تشهد محافظة دير الزور شرقي سوريا صراعا غير معلن على النفوذ، بين القوات الروسية وميليشيات إيران، حسبما تؤكد مصادر أهلية في المنطقة.
وفيما تواصل تواصل القوات الروسية مساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية جديدة، في منطقة “التبني”، بالريف الغربي للمحافظة، بدأ “الحرس الثوري” الإيراني، بتشكيل مليشيا جديدة تحت مسمى “مجموعة الحرس الثوري”، وتجنيد عناصر من أبناء المحافظة في محاولة للاحتفاظ بنقاط قوة في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.
محللون أشاروا إلى أن التحركات الأخيرة في محافظة دير الزور، تمثل صراعا على تقاسم النفوذ بين موسكو وطهران لانتزاع الهيمنة على المحافظة الغنية بالنفط والموقع الاستراتيجي إذ تمثل صلة وصل بين العراق وسوريا، إلا أن هناك من يرى أن موسكو لا تريد أن تترك تلك المنطقة لميليشيات إيران وربما لتشكيلات قد تدفع بها واشنطن إلى مناطق السيطرة الايرانية مثل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ذات الاغلبية الكردية.
خزان بشري ودوافع اقتصادية
مطلع الشهر الحالي، أجرى وفدا من قوات الشرطة العسكرية الروسية برفقة قيادات من الفيلق الخامس، زيارة إلى منطقة التبني، غرب محافظة دير الزور، بهدف التجهيز لإنشاء قاعدة عسكرية روسية في المنطقة، حسبما كشفت مصادر مطلعة لمرصد “مينا”، مشيرة أن الضباط الروس أكدوا لسكان المنطقة أن القاعدة ستكون تحت إشراف القوات الروسية لكنها ستخصص لعناصر من أبناء المنطقة، سيتم دمجهم في ميليشيات “الدفاع الوطني” و”الفيلق الخامس”.
في الحديث عن أهداف روسيا من إنشاء القاعدة، يؤكد الصحفي “خالد النعيمي” أن موسكو تسعى إلى تجنيد أبناء المحافظة في مليشيات مدعومة من قبلها، وذلك للاستفادة مع الخزان البشري من المقاتلين من أبناء المنطقة في معاركها.
ويرى “النعيمي” أن لروسيا حسابات داخل سوريا وخارجها من وراء تجنيد المقاتلين، مشيرا الى احتمال إرسال المقاتلين إلى خارج مناطق ساخنة خارج سوريا.
بالإضافة الى ذلك، يشير “النعيمي”، إلى أن ريف دير الزور الغربي لم يسجل من قبل وجوداً عسكرياً لروسيا، مرجحا أن تكون موسكو أدركت أن من مصلحتها تسجيل وجود عسكري في تلك المنطقة الغنية بالنفط، من خلال إنشاء قاعدة عسكرية، وافتتاح باب التطويع للشباب هناك.
ولايستبعد المراقبون للشأن السوري أن يكون الوجود الروسي في دير الزور مرتبط بالمصالح الاقتصادية اكثر من أي شيء آخر لاسيما أنهم جعلوا من حقول نفط قواعد عسكرية.
وتسيطر روسيا على ثلاثة قواعد في محافظة دير الزور، وهي قاعدة حقل النيشان، وقاعدة التيم، وقاعدة مطار دير الزور العسكري.
تقليص الدور الإيراني في المنطقة
لا يخفي المحلل السياسي “أحمد علاوي”، توافقه مع ما جاء به “النعيمي”، لكنه يصر على اعتبار التحركات الروسية في ريف دير الزور الغربي، محاولة من موسكو لتقليص دور ميليشيات إيران في المنطقة، من خلال “بعثرة” الميليشيات المدعومة من طهران في مساحات شاسعة، وبالتالي ضمان عدم تركيز ثقل الميليشيات على منطقة واحدة.
ويوضح “علاوي” أن الزيارة التي جمعت الضباط الروس وضباط من نظام الأسد مع سكان ريف دير الزور الغربي، ركزت على دعم الميليشيات التابعة لنظام الأسد تحديداً، بحيث تم البحث في تعزيز وجود “الفيلق الخامس” و”الدفاع الوطني”، على حساب الوجود الإيراني.
كما يشير الى أن الخطوة الروسية جاءت بعد وصول تعزيزات ضخمة للميليشيات الإيرانية المتواجدة في دير الزور، وإحكام إيران سيطرتها على المحافظة.
