة السورية، ليزداد تقرب قطر من تركيا بشكل أكبر وعلني على حساب العلاقات مع الدول العربية، مع تقارب أقل مع إيران، التي كان يعتقد أنها ستبدأ بفقدان نفوذها في الشرق الأوسط، حال سقوط نظام “بشار الأسد” في سوريا.
طريق باتجاه واحد لا رجعة فيه
خط السياسة القطرية، خلال العقد الممتد من 2011 وحتى 2020، يصفه المحلل السياسي، “عيسى الدليمي” بأنه كان باتجاه واحد لا رجعة فيه وقطع كل خطوط المصالحة مع المحيط العربي، مؤيداً فكرة أن الطموحات القطرية المتخطية لحجم البلد وقوتها، دفعتها إلى اتباع سياسة مقايضة المال بالدعم العسكري، وأنها أسهمت من خلال ذلك، بخلق موطئ قدم للحكومة التركية لأول مرة منذ أكثر من 100 عام في الخليج العربي، بعد سقوط الدولة العثمانية.
وتنشر القوات التركية في عدة قواعد عسكرية على الأراضي القطرية بينها قاعدة العديد وطارق بن زياد، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات تفصلية حول عدد الجنود في تلك القوعد، إلا الإنتشار العسكري التركي في قطر يعتبر الإنتشار الأكبر خارج الحدود الوطنية التركية.
أما الخطأ الأكبر، الذي ارتكبته حكومة قطر في تعاطيها مع تطورات العقد الماضي، فتحصره الباحثة “سلوى الربيعي”، بعدم قدرة حكومة الدوحة على قراءة معطيات كل مرحلة خلال السنوات العشر الفائتة، كما أنها لم تتمكن من إدراك أن الإخوان لن يحكموا المنطقة العربية، وتحديداً بعد سقوط حكمهم في مصر عام 2014، وتهديد حكمهم في كل من تونس وليبيا، مشيرة إلى أن السلبية الجوهرية في التفكير القطري من الناحية السياسية تتمثل في أنها لا تعرف متى يجب عليها أن تتراجع خطوة وتصوب خط سيرهان وهو ما اوقعها فريسة تحالفات قد تدفع ثمنها غالياً في المستقبل.
وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قد أعلنت عام 2017، مقاطعة شاملة لقطر، على خلفية دعمها للمشاريع الإيرانية في المنطقة العربية بالإضافة إلى دور قطر في دعم عدد من المنظمات، التي وصفتها بالإرهابية، كالإخوان المسلمين وحزب الله وبعض التنظيمات المنشرة في سوريا والعراق.
إلى جانب ذلك، فإن الخطأ الآخر في التفكير القطري، بحسب “الربيعي” تمثل في عدم قراءتها للمقاطعة الخليجية في شكلها السليم، كدعوة عربية لها لتعيد حساباتها وتدرك أنها تبتعد عن الحضن العربي، لتنخرط في المزيد من الأعمال، التي تهدد الأمن القومي العربي، مضيفةً: “اعتبرت الدوحة المقاطعة على أنها تهديد وزادت أكثر في منح الأتراك والإيرانيين المزيد من الامتيازات الأموال وفتحت قواعد عسكرية للأتراك، واتجهت نحو تقديم مساعدات خفية للميليشيات الحوثية في اليمن، والتي تعتبرها دول المنطقة أكبر خطر على أمن دول الخليج العربي”.
وكانت بعض المصادر في الحكومة الشرعية في اليمن، قد أكدت تمويل قطر لخطة ميليشيات الحوثي لتعديل المناهج الدراسية، وطباعة كتب مدرسية مستوحاة من الفكر الإيراني القائم على ولاية الفقية، في حين نقلت صحف فرنسية عن عميل في المخابرات النمساوية، تأكيد بأن الدوحة مولت عمليات عسكرية للميليشيات الحوثية، من بينها هجمات صاروخية طالت الأراضي السعودية.
نتيجة حتمية وغطاء لن يحمي
التعامل القطري مع المعطيات والتطورات الإقليمية، يصفه الباحث “الدوسري” بأنه إعلان رسمي من قبل الدوحة بأنها باتت بشكل نهائي تقف على الضفة المقابلة للدول العربي، إلى جانب تركيا وإيران، وهو ما ظهر بشكل جلي من خلال تعاملها مع عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني” مطلع العام الحالي، وإعلانها الحداد، كما أنها رسخت تلك الفكرة بشكل أكبر مع ميلها إلى تعزيز التعاون العسكري مع تركيا، وهو ما دفعها إلى دفع المزيد من الأموال مقابل الحماية العسكرية من قبل تركيا والحماية الاستراتيجية من إيران، دون أن تنتبه إلى أراضيها هي جزء من مشروع الدولتين في المنطقة.
وكانت قطر قد استبدلت خلال زيارة وزير خارجيتها إلى طهران عقب يوم واحد من اغتيال “سليماني”، لون علمها العنابي باللون الأسود، إلى جانب نشر قناة الجزيرة التابعة للحكومة القطرية، قبل أشهر، بودكاست حول “سليماني” يصفه بالشهيد والمقاوم لأمريكا وإسرائيل، ما أثار حفيظة المتابعين العرب، حيث شن مئات الناشطين حملات على مواقع التواصل الاجتماعي نددت بتصرف القناة، ما دفعها إلى حذف المقطع.
ختاماً، يعتبر “الدوسري” أن تزايد المنح القطرية لأنقرة وطهران، هو نتيجة حتمية لسياساتها، معتبراً أن الأجدى بالنسبة للطموحات القطرية؛ الانخراط ضمن المجموعة العربية والتنسيق معها، على اعتبار أن كافة الدول العربية لا تملك أي أطماع في قطر، ولا بالثروات القطرية، كما هو الحال بالنسبة لتركيا وإيران الغارقتين بالأزمات المالية، لافتاً إلى أن على القطريين أن يدركوا بأنهم لن يكونوا أكثر حرمةً من الشعب السوري والعراقي واليمني واليمني واللبناني، بالنسبة للأتراك والإيرانيين.