تعوّل تركيا على الجهود الدبلوماسية لإقناع موسكو بجدوى التوصل إلى ترسيخ خارطة التقسيم والاحتلال شمال شرقي سوريا، وتدفع من أجل تسريع انسحاب وحدات الحماية الكردية التي يرمز لها اختصارا بـ “قسد” من المنطقة الأمنية شرقي سوريا، وبالتالي تعزيز سيطرتها، وهو ما برز في تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الاثنين، حيث قال إن وحدات حماية الشعب الكردية السورية لم تنسحب بعد بالكامل من منطقة الحدود بموجب اتفاق توسطت فيه روسيا، مهددا بعودة المعارك، ولفت إلى أن حكومة بلاده ستناقش في وقت قريب الخطوات المقبلة مع موسكو.
ومع إنجاز المنطقة الآمنة، شرقا، وفق الأهداف التركية، يثير السوريون تساؤلات خطيرة حول نوايا الدول الضامنة تجاه ادلب، ومصير باقي المناطق التي أصبحت “غير آمنة” لا سيما بعد صهر كل تشكيلات المعارضة المعتدلة في بوتقة “الجيش الوطني” المؤتمر بإمرة أنقرة، وحصر مهام معظم الجيش في الدفاع عن حدودها، فهل حوّلت تركيا أهداف “الجيش الحر” من تحرير وحماية سوريا إلى “تحرير وحماية” حدودها، وهل تركت أنقرة محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها رهينة التوافقات الدولية والإقليمية بعدما كانت “خطا أحمر”!.
وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، قال الاثنين، إن وفدا عسكريا روسيا سيأتي إلى تركيا لبحث الدوريات المشتركة شرق الفرات، والتي من المقرر أن تبدأ يوم الثلاثاء، لافتا الى أن عدم انسحاب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية لمسافة نحو 30 كيلومترا عن الحدود في شمال شرق سوريا بموجب الاتفاق مع روسيا سيدفع القوات التركية لطردهم.
من جهتها، تحاول موسكو تجنّب ما قد يؤدي إلى تصعيد وتوتر عسكري، رغبة منها في تسريع الحلول السياسية وفق خطتها، لا سيما مع اقتراب موعد انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف والتي من المفترض أن تبدأ يوم الأربعاء المقبل، حيث تستغل أنقرة هذه النقطة في محاولة إقناع حليفها الروسي بضرورة إتمام اتفاق سوتشي الأخير، شرقي الفرات، واستكمال تقسيم المنطقة الحدودية الرخوة أصلا، وهو ما يُفسّر تلويح أنقرة الدائم باتخاذ خطوات عسكرية جادّة في حال التباطؤ في تنفيذ التعهدات الروسية حيال أمنها القومي.
وسائل إعلام روسية أفادت بانسحاب قوات سوريا الديموقراطية من مناطق قرب الحدود مع تركيا، موضحة أن الانسحاب الذي جاء بضمانة روسية يأتي تنفيذا لاتفاق سوتشي، وذلك تزامنا مع انتشار قوات النظام السوري على أكثر من 20 بلدة وقرية بطول 90 كم، وذكرت وكالة النظام الرسمية “سانا” أن “وحدات من الجيش العربي السوري تواصل انتشارها في مناطق شمال شرق سوريا (شرق الفرات) وخاصة، في أرياف محافظة الحسكة”.
وأكدت انتشار قوات النظام على الحدود السورية التركية بريف الحسكة الشمالي من ريف رأس العين الشرقي غرباً وصولا إلى القامشلي شرقاً و”ثبتت نقاطها على محور يمتد بنحو 90 كم فيما تواصل باقي الوحدات انتشارها في المناطق الأخرى وذلك في إطار مهامها الوطنية لمواجهة العدوان التركي” وفق المصدر.
ونشرت وكالة “سانا” شريطا مصورا يظهر عشرات آليات النقل العسكرية وناقلات الجند أثناء عمليات انتشار قوات النظام في مناطق غرب وجنوب محافظة الحسكة، ولفتت إلى أن “وحدات من الفوجين ١٢١و ١٢٣ التابعين للفرقة ١٧ في الجيش السوري، تحركت باتجاه بلدة تل تمر بالريف الغربي لمحافظة الحسكة لتتمركز في نقاط الفوج الخامس “هجانة”، التي أخلت مواقعها خلال الساعات الماضية، وانتشرت في نقاط وقرى الشريط الحدودي مع تركيا بمدينتي الدرباسية وعامودا وبريف القامشلي الغربي وريف رأس العين الشرقي”.
مواجهات بين الجيشين
رصدت مصادر ميدانية قصفا مدفعيا نفذه الجيش التركي استهدف مناطق في ناحية “أبو رأسين” بريف مدينة رأس العين الشرقي شمال الحسكة، تزامنا مع اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة درات بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام من جهة، والجيش الوطني المقرب من أنقرة من جهة أُخرى على محاور قُرى السلماسة غرب تل تمر والقاهرة غرب تل تمر والمطمورة ودادا عبدال شرق رأس العين، في محاولة من قبل الجيش التركي التقدم والسيطرة على المناطق المذكورة، حيث تتواصل المعارك العنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى، على محاور بريف مدينة رأس العين ضمن المنطقة الواصلة إلى تل تمر، وتتركز الاشتباكات في محيط الصالحية وعريشة والداودية، تترافق مع قصف واستهدافات متبادلة.
ماهي مهام 80 ألف مقاتل معارض؟
ويعتبر المشروع التركي الذي يهدف إلى اقامة منطقة عازلة تمثل حزام أمان بين الأراضي التركية والسورية، وتمنع أي نوع من أنواع التهديد الأمني التي يهدد الأراضي التركية، قد أنجز فعلا، ومن خلاله يتم أيضا استهداف المشروع الكردي الانفصالي والذي يهدد الأمن القومي التركي، ولكن ما هو مصير باقي مناطق المعارضة، الخارجة عن المنطقة الأمنية “التركية” إذ يتواصل القصف ويتعاظم حجم التصعيد الروسي ضد مدن وبلدات الشمال، وهي المنطقة الداخلة ضمن نظام “خفض التصعيد” والتي تمتد على أرياف أربع محافظات “حماة وحلب واللاذقية” إضافة الى مدينة ادلب وريفها.
ويعتقد معارضون سوريون أن أنقرة، حوّلت قوى الثورة ومقاتليها الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 80 ألف مقاتل إلى حرس لحدودها، ومقاتلين عن أمنها، وفي هذا الإطار عقب الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة على المنطقة الآمنة بالقول ” المنطقة الآمنة فيها 80 ألف مقاتل سوري (مُعارض) للنظام السوري، وبعد إعلان تركيا إنهاء عملية ما أسمته (نبع السلام)، لم يعد يستطيع هؤلاء (المقاتلون) الدخول إلى تركيا ولا العودة إلى إدلب أو شمال حلب للدفاع عنهما، وسيبقى هؤلاء (المقاتلون) بين رأس العين وتل أبيض لحراسة الحدود التركية” مضيفا “هل هذه هي النهاية يا شباب؟ من ثورة حرية وكرامة إلى حرس حدود وتأمين مصالح دولة تانية؟”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.