كذلك، وحسب “علاوي”، فإن البادية السورية ودير الزور وحلب تشهد ما يشبه عمليات إعادة توزيع للنفوذ بين روسيا و إيران، قائلاً: “شاهدنا مؤخراً، كيف حدثت انسحابات روسية من مطار الـT4 في ريف حمص الشرقي، لصالح إيران، ويبدو أن الروس أجبروا الإيرانيين على الانتشار في حلب وريفها بدل تكثيف تواجدهم في دير الزور”.
يشار إلى أن شحنة أسلحة إيرانية تضم صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصلت مطلع الشهر الجاري الى محافظة دير الزور شرقي سوريا، وحسبما أكدت مصادر محلية لمرصد “مينا” حينها فقد جرى إفراغ شاحنتين في مستودعات ميليشيا “فاطميون” الأفغانية بمنطقة عياش بريف محافظة دير الزور الغربي، فيما تابعت شاحنات أخرى طريقها نحو مواقع الميليشيات الإيرانية، في الريف الشرقي لمحافظة الرقة.
تزامن ذلك، من قيام ميليشيا “لواء فاطيمون”، بإنشاء منصات إطلاق صواريخ، في ريف محافظة الرقة الشرقي المحاذي لدير الزور.
يذكر أن بادية الرقة الجنوبية الشرقية، المتاخمة لمحافظة دير الزور، تحظى باهتمام من قبل الجانب الإيراني والنظام لغنى تلك المنطقة بالثروات.
الميليشيات أوراق قوة بيد إيران
بالتزامن مع تحركات القوات الروسية لإنشاء القاعدة الجديدة، بدأ الحرس الثوري الإيراني في محافظة دير الزور، بتشكيل مليشيا تحت مسمى “مجموعة الحرس الثوري”، وتجنيد عناصر من أبناء المحافظة.
وبحسب ما أفادت مصادر “مينا”، فإن المليشيا الجديدة تركز على استقطاب أبناء ريفي دير الزور الشرقي والغربي، وذلك تزامنا مع الحديث عن توجه روسي نحو ريف دير الزور الغربي، عبر إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة التبني.
الباحث المختص بالشأن الإيراني، “إياد الحمادي” يرى أن إيران تسعى لتشكيل المليشيات تباعا، بغية امتلاك أوراق القوة على الأرض، حيث تُشكل كل مليشيا جديدة ورقة من أوراق القوة بيد طهران في سوريا.
ويعتبر “الحمادي” أن السياسة الإيرانية في سوريا، تركز على تنويع جنسية المليشيات، ما يشكل لها عامل قوة في أي عملية تفاوضية، بحيث لا تفاوض على إخراج المليشيات من سوريا على دفعة واحدة، وإنما كل مليشيا على طرف.
أما حول إصرار إيران على تثبيت وجودها في محافظة دير الزور ، يرى “الحمادي” أن المحافظة تحتل أهمية بالغة بالنسبة للمخطط الإيراني، لخلق وجود طويل الأمد، في المنطقة التي تربط إيران عبر العراق بسوريا ولبنان، مؤكدا أن طهران لا تتوانى في تأمين الممر البري الذي يتطلب السيطرة على دير الزور.
يشار الى أن المليشيات الإيرانية تتخذ من ريف دير الزور الشرقي مركزا لإعادة انتشارها في عموم المناطق السورية، وتتواجد في أرياف حلب الجنوبية والشرقية، وحماة الشمالية، وحمص وأريافها، وفي العاصمة دمشق، ودرعا والقنيطرة عند الحدود مع الجولان السوري المحتل.
وحسبما تكشف مصادر حقوقية واهلية، فإن عدد المليشيات المرتبطة بإيران في سوريا يتجاوز الـ 50 تشكيلا، وعناصرها من جنسيات إيرانية وعراقية وأفغانية وباكستانية ولبنانية، إلى جانب عدد كبير من المقاتلين المحليين.
وتسيطر ميليشيات إيرانية أو مدعومة من إيران، أهمها “حزب الله” اللبناني، و”حزب الله” العراقي، و”النجباء”، و”فاطميون”، و”زينبيون”، على مدينتي الميادين و البوكمال وريفهما شرقي دير الزور، بالإضافة إلى مركز المحافظة، في ظل غياب متعمد لقوات النظام، حسبما تؤكد مصادر محلية في المنطقة.