بينما تتجه الحكومة الأردنية لإجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل والمبيعات، بغية تخفيض عجز الموازنة الذي يتجاوز سنويا مليار دينار أي ما يعادل 1.5 مليار دولار، يطغى القلق على المواطنين الأردنيين والقطاعات الاقتصادية، خشية زيادة نسب الضرائب أو فرض جديدة.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على إجراء التعديلات على القانون الذي تقول إنه يحتوي على العديد من الثغرات التي لا بد من معالجتها لزيادة الإيرادات المتحققة من بند الضرائب، عاد الحديث مجددا لطرح قضية التهرب الضريبي، ما عزز مخاوف المواطنين من اتخاذ الحكومة تشريعات ضريبية جديدة نتيجة ضغوطات المالية العامة وتداعيات جائحة كورونا وتنفيذا لمطالب المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين.
مشروع قانون جديد
أواخر الشهر الماضي أعلنت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، انها أنجزت مشروع قانون معدل لقانون الضريبة العامة على المبيعات لسنة 2021، بهدف الانسجام مع الممارسات العالمية في مفهوم خضوع ضريبة المبيعات للسلع والخدمات من خلال إقرار مبدأ التوريد، كما يخفض مشروع القانون فترة طلب الرديات من 6 أشهر إلى شهرين اثنين.
وبالرغم من تأكيد مدير دائرة ضريبة الدخل والمبيعات “حسام أبو علي”، أن إعداد مشروع القانون، اعتمد على مبدأ التزام الحكومة بعدم زيادة، أو فرض أي ضريبة على المواطن، تعالت الأصوات مطالبة بتخفيض الضرائب عن بعض القطاعات الاقتصادية.
وبحسب “أبو علي” فقد جاء مشروع التعديل مستنداً على محورين رئيسيين، الأول هو مفهوم التوريد، بمعنى أن قاعدة الاستيفاء الضريبي ستكون التوريد، أي أنه إذا انتقلت ملكية السلعة من شخص إلى آخر، أو إلى مكلف آخر بالبيع، أو بأي طريقة أخرى تصبح قاعدة لفرض ضريبة المبيعات، بمعنى أنه إذا كان هناك أي شخص يعمل على نقل حق التصرف بالبضاعة، ونقلها إلى شخص آخر للتحايل من دفع ضريبة المبيعات، فإنه سيتم سد هذه الثغرة بالقانون الجديد.
أما المحور الثاني، فيتعلق برديات ضريبة المبيعات، وهي واحدة من التحديات والمشكلات التي تطالب القطاعات الاقتصادية دائما بمعالجتها، والمرتبطة بسرعة رد رديات ضريبة المبيعات، حيث تعتبر الرديات بالنسبة للقطاعات الاقتصادية مصدر سيولة نقدية، وهنا جاء التعديل مستنداً على مبدأين رئيسيين في سرعة رد الرديات، من خلال تخفيض المهل القانونية المنصوص عليها في القانون، بحسب أبو علي.
في القانون الحالي لضريبة المبيعات يستطيع المكلف سواء كان صناعيا أو تجاريا طلب الرديات بعد مضي 6 أشهر، لكن هذه المدة ستخفض من 6 أشهر إلى شهرين، أما المبدأ الثاني، فيتعلق بالمهلة الممنوحة للدائرة لرد هذه المبالغ حسب القانون الحالي وهي 3 شهور، لكن بموجب التعديل ستخفض إلى شهر واحد بحسب “أبو علي”، الذي يرى أن مشروع القانون الجديد يقف إلى جانب التجار الملتزمين ويعالج قضايا الاحتيال والتهرب الضريبي.
المحلل الاقتصادي “عزت البرماوي”، يتفق مع ما جاء به “أبو علي” مشددا على أن القانون المعمول به حالياً يحوي ثغرات قد تستخدم للاحتيال وعدم دفع الضرائب، وأنه لا بد من فرض تعديلات على القانون خاصة فيما يتعلق بمفهوم التوريد للسلعة أو الخدمة والمنطقة الضريبية، وكلاهما ممارسة عالمية تطبقها أكثر من 160 دولة، ويهدف لتسريع حصول التاجر على المستردات الضريبية من أصل الضريبة المدفوعة.
