ملخص تنفيذي:
مشروع أبي محمد الجولاني؛ مشروع له وزنه اليوم في الجغرافية السورية؛ سواء اتفقت معه أم اختلفت؛ نحاول في هذه الورقة الحديث عن المقدمات السلفية التي ساهمت بولادة شخصية الجولاني ومشروعه؛ حتى وصل ليكون رقماً صعباً الآن وفي سورية المستقبل؛ وكيف ساهم ذكاء هذا الرجل بنجاح مشروعه الخاص في ظل مشروعات سورية ثورية فشلت رغم أنها دُعِمَت من قوى إقليمية ودولية؟ بينما صار للجولاني دويلة لها جغرافية وقوانين تحكمها دون دعم دولي! ثم نميط اللثام عن هذه الشخصية؛ لنتحدث في أجزاء أخرى قادمة ـ إن شاء الله ــ عن فكره وآرائه ومشروعه؛ لكننا اليوم نتحدث تحديداً عنه من خلال ظروف ولادة السلفية المعاصرة من خلال المحاور التالية.
المحاور:
- المدخل
- دور الحرب الباردة في تصنيع السلفية المعاصرة!
- لماذا تم تصنيع السلفية المعاصرة؟ ولم يتم الاعتماد على الإخوان المسلمين؟
- المراحل الثلاث لتصنيع السلفية الجهادية!
- سقوط القناع! من هو أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام؟
- والد أبي محمد الجولاني ودوره في بناء شخصية ابنه!
- الجولاني؛ الطفولة والنشأة!
المدخل:
حتى نفهم شخصية الجولاني وأيديولوجيته بشكل دقيق؛ لا بدّ من معرفة كيف تأسست السلفية الحركية المعاصرة (السلفية الجهادية) فالجولاني هو أحد تمظهرات السلفية الحركية المعاصرة؛ ولذلك قبل التعرف عليه؛ وحتى نفهم آلية اتخاذ القرار عنده؛ لا بد من التعرّف على كيفية نشأت السلفية الحركية المعاصرة (الجهادية).
دور الحرب الباردة في تصنيع السلفية المعاصرة! ([1])
في ذروة الصحوة الإسلامية منتصف سبعينات القرن الماضي؛ التي وُلِدت بأوامر أمريكية؛ للحد من التمدد الشيوعي/ السوفييتي في البلدان الإسلامية؛ وباتفاق وتفاهم مع مصر والسعودية والباكستان؛ تم العمل لإيجاد جيل إسلاموي لهذا الغرض. وتولى تلك المهمة الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمين باتفاقهم الشهير مع السادات بمصر؛ حيث أطلق سراح المعتقلين منهم بعد أن أمضوا عشر سنوات في المعتقل.
وفي ذروة محاربة التمدد الشيوعي/السوفيتي بالمنطقة؛ جاء الخطر الشيعي/الإيراني على المنطقة؛ الذي تمثل بانتصار ثورة الخميني نهاية السبعينات؛ وأخطر ما في تلك الثورة؛ تمثل بنظريتها (تصدير الثورة) المعمول به حتى اليوم؛ هنا أصبح دعم الصحوة الإسلامية ضرورة أمريكية للحفاظ على مصالحها من الخطرين؛ الخطر الشيوعي السوفييتي والخطر الشيعي الإيراني.
وإذا كان الخطر الشيوعي له مضادات موجودة في روح المجتمعات الإسلامية كونها مؤمنة ومتدينة أساساً، فإن الخطر الإيراني يحتاج إلى إيديولوجيا تساويه في القوة وتعاكسه في الاتجاه؛ وهذا لا يمكن إيجاده إلا بالسلفية الخصم التاريخي للتشيع؛ فبدأ العمل على إحياء ودعم وإيجاد سلفية معاصرة لهذا الغرض؛ لمصلحة متبادلة بين الغرب وأمريكا والأنظمة في الدول الإسلامية لمواجهة نظرية تصدير الثورة.
هنا بدأ العمل على تصنيع سلفية معاصرة؛ ولكنها مختلفة عن سلفية ابن حنبل وابن تيمية؛ بمعنى آخر سلفية لها أظافر ومخالب؛ وحصل ذلك حيث تمت المزاوجة بين عقيدة ابن تيمية في نظرته للشيعة؛ بإيديولوجية سيد قطب؛ فكان مولود هذه المزاوجة هو السلفية الحركية (الجهادية) المعاصرة.
