هيئة التحرير
مع اتساع الأزمة اللبنانية وزيادة تعقيدها، يكشف ناشطون من ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لحزب الله، عن تعالي الأصوات الرافضة للأوضاع الراهنة داخل الضاحية، لافتين إلى أن سكانها هم جزء من لبنان، ويطالهم ما يطال بقية اللبنانيين من الفقر والجوع وفقدان الخدمات.
ويعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية خانقة مع توقعات بأن يصل عدد العطلين عن العمل إلى مليون عاطل وتجاوز الفقر حد 50 في المئة من السكان، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، بالتزامن مع فقدان شبه كامل للخدمات الصحية والبنى التحتية الخاصة بالكهرباء والحياة العامة.
إلى جانب ذلك، يشير الناشطون إلى أن تلك الأصوات بدأت تدفع باتجاه التعبير أكثر عن رفض ما يمر به لبنان، مؤكدين أنه على الرغم من أن بعض العائلات، التي لديها أبناء في الحزب، توفر حاجياتها بشكل أفضل من البقية، إلا أن النسبة العظمى من سكان الضاحية لا تستطيع مواجهة الواقع الصعب، خاصةً وأن الحزب ذاته يعاني من ضائقة مالية على حد قولهم.
وكانت الضاحية قد شهدت خلال السنوات الأخيرة، انطلاق عدة مظاهرات رافضة لسياسات الحزب، سواء من حيث الأوضاع المعيشية واستغلال السكان والانخراط في الحرب السورية، التي قتل فيها عدد كبير من أبناء الضاحية، إلا أنها مظاهرات بقيت محدودة بسبب القبضة الأمنية للحزب على المنطقة.
ليست قارة مستقلة
الحديث عن إمكانية خروج مظاهرات في معقل حزب الله، يرى فيه المحلل السياسي، “ناصر العيتاني” في حديثه مع مرصد مينا، أنه أمر منطقي وقابل للحدوث، مشيراً إلى الضاحية ليست قارة مستقلة عن لبنان، وإنما هي جزء من نسيج اجتماعي لا يمكن فصله عن الأزمات، التي تضرب البلاد، على اعتبار أن الغلاء والبطالة وآثار العزلة الدولية لن تقف عند الحدود الخارجية للضاحية.
وكانت مجموعة من الدول العربية الغربية والولايات المتحدة، قد أعلنت عدم تقديم أي مساعدات مالية للحكومة اللبنانية، بسبب سطوة حزب الله على القرار اللبناني وربطه بالمشروع الإيراني في المنطقة.
في السياق ذاته، يشير الباحث في الشأن اللبناني، “إياد أبو جمرة” لمرصد مينا، إلى أن وقوع توتر شعبي في الضاحية، هو نتيجة حتمية مستقبلية، لتحميل الحزب مسؤولية أزمات لبنان، سواء من خلال قضية المعابر غير الشرعية مع سوريا، والتي أدت إلى رفض صندوق النقد الدولي منح لبنان أي قروض مالية، أو الحصار الدولي الناتج عن علاقاته مع إيران والنظام السوري، أو من جهة التوترات الأمنية السياسية الناجمة عن اغتيالات السياسية والجسدية، وعمليات تهريب الدولار إلى سوريا، والتي قادت إلى الأزمة الحالية وأدت إلى انهيار سعر صرف الليرة، حيث وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى 8 آلاف ليرة، بالإضافة إلى رفضه مبدأ حياد لبنان في القضايا الإقليمية واعتباره مصلحة إسرائيلية.
وكانت عدة دول، آخرها فرنسا، طالبت الحكومة اللبنانية والمسؤولين بالعمل على ترسيخ مبدأ حياد لبنان الإقليمي، للحصول على المساعدات المالية والصحية، التي تحتاجها البلاد لتجاوز أزمتها الحالية، التي تعتبر الأسوء منذ اندلاع الحرب الأهلية.
خطاب طائفي لا يغطي الشمس
نجاح حزب الله خلال ثلاثين سنة، باستغلال المناخ الطائفي في لبنان، لخلق قاعدة شعبية متينة، لا يعني بالضرورة، وفقاً “لأبو جمرة”، أنه سينجح في ستخدام ذلك الخطاب لتغطية مسؤوليته عن ما آلت إليه الأمور في لبنان، وبالتالي فإن صمت مجتمع الضاحية الجنوبية، لا يعكس قناعة سكانها بأن الحزب بريئ من أزمة لبنان، وإنما يعكس القبضة الأمنية المشددة، التي يحكم بها الضاحية على حد قوله، مؤكداً على أن كفة الفقر والجوع والحرمان سترجح على كفة الولاء الطائفي.
ويبلغ عدد سكان الضاحية نحو مليون نسمة معظمهم من الطائفة الشيعية، حيث ينحدر 50 في المئة من سكانها من جنوب لبنان، والذين نزحوا خلال فترة احتلال اسرائيل للجنوب باتجاه الضاحية واستوطنوا فيها، لتتحول فيما بعد إلى معقل لحزب الله.
كما يذهب “أبو جمرة” إلى أن حتى حديث المقاومة والممانعة ومحاربة إسرائيل، لم يعد يجدي نفعاً مع الحاضنة الشعبية في الضاحية، لا سيما مع جيل الشباب، الذي لا يتذكر الكثير عن حرب الجنوب والنزوح ومعتقلات الخيام وغيرها، وهو ما يؤيده المحلل السياسي، “صلاح عبد الله”، الذي يشير إلى أن حزب الله لا يزال يستخدم ذات الخطاب القديم طيلة 30 عاماً، دون أن يستوعب تطورات الحياة والفكر داخل حاضنته الشعبية، والتي ساهمت بظهور الكثير من الأصوات الشيعية المعارضة له وسياساته.
وكانت آخر صدامات الحزب السياسية مع الشخصيات الشيعية، قد وقعت مع العلامة الشيعي، “علي الأمين”، الذي اتهمه الحزب ببناء علاقات وصلات مع إسرائيل، وإصدار محمكة لبنانية قراراً بالحقيق معه في تلك التهمة.
من الشارع إلى متاهات السياسة
يعتبر “عبد الله” أن التغير الوحيد الذي طرأ على عقيدة حزب الله هو الانتقال من مرحلة الاعتماد على القاعدة الشعبية ومخاطبة الشارع بشكل مباشر للحفاظ على قوته، إلى بناء التحالفات السياسية والدخول في متاهات وتعقيدات الحكم في لبنان، معتبراً أن 7 آيار 2008، كانت أول سقوط فعلي للحزب أثر على شعبيته حتى داخل ضاحيته، بعد أن وجه سلاحه إلى الداخل.
وكان الحزب قد سيطر بقوة السلاح في 7 أيار عام 2008 على مناطق في بيروت، وهي الحادثة، التي أسست بالإضافة إلى تحالف الحزب مع التيار الوطني الحر، لسيطرة كاملة للحزب على القرار اللبناني، وتشكيل دولة عميقة وحكومة ظل في البلاد.
كما يلفت “عبد الله” إلى أن أكثر ما يدعم إمكانية أن تدخل الضاحية ولو بشكل محدود على خط المظاهرات، هو أنها كانت واحدة من ضحايا 7 أيار، بعد أن أسس حزب الله لدولته الأمنية الخاصة، وأنشأ معتقلاته وقضاءه الخاص، والذي لم يسلم أهالي الضاحية منها، مع وقوع أبسط احتجاج لهم على أبسط تفصيل في الضاحية، مشدداً على أن الضاحية بشكلها اليوم تجسد نظاماً مصغراً مستنسخاً عن الحكم في إيران.