شكلت الساحة السورية حالة استثنائية في تأثيرها، وتأثرها، بالتنظيمات المتطرفة، فعلى أرضها، وقع الانقسام داخل تنظيم القاعدة تجاه الولاء لـ”أيمن الظواهري”، فأصبحت القاعدة بمفهومها التقليدي على الضفة المقابلة لتنظيم “داعش”، وهو انقسام “براغماتي”، بدايته رفض “الظواهري” دخول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى سوريا، أو إلى الساحة “الشامية” وفق المصطلحات الجهادية، هذا الانقسام كان في الرؤية السياسية أكثر منه انقسام عقدي. ومن ثم ساهمت التطورات في إنتاج تنظيمات جديدة منها “تنظيم حراس الدين” الذي رصدت الولايات المتحدة 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن ثلاثة من قادته هم: “فاروق السوري” المعروف بـ”أبو همام الشامي”، قائد التنظيم، والأردني “سامي العريدي”، الذي كان في السابق قياديا في جبهة النصرة ويعرف بـ “أبو محمد الشامي”، وهو أحد كبار المسؤولين الشرعيين في التنظيم، أما الثالث فهو “أبو عبد الكريم المصري”، وهو مصري الجنسية، وعضو في مجلس شورى “حراس الدين”.
نشأة التنظيم
نشأ التنظيم، رسمياً، في 27 شباط 2018، إثر اندماج سبع مجموعات متشددة في إدلب ومحيطها هي جيش الملاحم، جيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرايا كابل، جند الشريعة، وبحسب مصادر متابعة للحركات “الجهادية” انضمت إليها فيما بعد 10 تشكيلات أخرى كانت أغلبها تجمعات محلية صغيرة أو منشقة من فصائل أخرى تربطها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتنظيم القاعدة.
وتزعم التنظيم “سمير حجازي” الملقب بـ”أبو همَّام الشامي”، بينما تولى قيادته العسكرية أبو همَّام الأردني. وشكل الأردنيان “سامي العريدي” و”أبو جليبيب الأردني” أبرز قادته الشرعيين، كما انضم إليه “أبو بصير البريطاني” و”أبو أنس السعودي” و”حسين الكردي” وأسماء أخرى معروفة في المشهد “الجهادي” ومعروفة بولائها لتنظيم القاعدة، بحسب المصادر.
العلاقة مع جبهة النصرة..
العلاقة بين جبهة النصرة، والمعروفة الآن بمسمى “هيئة تحرير الشام” وبين “حراس الدين” لم تكن دائما في أحسن حالاتها، ولم تكن الاعتقالات التي نفذتها النصرة في بدايات شهر تشرين الأول الماضي بحق قياديين من حراس الدين هي الأولى، وهذه الأخيرة بحسب “تقي الدين عمر” مسؤول العلاقات الإعلامية في “هيئة تحرير الشام” نفذتها عناصر أمنية تابعة للهيئة وطالت ثلاثة قياديين هم “أبو عبد الرحمن مكي” سعودي الجنسية، وشرعي بارز في التنظيم كان سابقاً عنصراً في تنظيم “داعش”، و”سهيل أبو بصير” وهو أمني بارز في التنظيم، وقيادي آخر أمني يدعى “خلاد الجوفي”. تحرير الشام لم توضح سبب الاعتقال، مكتفية بالقول بأن المسألة تتعلق بقضايا أمنية، واعتقلت “تحرير الشام” سابقا القيادي البارز في التنظيم “أبو مالك التلي” داخل بلدة “سرمدا” وأفرجت عنه بعد فترة بعد فترة شمال إدلب بسبب قضايا مالية.
تلخص المراجع والمصادر المتابعة لشأن الجماعات المتطرفة أسباب الخلاف بين التنظيمين، هو رفض حراس الدين، لقبول هيئة تحرير الشام باتفاقية سوتشي وتنفيذها، ومنع المعارضة من شن حرب ضد النظام.