قد يسأل سائل: لماذا تم تصنيع السلفية المعاصرة؟
ولم يتم الاعتماد على الإخوان المسلمين رغم كونهم تنظيماً عالمياً؛ ومنظماً، ومتواجداً في كل دول العالم؟
والجواب على ذلك: إن الثورة الإيرانية اعتمدت على الإرث الشيعي التقليدي؛ وعلى حركية وإيديولوجية سيد قطب ملهم الفكر الإخواني المتطرف؛ ويعدّ المرشد الإيراني الحالي الخامنئي محترفاً للغة العربية؛ وأول عمل قام به بعد انتصار الثورة أنْ ترجم كتب سيد قطب للفارسية، وتم طبُعها وتوزيعها؛ حتى أن الخميني أطلق اسم سيد قطب على أهم شوارع طهران، وبذلك يجب أن نعلم أن التشيع الإيراني يمثل الوجه الشيعي للإسلام السياسي؛ في حين تمثل جماعة الإخوان المسلمين الوجه السني له، وهناك أدلة كثيرة على ذلك؛ منها العلاقة الإيرانية الحميمة مع حركة حماس في غزة، ودعمها إيرانياً. والمفاوضات التي تولت راعياتها إيران بين النظام والإخوان عام 2013 بسرية كاملة.
عشرون عاماً أخذت مرحلة التأسيس النظري للسلفية الحركية (الجهادية) من السبعينات حتى التسعينات؛ فكان التأسيس النظري/الاعتقادي لها على يد الشيخ السوري الإخواني (زين العابدين بن سرور) ([2]) وحركياً على يد أحد أهم أعمدة الإخوان القطبية وهو (عبد الله عزام) وذراعه الأيمن (أبو مصعب السوري) ([3]) ومن ثمّ تلميذيه الإخوانيين الأصل (أسامة بن لادن وأيمن الظواهري) وهذا ما اعترف به الظواهري ذاته؛ في كتابه الشهير (كتاب الحصاد المر للإخوان المسلمين في ستين عاماً) وكتابه (الجماعة الأم). حيث تكلم فيهما عن ارتباطهم الأساسي بالإخوان؛ ودور الفكر القطبي في نشوئهم. ([4])
تم إبعاد الشيخ بن سرور من السعودية إلى الكويت ثم بريطانيا بعد حرب الخليج الأولى؛ ثم استقر في قطر حتى مات فيها عام 2016 بعد أن نقل السلفية الحركية فكراً وسلوكاً إلى الجغرافية السورية. وبعد أن أصّل إسلامياً الخصومة بين السنة والشيعة من خلال كتابه الشهير (وجاء دور المجوس) الذي كتبه عند بدء الحرب العراقية الإيرانية باسم مستعار هو “عبد الله محمد الغريب”.
الإخوان المسلمون في سوريا؛ لم يكونوا سلفيين؛ إنما غالبيتهم أشعرية/صوفية، أما الذي أدخل السلفية إلى الإخوان هو الأستاذ عصام العطار وتحديداً بعد حرب سنة 1967 عندما وقع الخلاف الشهير بين الشيخ السلفي ناصر الدين الألباني والشيخ الصوفي محمد سعيد رمضان البوطي؛ فوقف العطار مع الألباني ضد البوطي؛ ثم ابتدع العطار في الجناح الشامي الإخواني مسألتين؛ الأولى: حوَّل الانتخاب إلى بيعة على الطريقة السلفية. والثانية اشترط على كل منتمي جديد للإخوان أن يكون سلفياً. وهذه إحدى أهم بداية الانشقاقات داخل صفوف إخوان سوريا.
المراحل الثلاث لتصنيع السلفية الجهادية! ([5])
تطبيق السلفية الحركية (الجهادية) مر بثلاث مراحل:
الأولى: الأنموذج الأفغاني الشهير بالأفغان العرب، وتم ذلك بتأسيس الإخواني الفلسطيني “عبد الله عزام” الذي جاء من فلسطين إلى الأردن ثم السعودية؛ ثم ذهابه إلى أفغانستان. وأخذ معه من مصر والسعودية والأردن وسوريا بقايا (تنظيم العشرات) وهو تنظيم أنشأه سيد قطب سنة 1965. والمعروف بالجناح الراديكالي المسمى إخوانياً بالغرباء. ([6]) ([7])
المرحلة الثانية: ما بعد احتلال العراق؛ من خلال قيادة الأردني/ الفلسطيني الأصل أبو مصعب الزرقاوي؛ الذي استفاد من حالة الغضب والحقد على الأمريكان لإسقاطهم لبغداد؛ وتسلميها لإيران، فاستعادت السلفية الحركية استقطاب المزاج الديني العام ليتعاطف معها؛ واستقطبت الشباب المتحمس دينياً والحاقد على الأمريكان.
