تبدو صراعات الأجنحة بين مختلف إدارات ومراكز القوى في نظام الملالي بطهران ذات بعد متجذر ومتأصل؛ حيث تستمر حالة التنافس والعداء بين الحكومة الإيرانية “المنتخبة من الشعب” وبين الحرس الثوري ذي البنية العقائدية لحراسة الثورة والخاضع لسلطة المرشد مباشرة.
وتعددت حالات التنافس المبطن وصراع جناحي الحكم الإيراني (المحافظين والإصلاحيين) وتنعكس على أهم القضايا التي تواجهها إيران كالموقف من الاتفاق النووي والمفاوضات مع أمريكا والتعامل الإقليمي والدولي وعدم استخدام لغة القوة والتهديد وغيرها من الملفات الشائكة.
وكانت حادثة اسقاط الطائرة الأوكرانية الورقة الأخيرة في سلسلة التنافس والكراهية المبطنة بين ركني النظام؛ حيث انطلق الخلاف أساسا ًمن إشكاليات سابقة ابتداءً من قضية الاتفاق النووي وصولاً للتعامل مع أمريكا وختاماً بإسقاط الطائرة التي أنكرت الحكومة الإيرانية حادثة إسقاطها؛ لتعود وتعترف وتكشف الأيام أنها كانت جاهلة تماماً بل ولا تملك السيطرة أو التحكم بقضايا عسكرية وأمنية في ايران كحادثة الطائرة رغم أنها الحكومة المنتخبة شعبيّاً!
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” وفقاً لما نقلته قناة الحرة عن الصحيفة؛ تفاصيل توحي بعظم الفارق بين سيطرة الحرس الثوري ومكانته في إيران والسلطات المطلقة التي يتمتع بها مقارنة بحكومة الرئيس روحاني التي هُمشت في لحظة الأزمة الحقيقية.. وتُظهر التفاصيل الجديدة للحادثة والتسلسل الزمني منذ سقوط الطائرة حتى الاعتراف بالكارثة، ويمكن أن يعمق ما يعتبره كثير من الإيرانيين بالفعل، أزمة شرعية للحرس والحكومة.
وفي تسلسل الأحداث التي بدأت مع استنفار ايراني عالي المستوى بعد اتخاذ قرار الهجوم وقصف قواعد في العراق كرد فعل أولي على اغتيال سليماني.. وتسببت حالة الاستنفار بحالة إرباك وضعف في سرعة اتخاذ القرار لدى ضباط سلاح الإشارة في الدفاع الجوي الإيراني والضباط الأعلى رتبة وسلطة.
ومع زيادة التحشيد والإحتقان ورفض الحكومة الإيرانية إصدار قرار بوقف حركة الطيران المدني، توهم جندي اسرائيلي بالطائرة المصابة مع ورود أنباء عن مغادرة طائرات أمريكية قاعدتها في المنطقة واستعدادها لقصف ايران؛ فتواصل العسكري مع قيادته التي لم يتلق منها أي أمر، فاتخذ قرار مهاجمة الطائرة واسقاطها.
تكمن المفارقة بعد معرفة قيادات الحرس الثوري بما جرى؛ فقرر الضباط غبلاغ المرشد، وكتم الموضوع عن الحكومة التي استماتت في البداية وأنكرت حدوث هكذا عملية مع رفض قادة الحرس الاستجابة لاتصالات الرئيس وأعضاء حكومته ووضعهم بصورة المتغيرات، ليأتي اجتماع خاص يعترف فيه القادة بما جرى للرئيس روحاني مع إصرارهم على اخفاء الأمر عن الداخل الإيراني والخارج تجنباً للفضيحة ليهدد بعدها الرئيس روحاني بالاستقالة خشية مغبة ما جرى وثقة بمعرفة القوى الدولية لتفاصيل الحادثة الأمر الذي من شأنه زيادة الضغوط على طهران.
عُقد لاحقاً اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي أخرج بيانين؛ أحدهما عن قادة القوات المسلحة والثاني عن رئيس الجمهورية.. ليصدر الجيش بعدها اعترافاً بإسقاط الطائرة بسبب خطأ بشري مع اعتقال المسببين، ليطالب الرئيس روحاني بمحاسبة أوسع والتحقيق مع سلسلة القيادة بأكملها (يوضح ذلك التنافس والعداء الضمني) حيث قال الرئيس حينها إن قبول الحرس الثوري للمسؤولية هو “الخطوة الأولى ويجب إكمالها بخطوات أخرى”.
وأثبت الاعتراف وتسلسل البيانات الإعلامية أن أكبر مسؤول “مفترض” في البلاد أقصي عن الحقائق والمعلومات وتراكمت سلسلة الأكاذيب في اللحظات التي توجهت فيها أنظار العالم نحو الحكومة الإيرانية لمعرفة ما جرى!.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.