يعتبر حزب الله المحظور كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي دولة داخل دولة في لبنان، إلا أن الميليشيا الشيعية هي أكثر من ذلك؛ فهي مزود خدمة لعصابات المخدرات الكولومبية وتجار السيارات الأفارقة.
لم يكن لدى موظفة في حزب الله أي فكرة عمن كانت تلك التي تتحدث بصراحة عن إجراءات التهريب في مطار بيروت، إذ وعدت محدثتها أن ترسل “طائرة كاملة مليئة بالبضائع” يمكن أن تهبط في العاصمة اللبنانية “دون أن يلاحظ أحد”. ثم يحصل العميل على الفور على تخليص جمركي. “هؤلاء محترفون.”
لكنها لم تكن تعلم أنها كانت تتحدث إلى محترفين من النوع الآخر: وكيل وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، DEA. كانت المحادثة المسجلة جزءاً من تحقيق واسع النطاق لإدارة مكافحة المخدرات حول كيفية استخدام حزب الله لأرباح تهريب المخدرات من أجل شراء سلع فاخرة يتم تهريبها إلى لبنان بمساعدة عميد في الجمارك ثم بيعها مرة أخرى لغسيل أموال المخدرات من أمريكا الجنوبية، وقد أطلق على ذلك التحقيق اسم: “عملية الأرز”.
هذه القضية هي واحدة فقط من عدة قضايا من تقرير عن شبكة التمويل العالمية لحزب الله. نشرته “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” بواشنطن، FDD ، ,يستخدم مؤلفو التقرير ملفات المحكمة وتقارير التحقيق من وزارة الخزانة الأمريكية لتتبع الشبكة العالمية التي يتستر بها حزب الله ويخفي مئات الملايين عبر القارات.
إن “حزب الله” الشيعي المتشدد، هو أكثر بكثير من مجرد ممثل لنظام الملا الإيراني في لبنان بميليشياته وترسانته الصاروخية من جهة، وفصيله النيابي وعدة مناصب وزارية من جهة أخرى، فقد أنشأ الحزب شبكة مع الجاليات المنفية من الشيعة اللبنانيين في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وأوروبا، حيث يديرون تجارة عالمية بارعة في السلع القانونية وغير القانونية، وبالتالي يجرون المعاملات المالية بطرق تآمرية.
أما الصفقة الثلاثية الأكثر إثارة التي تم اكتشافها في العديد من الإجراءات القانونية، فهي تسير على النحو التالي: يقوم حزب الله بنقل وبيع المخدرات في الخارج لعصابات الكوكايين، وخاصة من كولومبيا. وبحسب المحكمة، يكسب الحزب حوالي 200 مليون دولار أمريكي شهرياً، ثم تُرسل الأموال إلى غرب إفريقيا لاستخدامها في تجار السيارات. وهم بدورهم في حزب الله يقومون بشراء سيارات بشكل قانوني للسوق الأفريقي من مئات التجار في الولايات المتحدة وأوروبا، فتذهب بعض عائدات البيع إلى بيروت، حيث يتم شراء سلع استهلاكية، خاصة من آسيا، نيابة عن شركات وهمية في أمريكا الجنوبية ثم تباع في كولومبيا وفنزويلا، وبالتالي تعود الأرباح الناتجة عن ذلك إلى العصابات بعد أخذ العمولة منها.
ومن أجل إخفاء تدفق الأموال، غالباً ما تتدخل الشركات اللبنانية تحت مسمى شركات الصرافة، مما يخفي الحجم الحقيقي للأموال المتدفقة، إذ تقوم فروع الصرافة تلك بتحويل الأموال إلى بعضها البعض دون ترك أثر كما التحويلات المعتادة، وذلك بواسطة “الحوالة” الغير بنكية وهو نظام تحويل تقليدي يتلقى فيه الفرع أ الأموال ويطلب الفرع “ب” دفعها لشخص ما.
من أجل تنظيف هذه التدفقات المنفصلة للأموال، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات متكررة على شركات الصرافة مثل “شركة شمس للصرافة” في ربيع عام 2019، والتي اتهمها أصحابها بإخفاء دخل المخدرات القادم من أستراليا وأوروبا وجنوب أمريكا. وكان مؤلفو قسم الدفاع عن الديمقراطية قد أطلقوا اسماً ثان على التقرير: “مغسلة حزب الله”. لذلك، تعمل المنظمة كمزود خدمة دولي من أجل إيقاف جميع أنواع المعاملات الإجرامية التي يقوم بها المصدر غير القانوني للدخل، من تهريب المخدرات إلى الاتجار في المنتجات المزيفة ذات العلامات التجارية، وذلك دائماً مقابل رسوم.
يعتبر إيقاف هذه المعاملات أصعب من الكشف عنها.
وتتمتع السلطات الأمريكية بنفوذ أكثر تأثيراً عندما يتعلق الأمر بتدخل البنوك اللبنانية العادية في أعمال حزب الله، إذ رفعت وزارة الخزانة الأمريكية دعوى مدنية، اتهمت من خلالها العديد من البنوك اللبنانية الكبرى بالتعامل مع شركات حزب الله، بما في ذلك بنك بيبلوس وبلوم بنك وفرانسبنك وبنك عودة.
ومن بين العشرات من الشركات العميلة التي يقول حزب الله إنه يسيطر عليها نجد شركات البناء وكذلك مستوردو الأدوية وشركات النفط وحتى صندوق التقاعد. وإذا اتخذت المحكمة الأمريكية قراراً يحمل البنوك المسؤولية عن عملائها ، فقد يؤدي ذلك إلى فصل لبنان عن السوق المالية العالمية وضرب لبنان الذي يعتبر أصلاً على حافة الهاوية ويذهب في طريق الموت.
والغريب أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله نفسه، هو الذي أكد المزاعم الأمريكية في مايو / أيار خلال محاولة منه لمواجهة الشائعات التي تفيد بأن حزب الله ينقل العملة الأجنبية من البلاد إلى إيران وسوريا، حيث صرح علناً: “اسأل الصيارفة والبنوك ومديرية البنك المركزي وهم يعلمون أننا نجلب الدولارات الى البلاد ولسنا نصدّرها”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©