ولقد انتهى أمرهم في العراق نظراً لعدم تكافئ أمام القوى الأمريكية والدعم الشيعي الإيراني.
المرحلة الثالثة: في الربيع العربي، ومن خلال أكثر من نسخة؛ منها النسخة الداعشية المتوحشة؛ ومنها نسخة جبهة النصرة بقيادة الجولاني؛ ومنها نسخة التركستاني/الإيغوري الذي وجدت ضالتها بالفوضى السورية؛ وجرى ما جرى فيها. ([8])
لكن هناك ثلاث تحولات للمرحلة الثالثة، الأولى تمثلت بالتمكين؛ كما تحقق لطالبان في أفغانستان من قبل، أو لداعش في العراق وسوريا التي أسست الدولة المتوحشة التي نظَّر لها “أبو بكر ناجي” في كتابه “إدارة التوحش” ([9])، أو لجبهة النصرة اليوم في سوريا.
والثانية بحرب عصابات وهو ما تقوم به بقايا داعش اليوم في البادية السورية والعراق.
والثالثة: التفاوض على البقاء بحقوق واعتراف بوجود؛ كما يحاول أن يحققه الجولاني في سوريا اليوم.
ثم انتهت داعش من خلال تحالف دولي. لتظهر أمامنا قوة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وزعيمها أبو محمد الجولاني، الذي يتزعم كانتوناً أو شبه دويلة في إدلب.
سقوط القناع! من هو أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام؟
هو أحمد بن حسين بن علي بن طالب الشرع، الملقب بأبي محمد الجولاني من قرية “جيبين” الواقعة في الزاوية الغربية من ريف القنيطرة، وهذه القرية من قرى الوادي اليابس الذي يمتد من الزرقاء الى القنيطرة. ينتمي الى عشيرة السلامات من قبيلة عِنِزة ([10])، وهذا ربما يفسر دفاعه فيما بعد عن السعودية؛ ونظرته الايجابية الى قوة وشكيمة الحكم السعودي. ولد أبو محمد الجولاني في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية في كانون1/ديسمبر ١٩٨١ حيث كان أبوه ذا الميول البعثية العراقية فاراً من النظام السوري.
والد أبي محمد الجولاني ودوره في بناء شخصية ابنه!
لابد من الحديث عن أبيه؛ حسين الشرع لأن الجولاني أخذ الكثير من الخصائص والسمات السياسية والفكرية عنه، وأثر ذلك كثيراً في مواقفه بكثير من القضايا السياسية المرتبطة بالقومية، وكذلك الحنكة في معالجة القضايا الاقتصادية.
ولد حسين الشرع في النصف الأول من عام ١٩٤٦. من عائلة الشرع في القنيطرة؛ وهذه العائلة لا توجد لها صلة قرابة بعائلة الشرع المعروفة في درعا؛ التي ينتمي إليها الأستاذ فاروق الشرع نائب رئيس النظام السوري بشار الأسد سابقاً. ويمكن تتبع سلالة حسين عبر جده طالب، والذي كان ممثل منطقة الزاوية الغربية في ثورة حوران التي قادها الأمير محمود الفاعور، شيخ قبيلة الفضل ضد الفرنسيين في عشرينات القرن الماضي.
ينتمي طالب إلى عشيرة السلامات التي ترجع إلى قبيلة عِنِزة. وقد أدت مناهضته للانتداب إلى فراره إلى الأردن وإقامته هناك مدة طويلة يفاخر بها حفيده الأستاذ حسين، وربما هذا ما جعله بطريقة غير مباشرة؛ يشجع أو لا يتعرض على ذهاب ابنه الى العراق لمواجهة الأمريكان عام ٢٠٠٤. وهكذا قضايا متعلقة بالفخر بالأجداد وكفاحهم ضد الغزاة وإشباع الأبناء بقصص بطولاتهم التاريخية؛ لها دور كبير في المنطقة بتوجيه الأبناء باتجاه مواقف تنسجم مع هكذا تاريخ.
درس والد الجولاني في كلية الاقتصاد بجامعة بغداد ١٩٦٤ حتى حصل على شهادة الماجستير، ثم عاد الى سوريا، وأصبح فيما بعد خبيراً اقتصادياً له مؤلفات ليست مشهورة رغم أهميتها، كتبها أثناء فترة وجوده في السعودية هارباً من نظام حافظ الأسد.
