في الوقت الذي تقوم في المشاورات والمحادثات والحوارات بين طرفي النزاع في ليبيا، على قدم وساق من اجل إيجاد حل نهائي لانهاء الصراع القائم في البلاد ومن اجل تكوين حكومة وحدة وطنية ترعى مصالح كل الليبيين، انفجرت عدة أزمات قد تعطل مسار السلام المنشود في ليبيا.
ومن بين المشاكل التي برزت خلال هذه الفترة هو محاولة اقتحام عدة مقرات حكومية على غرار مقر المؤسسة الوطنية للنفط، الذي تم محاصرته باليات ثقيلة يوم امس الاثنين. وكذلك الشأن بالنسبة الى المصرف المركزي الليبي الذي حاصرته أيضا ميليشيات مسلحة. إضافة الى اقتحام مقر البريد الالكتروني في الزاوية، اين اين سمع اطلاق نار على خلفية خلافات بين الكتيبة 92 مشاة وقوات الردع التخاصة التابعة لحكومة الوفاق.
جبهة صراع
وحول هذا الموضوع، قالت مؤسسة النفط إن بعض العصابات المسلحة الخارجة عن القانون حاولت اقتحام مقرها الرئيسي بطرابلس، قبل أن تتصدى لها قوة حرس المنشآت النفطية المكلفة بحمايته، بعد استدعاء تعزيزات إضافية من قواته التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية. وأشارت المؤسسة، إلى أنه تم التعامل مع هذه العصابات، وطردهم دون أي أضرار بشرية أو مادية تذكر. وأضافت انه تمت إحالة بلاغ لمكتب النائب العام للتحقيق في ملابسات الهجوم الفاشل، والتحقيق مع كل من له علاقة بهذا العمل الإرهابي بشكل مباشر أو غير مباشر، لاتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية قطاع النفط من هذه المحاولات البائسة.
وتجدر الإشارة الى ان أموال النفط الليبي، قد فتحت جبهة جديدة من الخلافات العلنية بين المؤسسة الوطنية للنفط، برئاسة مصطفى صنع الله، والمصرف المركزي بقيادة الصدّيق الكبير، وذلك بعد أيام قليلة من جدال حاد بين الأخير وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق”.
ويعتبرهذا الخلاف بين أكبر مؤسستين في العاصمة نقطة فاصلة لتعلقه بأموال النفط، التي تخص جميع الليبيين، الذي ظلت عملية إنتاجه وتصديره معطلة طيلة تسعة أشهر. حيث شككت المؤسسة الوطنية للنفط في بيانات أصدرها المصرف المركزي نهاية الأسبوع، ووصفتها بـالمغالطات والتضليل، وقالت إنه بالرغم من أن كل البيانات الشهرية السابقة للمصرف المركزي أكدت صحة ومطابقة الأرقام الصادرة عن المؤسسة، فإنه تراجع في بيانه الأخير، وتحدث عن عدم دقة هذه البيانات لسنوات عديدة، الأمر الذي يفند الادعاء الكيدي للمركزي .
احتجاز إيرادات النفط
واستنكرت مؤسسة النفط استنكارها الشديد، مبينة أن الإيرادات النفطية الفعلية ما بين مطلع يناير الماضي وحتى نهاية أكتوبرالماضي، والمودعة لدى المصرف المركزي، بلغت 3.7 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 5.2 مليار دينار ليبي وفق سعر الصرف الرسمي، وليس كما ورد في بيان المصرف المركزي.
كما طمأنت المؤسسة الوطنية للنفط الشعب الليبي بدقة منظومات الدفع والتحصيل، وقالت إنها ستتوقف عن تحويل إيرادات النفط في حساب المصرف المركزي حتى تكون لديه شفافية واضحة أمام الشعب الليبي عن آلية صرف الإيرادات النفطية خلال السنوات السابقة، وعن الجهات التي استفادت منها بالعملة الأجنبية، والتي تجاوزت في مجموعها 186 مليار دولار أميركي خلال الأعوام التسعة الماضية.
ولمزيد من طمأنة الليبيين، قالت المؤسسة إن احتجاز الإيرادات في حساباتها لدى المصرف الليبي الخارجي مسألة مؤقتة، إلى حين الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، التي من أهم مخرجاتها الاستخدام العادل للإيرادات بين كل مدن وقرى ليبيا.