ويشير البرماوي إلى أن كل دينار للتاجر سيحصل عليه بعد 3 أشهر بدلاً من 9 دون أية عوائق.
يشار إلى أن بيانات رسمية حكومية كانت قدرت حجم التهرب الضريبي في الأردن بأكثر من 1.5 مليار دولار سنويا.
فقدان ثقة ومطالبات بتخفيض
رغم تأكيدات المسؤولين الأردنيين بأن مشروع القانون الجديد لا يتضمن رفعا للضرائب، إلا أن ممثلي القطاعات التجارية لم يخفوا مخاوفهم من تكرار سيناريو السنوات السابقة، والتي شهدت تعديلات متكررة للقانون خرجت في كل مرة بزيادة النسب الضريبية على السلع والخدمات والتوسع بعدد الأفراد الخاضعين لضريبة الدخل وإخضاع بنود جديدة لضريبة المبيعات، مطالبين بتخفيض ضريبة المبيعات على قطاعاتهم.
ممثل قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في غرفة تجارة الأردن “هيثم الرواجبة”، طالب الحكومة، بتخفيض ضريبة المبيعات التي يدفعها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من 16 إلى 8 بالمئة، معتبرا أن تخفيض ضريبة المبيعات على القطاع في الوقت الحالي “بات ضرورة ملحة لضمان استقرار أسعار منتجاته ومستلزماته محلياً، في ظل ارتفاع كلف الشحن عالمياً بشكل كبير ومفاجئ”.
كما لفت إلى ضرورة الخروج بحلول من شأنها أن تضمن استقرار الأسعار محلياً، وتحفيز عمل المنشآت وتوسعها، بما يسهم في توليد المزيد من فرص العمل للأردنيين، والحد من زيادة نسب البطالة بالمملكة”.
يشار إلى أن عدد الشركات العاملة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عموم الأردن، يبلغ أكثر من 3 آلاف شركة لديها ما يزيد على 45 ألف عامل.
ممثل قطاع الكهربائيات والإلكترونيات في غرفة تجارة الأردن، “حاتم الزعبي”، هو الآخر طالب الحكومة بخفض الرسوم الجمركية والضرائب بنسبة خمسين بالمئة عن الأصناف الكهربائية، نظرا للدور الذي تلعبه الضرائب بارتفاع أسعار الأصناف الكهربائية وتأثير ذلك على حركة السوق والتعاملات التجارية، ما سيؤثر حتما بحسب “الزعبي” على استمرارية عمل عدد كبير من الشركات العاملة في قطاع الكهربائيات.
رفض برلماني
مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني، “ضرار الحراسيس”، أكد في تصريحات صحفية أن مجلس النواب لن يسمح بتمرير أي قوانين أو تشريعات تستهدف رفع نسبة الضرائب على المواطنين الذين يعانون من أوضاع مادية صعبة للغاية بخاصة مع الآثار السلبية الناتجة عن جائحة كورونا وتداعياتها وما نتج عنها من ارتفاع لنسب الفقر والبطالة وفقدان عشرات الآلاف لوظائفهم، مشددا على ضرورة أن يتم رفع الضرائب على القطاعات الاقتصادية التي تعاني أيضا من تراجع في الأداء بسبب الجائحة.
وقال الحراسيس، “سبق وأن قامت الحكومة بتعديل قانون الضريبة عدة مرات وفي كل مرة كان الهدف هو الحد من التهرب الضريبي، ولكن في السياق يتم رفع الضرائب”، منوها إلى أنه يجب تفعيل أدوات محاربة التهرب الضريبي لا رفع الضرائب.
وبحسب البيانات الصادرة عن دائرة الضريبة، فقد ارتفعت حاصلات ضريبة الدخل والمبيعات والمساهمة الوطنية خلال الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 25 بالمائة عن نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ مجموع الحاصلات خلال الثلث الأول من العام الحالي 1.93 مليار دولار مقارنة بـ 1.54 مليار دولار تم تحصيلها خلال نفس الفترة من العام الماضي.