والد الجولاني كان ذا ميول بعثية يمينية؛ وكان معجباً بتجربة بعث العراق، لكنه لم يكن ماركسياً قط، بل اعتنق الأفكار القومية الناصرية، وفتح عينيه على صعودها الزاهي مع جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن العشرين.
انتسب إلى حزب البعث الجناح القومي أثناء سنوات الدراسة في جامعة بغداد، وإلى الجناح القومي في هذا التنظيم. لم يتورط في عضوية أي من خلايا البعث العراقي داخل الجناح السوري بعد عودته الى سوريا مطلع السبعينات خشية السجن، وإن ظل قلبه عراقياً أكثر بكثير من المحسوبين على يمين البعث، حتى أدت الشبهات الأمنية إلى فصله من عمله الحكومي؛ فغادر إلى السعودية.
في العام 1983 و1984 نشر ثلاثة كتب: «النفط والتنمية الشاملة في الوطن العربي»، و«التطور الاقتصادي في المملكة العربية السعودية ومستقبل التنمية»، و«الاقتصاد السعودي في مرحلة بناء التجهيزات الأساسية». أما كتابه الرابع، والأخير فصدر في دمشق، عام 1987، بعنوان «منظمة الأوبك 1960-1985: التحولات الكبرى والتحدي المستمر». إذن الوالد حسين الشرع يجيد السياسة والاقتصاد؛ وربما هذا يفسر نجاحات ولده الجولاني اقتصادياً في إدلب.
يذكر متابعون أنه عام 1985 كتب مقالة؛ اختار لها وبشكل ملفت عنواناً طويلاً لكنه واضح، كعادته: «نحو تجديد الدعوة للقومية العربية بعد الإفلاس القطري والطائفي». وهذا كان يعبر تماماً عما يفكر به الأب كطريق لخلاص الأمة العربية من أزمتها الراهنة. ولا يخفي إعجابه بشخصية صدام حسين ككل بعثي يميني، وقيل بأن الجولاني تأثر بصدام عن طريق أبيه.
عاد الى سوريا أواخر عام ١٩٨٦ بوساطة رئيس الوزراء آنذاك محمود الزعبي وعين مستشاراً في الحكومة، وأخذ يطلق عليه لقب الدكتور كما كان يحلو له ذلك؛ إلا أنه استقال من الوظيفة خلال سنوات قليلة. كان الأستاذ حسين معارض لنظام الأسدين، وكان يتردد إلى «ندوة الثلاثاء الاقتصادي» ثم «منتدى الحوار الوطني» في منزل عضو «مجلس الشعب» رياض سيف، وأصبح محسوباً على إعلان دمشق؛ قبل أن يختلف مع رياض سيف في بعض التوجهات، وقد تكون بسبب انجراف رياض سيف نحو الغرب.
أيد الثورة السورية منذ البداية، كما أيد تسلحها شريطة أن يتم ذلك في إطار منضبط من خلال الضباط المنشقين كقيادة قوات منظمة ترتبط بشكل وثيق مع معارضة سياسية فاعلة، بهدف بناء سوريا جديدة ديمقراطية، وحدوية، لا طائفية، ولا دولة إسلامية. بعد بزوغ نجم ابنه، اختفى عن الأنظار نهائياً بعد أن كان مقيماً بتركيا عندما كان جلُّ المعارضة السورية فيها. ([11])
طفولة الجولاني ونشأته:
كانت طفولته طفولة عادية الا أنه كان معروفاً عنه بأنه صلب ومعتد برأيه، ويتمتع بذكاء ملحوظ وحب للطرافة. لم تظهر عليه أية ميول دينية في طفولته ولا في مقتبل عمره. عندما عاد مع أبيه الى سوريا في العام ١٩٨٧، سكن معه في منطقة المزة في دمشق، وكان حريصاً على معرفة جغرافية دمشق لأسباب سنذكرها لاحقاً.
عشق أبو محمد الجولاني الفتى فتاةً من الطائفة العلوية في مطلع شبابه (كان هذا على الأرجح في مرحلة الدراسة الثانوية)، ثم أصبح ذو ميول دينية؛ وأخذ يتردد على مسجد المزة الكبير؛ وتتلمذ فيه على يد مشايخ دمشق التقليديين ذوي الميول الصوفية؛ وأهمهم الشيخ “أبوالخير شكري” الذي أصبح عضواً فيما بعد في الائتلاف الوطني السوري ممثلاً عن المجلس الإسلامي السوري. لكونه شيخاً للجولاني!
