هيئة التحرير
بعد نحو 41 عاماً من السلطة، يبدو أن النظام الإيراني لم يفشل في تصدير ثورته الإسلامية وحسب، وإنما ساهم في انخفاض عدد المتدينين في إيران وارتدادهم عن الإسلام، وفقاً لما يعرضه استطلاع للرأي، أجراه مركز “كمان” الإيراني، والذي بين أن نصف الإيرانيين تحولوا إلى الإلحاد، خلال فترة حكم نظام ولاية الفقيه.
وتسري في إيران منذ العام 1979، قوانين متشددة مستمدة من المذهب الشيعي الإثنى عشري، اذ تحولت إيران من الدولة العلمانية “الشاهينشاهية” إلى الجمهورية الإسلامية مع استلام المرشد الأعلى للثورة، “علي خامنئ”، مقاليد الحكم.
مغالاة وتشدد ونتائج عكسية
تعليقاً على نتيجة استطلاع المعهد، الذي يتخذ من هولندا مقراً له، يشير الباحث في الشؤون الإسلامية، “محمد العطية” أن الانعطافة الحادة والمفاجئة في حياة المجتمع الإيراني خلال الانتقال من حكم الشاه إلى حكم “خميني”، خلقت حالة من ردة الفعل لدى لكثير من الإيرانيين، لا سيما وأن النظام القائم تبنى المغالاة والتشدد بالأحكام والقوانين، دون مراعاة العلمانية، التي كانت سائدة ما قبل مجيئه.
وكان المعهد قد أعلن أن الاستطلاع شمل نحو 50 ألف شخص واستمر لمدة أسبوعين متتاليين، مبيناً أن حتى عدد كبير ممن استمروا بالإيمان في إيران لا يشاطروا النظام أفكاره، خاصةً في مسألة ظهور منقذ الإنسانية، أو ما يعرف بالمهدي المنتظر.
في السياق ذاته، يشير “العطية” إلى أن لجوء النظام الحالي إلى الدين لتبرير تراجع أحوال البلاد اقتصادياٍ وسياسياً، وقمع المعارضة، وتشكيل ديكتاتورية على أسس الطاعة لولي الأمر الفقيه، ساهمت في ابتعاد الإيرانيين عن التدين، لافتاً إلى أن أجهزة النظام الإيراني، باتت تدخل في أدق تفاصيل حياة الشعب الخاصة، باسم فرض الدين والتدين، في شكل مشابه تماماً لسياسات تنظيم داعش، التي فرضها في مناطق سيطرته بين عامي 2014 و2018، على حد وصفه.
الحديث عن أسباب تحول الإيرانيين إلى الإلحاد إبان نظام الثورة الإسلامية، يربطه المحلل السياسي، “إبراهيم الأشقر”، بنظرة الإيرانيين للدين على أنه السبب في ما يحل ببلادهم، خاصةً وأن النظام بكامل سلطاته العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ارتبط برجال الدين، الذي أصدروا آلاف الفتاوى المؤيدة للنظام والمحرمة لأي انتفاضة ضده، لافتاً إلى أن ارتفاع نسبة الإلحاد بين السيدات في إيران مردها القيود التي تفرضها القوانين الإيرانية، والتي تحرمها من ارتداء الألبسة سوى السوداء منها وتمنعها من حضور المباريات أو استخدام أدوات التجميل، كما تضعها تحت سلطة ذكورية مطلقة.
حرب المقامات والمليارات الضائعة
مع بداية حروب إيران في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولات تمددها وتصدير ثورتها، تنامت وفقاً لما يؤكده، الباحث في الشؤون الإيرانية، “فريد رضائي”، ردة الفعل لدى الإيرانيين حيال الدين، وخاصة بعد العام 2000، مضيفاً: “حروب إيران في الشرق الأوسط والتي كلفت المليارات، قامت كلها باسم الدفاع عن آل البيت، فيما يمكن وصفه بحرب المقامات، التي أغدقت على الميليشيات العراقية واللبنانية وميليشيات الحوثي مليارات الدولارات فيما نسب الفقر في إيران تصل فعلياً إلى ما يتجاوز 50 في المئة في تلك الحقبة”.
وكان المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قد كشف إنفاق إيران ما يصل إلى 16 مليار دولار سنوياً على الميليشيات حتى العام الماضي، في حين بلغ الدين الحكومي للبنوك مطلع 2019، نحو 30 مليار دولار، والدين الخارجي للحكومة الإيرانية في نهاية عام 2019 تجاوز 9 مليارات دولار.
هنا يشير المحلل “رضائي” إلى أن الموطن الإيراني خلال العقدين الأخيرين، بدأ يشعر بأنه يدفع ثمن حروب قائمة باسم الدين، والتي كانت سبباً رئيسياً في فقره وعزلته وبأسه، وهو ما يفسر من وجهة نظره هتافات المتظاهرين الإيرانيين المنددة بالدعم المقدم لحزب الله وحركة حماس والميليشيات عموماً، خلال الانتفاضة الأخيرة في تشرين الثاني الماضي، وما سبقها، منوهاً إلى أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الماضي ساهم بدوره في إطلاع الشعب على حقيقة الواقع الذي يعيشونه مقارنة ببقية دول العالم.
إلى جانب ذلك، يذكر الباحث، “العطية” بأن كافة أحكام السجن والإعدام، التي أصدرها قضاء النظام بحق المعارضين والمعتقلين، كانت ترتبط بشيء متعلق بالدين، الأمر الذي أدى إلى نظر الإيرانيين إلى الدين على أنه السوط المسلط على ظهورهم ورقابهم.