وفي كانون الأول من العام 2018 أعلن تنظيم “حراس الدين” رفضه لاتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب شمالي غرب سوريا، المحاذية للحدود التركية.
واعتبر التنظيم اتفاق سوتشي حول إدلب “مؤامرة كبرى”، وشبهه بما حصل في البوسنة، حيث قال قيادي في التنظيم عن “اتفاقية نزع السلاح” في البوسنة: “بعد أن سلّم المسلمون السلاح، قتلهم الصرب تحت أعين الأمم المتحدة”.
ونصّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سبتمبر/أيلول 2018، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح، تتوقف فيها العمليات العسكرية سواء كان من جانب القوات الحكومية أو من جانب الفصائل المعارضة.
وتمتد تلك المنطقة على أطراف مدينة إدلب بعرض 15-20 كيلومتراً على خطوط التماس بين القوات الحكومية والفصائل المعارضة، لكن “حراس الدين” رفضوا الاتفاق حيث قالوا في بيان: “إن ساحة الجهاد في بلاد الشام تمر بمرحلة حاسمة وخطيرة، واجتمعت قوى الشر على المشروع الجهادي”.
وأضاف البيان: “نحن في تنظيم حراس الدين نرفض المؤتمرات حول إدلب، ونحذر من هذه المؤامرة الكبرى، ونذكر بما حصل في البوسنة باتفاقية نزع السلاح، وننصح إخواننا بالعودة إلى الله ومحاسبة النفس”.
أما السبب الآخر الذي يشكل حالة صدامية فهو إحجام هيئة تحرير الشام، ربما بإيعاز تركي، عن مهاجمة الدوريات الروسية، والقيام بتأمين مهامها والحفاظ على سلامة عناصرها، وكذلك تسليم بعض مقاتلي “داعش”، فيما تصف هيئة تحرير الشام تنظيم “حراس الدين” بأنه جماعة تكفيرية، تسببت في حدوث انقسام داخل هيئة تحرير الشام، كما أنها فتحت الباب للمقاتلين المتشددين والمتطرفين، وبالتالي أتاح الفرصة لخلايا “داعش”، في إدلب بالتحرك. هذه التطورات تسببت في اندلاع صراع عسكري، كان الأول من نوعه بين التنظيمين وذلك في شهر حزيران الماضي.
يرى مراقبون أن السبب الحقيقي الذي يدفع “جبهة النصرة” لمواجهة “حراس الدين”، هو خشيتها من تحول الأخير إلى قوة ضاربة على الارض وأن يعيد ترتيب صفوفه وبالتالي يسحب البساط من تحتها كما فعلت النصرة نفسها الأمر نفسه في تعاملها مع فصائل الجيش الحر وكذلك حركة أحرار الشام.
الحرب الأمريكية على حراس الدين
استهدفت الطائرات الأمريكية للمرة الأولى تنظيم حراس في حزيران من العام 2019، وفي أيلول/سبتمبر 2019، أدرجت زعيمه “حجازي” على لائحة قوائم الإرهاب، لكن واشنطن صعدت خلال الشهور القليلة الماضية من استهدافها لحراس الدين ففي تشرين الأول الماضي أعلن الجيش الأمريكي، تصفية اثنين من قيادات التنظيم، من الجنسيتين المغربية والمصرية، بطائرة مسيرة، ليضاف الهجوم إلى هجمات أخرى أقل أهمية تعرض لها عناصر التنظيم، لتعود وتعلن قبل أيام عن 15 مليون دولار كمكأفأة لمن يدلي بمعلومات عن ثلاثة من قادته.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، كانت قد كشفت في أيلول/سبتمبر الماضي، عن “حملة سرية” أمريكية ضد “حراس الدين” في إدلب بالشمال السوري.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي في مكافحة الإرهاب لم تذكر اسمه قوله: إن هناك “حملة سرية لتدمير قيادة الجماعة” من دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.