وكان فايز السراج قد اتخذ نهاية الأسبوع قرارا يقضي بتشكيل جمعية عمومية تتولى تسمية مجلس إدارة المصرف الليبي الخارجي. وقال مجلس الوزراء في اجتماع استثنائي برئاسة السراج، منتصف الأسبوع الماضي، إنه تقرر، وفقاً للاختصاصات المسندة له، تشكيل جمعية عمومية تتولى تسمية مجلس إدارة المصرف الخارجي، وفقاً للنظام الأساسي الخاص بالمصرف ولقانون تأسيسه. غير أن الكبير رأى في الأمر تجاوزاً للسلطات. وقال إن جميع القوانين النافذة ألغت أحكام القانون الذي يستند إليه مجلس الوزراء، المتعلق باختصاصه بتعيين مجلس إدارة للمصرف الخارجي. وبدا الصراع بين السراج والكبير يتوسع اكثر فاكثر واصبح بارزا للعيان من خلال البيانات والقرارات الصادرة في الفترة الأخيرة. ولم تلتفت حكومة الوفاق لحديث الكبير، فنشأ هذا الخلاف مع المؤسسة الوطنية للنفط، التي قالت أمس إنها تبنت الشفافية والإفصاح الكامل عن الإيرادات لكل الشعب الليبي على موقعها الإلكتروني منذ يناير 2018، ودعت كل المؤسسات المالية الليبية، تحديداً المصرف المركزي، أن يحذو حذوها للتأكد من الاستعمال القانوني والرشيد لعائدات النفط. وذهبت المؤسسة الوطنية للنفط إلى أنها لا تشخصن القضايا.
بيانات غير دقيقة
من جهته، اتهم البنك المركزي الليبي المؤسسة الوطنية للنفط في بيان رسمي بالتلاعب في البيانات منذ عدة أعوام، ما يستوجب المراجعة والتحقق. ونبه المركزي إلى أن المطابقة الشهرية للإيرادات النفطية التي تتم مع كل من المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف الليبي الخارجي، قد أسست على بيانات المؤسسة الوطنية للنفط، التي تبين لمصرف ليبيا المركزي أنها بيانات غير دقيقة منذ سنوات ماضية، الأمر الذي يتطلب التحقق والمراجعة.
وأوضح أن الإيرادات النفطية وحدها حققت عجزا قدره 2.599 مليار دينار، حيث كانت الإيرادات المقدرة حسب الترتيبات المالية 5 مليارات في حين كانت الإيرادات الفعلية 2.4 مليار. وتابع أن إجمالي النفقات الفعلية بلغ 26.788 مليارا وكانت النفقات المقدرة 32.084 مليارا، بعجز 5.296 مليار دينار.
وأشار إلى أن إجمالي أذونات الصرف المقدمة من وزارة المالية لمجابهة كورونا بلغ 969 مليون دينار ليبي، خصص منها مبلغ 572 مليونا لوزارة الصحة و50 مليونا للبلديات، و95 مليونا لجهاز الطب العسكري، و35 مليونا لخدمات الإسعاف، و151 مليونا لجهاز الإمداد الطبي و44 مليونا للسفارات والقنصليات الليبية، و22 مليونا لوزارة التربية والتعليم.
يذكر ان إنتاج ليبيا من النفط الخام، بلغ مليون برميل يوميا للمرة الأولى منذ 2014 بعد أقل من شهرين على إعلان الجيش الليبي استئناف التصدير. وكانت مؤسسة النفط قد كشفت عن أن إيرادات صادرات النفط ومشتقاته منذ إعادة الإنتاج في سبتمبر الماضي بلغت 347.2 مليون دولار. ويرفض تنظيم الإخوان وبعض الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وضع رقابة على أموال النفط، لاسباب قد تكون لها علاقة بتمويلات جهات مشبوهة.
مع العلم ان المؤسسات في ليبيا تنقسم بين حكومتين الأولي في شرق ليبيا، وهي الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب، وحكومة الوفاق في طرابلس، التي تشكلت بناء علي الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية في العام 2015. وتعتبر المؤسسة الوطنية للنفط احدى أهم المؤسسات في ليبيا التي مازالت تحضى بشرعية بين الحكومتين، لكن ذلك لم يمنع هذه المؤسسة من السقوط في قلب الصراعات المستمرة.