وسط زحمة الأحداث السياسية والاقتصادية في تونس، يعود الحديث عن الجهاز السري لحركة النهضة، مع ما تم تداوله في وسائل إعلام محلية عن وجود 21 ألف عنصر ضمن الجهاز المذكور، والمتهم بارتكاب عدة عمليات تصفية ضد معارضين سياسيين بارزين، بالإضافة إلى إنشاء دولة ظل داخل الدولة التونسية.
تكشف مصادر تونسية، أن الجهاز السري للحركة بدأ عملياً باحتلال الدولة التونسية عبر زرع أكثر من 21 ألف عنصر من عناصره في مؤسسات الدولة التونسية، وتحديداً في مصلحة إدماج المعطيات للمركز الوطني للإعلامية ومكاتب الضبط المركزي لسائر الوزارات والمؤسسات العمومية.
يشار إلى أن ملف الجهاز السري لحركة النهضة، قد تم فتحه عقب اتهامه باغتيال كلا من النائب السابق بالمجلس التاسيسي التونسي، “محمد البراهمي” والمعارض “شكري بلعيد”.
سيطرة تامة ودولة عميقة
يشير المحلل السياسي التونسي، ” مراد سليم” إلى أن واقع الحال مع الجهاز السري لحركة النهضة، يدل على وجود دولة عميقة داخل البلاد تديرها رؤوس الحركة بعيداً عن ما هو ظاهر، لافتاً إلى أن الحركة ومن خلال جهازها السري وسيطرتها على الائتلافات الحكومية ورئاسة البرلمان، باتت تسيطر تقريبا على الدولة التونسية سراً وعلانية.
كما يعتبر “سليم” أن حالة السيطرة شبه المطلقة تلك أثرت على مكتسبات الثورة التونسية وحدة من قدرتها على تحقيق مطالب الشعب، لا سيما وأن الجهاز السري والتهم الموجهة له، ضربت أولى وأهم مطالب الشعب التونسي باستعادة الدولة المدنية الديمقراطية، مشيراً إلى أن اعتماد الحركة على حكم الظل والدسائس وتكشيل الكيانات واللوبيات ساهم في هز أركان الدولة التونسية.
يذكرأن وزارة اداخلية التونسية قد أفرجت سابقاً عن نتائج تحقيقات أجرتها خول ما أطلق عليه بـ “الغرفة السوداء” التي تمثل خلاصة أعمال أمنية، والتي قيل إنها تضم مئات القرائن التي تظهر مدى تغلغل التنظيم السري للنهضة في الميدان وفي دفة الحكم معاً بتونس.
في السياق ذاته، يلفت “سليم” إلى أن النهضة مشاركة في الحكم بتونس منذ 2012، وموجودة في الحكومات المتتالية، وهو ما يحملها ويحمل سياساتها إلى حد كبير مسؤولية ما وصلت إليه البلاد حتى اليوم، متسائلاً عن الهدف الذي تسعى إليه الحركة من خلال إنشاء الكيانات السرية وكيانات الظلام.
يشار إلى أن تونس شهدت موجة جدلاً كبيراً خلال الأيام القليلة الماضية، بعد وصول طرد مشبوه فيه مواد سامة إلى قصر الرئيس، “قيس سعيد”، وسط تصاعد التكهنات بأن الطرد ارتبط بمحاولة لاغتيال الرئيس، تزامناً مع تصاعد التوتر السياسي، لا سيما بين “سعيد” ورئيس حركة النهضة، “راشد الغنوشي”، الذي يشغل منصب رئيس البرلمان.
ارتباطات وجهات خارجية
الأنشطة السرية لحركة النهضة، ووفقاً لما يراه الباحث في الشؤون التونسية، “حمدي العامري”، يتربط بالصلات الخارجية لحركة النهضة، مبيناً ان الحركة تتبنى فكراً آيديلوجياً مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبرا تنظيماً دولياً ينتشر في عدة دول، بينها تونس.
كما يوضح “العامري” أن الجهاز السري لا يرتبط فقط بحركة النهضة وإنما في تلك الآيديولوجيا، التي ظهرت من خلال العلاقات القوية، بين الحركة والحكومة التركية، الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، سواء في سوريا أو مصر أو ليبيا، مشيراً إلى أن الأنشطة السرية للحركة لا تقتصر فقط داخل الحدود وإنما أيضاً في تحركاتها خارج الحدود، والتي أثارت جدلاً كبيراً في تونس خلال الصيف الماضي.
وكان نواب تونسيون قد طالبوا الصيف الماضي، بمسائلة رئيس البرلمان، الغنوشي”، بسبب لقاء غير معلن أجري مع الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، وسط اتهامات اطلقها اتحاد الشغل التونسي، لحركة النهضة ببيع البلاد لتركيا.
تزامناً، يؤكد المختص في بحوث الحركات الإسلامية، “سامي جاد الله” أن حركة النهضة هي جزء من منظومة كاملة تمتلك ذات الفكر والتوجه، على الرغم من تبدل المسميات بينها، لافتاً إلى أن المشكلة الأكبر في التيارات الإسلامية هو تبنيها الدائم لارتباطات خارج الحدود، بسبب حالة التشابه الكبيرة في الأهداف والتوجهات، ما يحد من إيمانها بمفهوم الدولة والوطن والهوية الوطنية لصالح الهوية الدينية والانتماء الديني.
ويضيف “جاد الله”: “معرفة التيارات الإسلامية برفض الشعوب لأي ارتباطات خارجية تحت أي مسمى يدفع تلك التيارت إلى العمل من تحت الطاولة، سواء لترسيخ وجودها في الحكم أو للالتزام بارتباطاتها الدولية أو الإقليمية”، لافتاً إلى أن حركة النهضة في تونس رسخت تلك السياسة خلال 8 سنوات من وجودها في البلاد.
يذكر أن وزير الداخلية التونسي الأسبق، ” لطفي بن جدو”، قد اعترف أن النهضة تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في تونس، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4000 مكالمة في نفس الوقت وعادةً ما تنتقل على متن سيارات مغلقة.
كما تبين تقارير إعلامية أن الجهاز السري لحركة النهضة ارتبط عضوياً مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.