لا يعرف بالضبط متى تحول الى التيار السلفي؛ ولكن المقربين منه يرجحون أن هذا حصل بعد أحداث ١١ أيلول/سبتمبر وانبهاره بما فعله تنظيم القاعدة. كما لا يعرف عنه أنه دخل جامعة دمشق؛ بل اكتفى بالدراسة الثانوية.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ توجه الى العراق مقاتلاً، وانخرط في صفوف تنظيم القاعدة، وبرز بشكل ملفت على أنه شخصية قيادية تتمتع بذكاء حاد وديناميكية عملية، وأجاد اللهجة العراقية بشكل مذهل بحيث إنه لم يعد يُعرف إنْ كان سورياً أم عراقياً.
اعتقلته القوات الأمريكية عام ٢٠٠٤ وسجنته في سجن “بوكا” الشهير بالقرب من البصرة، وأثناء التحقيقات استطاع اقناع المحققين أنه عراقي بسبب إتقانه اللهجة العراقية. وكان السجن بالنسبة إليه مدرسة كبرى؛ تعلم فيها كل فنون السياسة والحرب وأصول السلفية نتيجة قيام القوات الأمريكية بجمع أكبر قدر من منظري السلفية ومقاتليها؛ وكذلك العناصر التي كانت من مخابرات صدام السابقة والذين تحولوا الى تنظيم القاعدة بعد سقوط نظام صدام.
وهذا ما يدفعنا للتساؤل بشكل دائم: هل كان التصرف الأمريكي مقصوداً أم نتيجة الفوضى؟ وهل غاب عن الاستخبارات الامريكية إدراك أن وضع هؤلاء وأولئك في مكان واحد سيصهرهم في بوتقة إيديولوجية واحدة؟
أفرجت القوات الأمريكية عن أحمد حسين الشرع، ولم تسلمه للسلطات السورية باعتبار أنه أقنعهم أنه عراقي! وعلى اعتبار أنه لم يكن مشاكساً في السجن، بل تعاطى بدهاء مع إدارة السجن. بمجرد الإفراج عنه عام ٢٠٠٩ أخذ مكانته الكبيرة ضمن تنظيم القاعدة في الأنبار اعتماداً على ما أظهر من قدرات داخل السجن وتزكية منظري القاعدة له الذين التقى بهم في السجن.
زوجته الأولى كانت فتاة عراقية، وهذا ما مكّن له في الأنبار والموصل ولم يعد غريباً عن العراقيين. أما زوجتيه الثانية والثالثة؛ وربما الرابعة التي يُزعم أنها من بلدة مارع؛ فقد تمت في ادلب بعد ان طاب له العيش والمقام؛ وأسس أركان سلطته.
نتابع في الأوراق القادمة لنطرح السؤال التالي: هل الجولاني رجل دولة؟ أم زعيم ميلشيا؟
مراجع
[1] ـ الحرب الباردة (بالروسية: Холодная война وبالإنجليزية: Cold War) هو مصطلح يُستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات.
[2] ـ لمعرفة المزيد عن السرورية؛ راجع ما كتبه الأستاذ أحمد الرمح عنها في هذا المقال: “السرورية” في الثورة السورية، ونبوءتها السياسية!
[3] ـ أبو مصعب السوري شاب إخواني سوري من تنظيم الطليعة المقاتلة؛ اسمه مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى بن حسين بن أحمد المُزَيِّكْ الجاكيري الرفاعي. وتعرف عائلته اليوم «بست مريم» نسبة إلى جدة الأسرة «مريم». ولد في مدينة حلب عام 1958 ودرس في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة حلب.
[4] ـ راجع كتاب الحصاد المر للإخوان المسلمين في ستين عاماً. المنسوب لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة سابقاً:
[5] ـ أحمد الرمح: السلفيّة المعاصرة.. تفكيكًا وتركيبًا!
[6] ـ كيف نشأ تنظيم 1965 وما أعماله وايديولوجيته:
[7] ـ راجع الربورتاج الذي أعدته مجلة الفيصل السعودية نهاية ثمانينات القرن الماضي عن رحلة عزام من فلسطين إلى الأردن فالسعودية ثم أفغانستان.
[8] ـ الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا:
[9] ـ أبو بكر ناجي: إدارة التوحش؛ أخطر مرحلة تمر بها الأمة.
[10] ـ قبيلة عنزة:
[11] ـ نتحفظ على المعلومة التي لدينا حول مكان والده لضمان سلامته الشخصية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي للمؤلف شخصياً ولا تعكس بالضرورة رأي مركز أبحاث مينا.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.