مع تصاعد آثار العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، خلال الأعوام الأربعة الماضية، زاد ارتباط تمويل حزب الله اللبناني، المدعوم من الحرس الثوري، بتجارة المخدرات، بحسب ما يؤكده مصدر لبناني مطلع.
كما يشير المصدر إلى أن سيطرة الحزب على مناطق ممتدة ومتصلة، من مدينة درعا جنوب سوريا وصولاً إلى حقول الحشيش، التي يديرها في منطقة سهل لبقاع اللبناني، ساهمت في إنعاش نشاطه في ترويج المخدرات والكسب منها.
يشار إلى أن اللواء الثامن، في قوات النظام السوري، المدعوم من روسيا قد أعلن، الاثنين إتلافه كمية كبيرة من المخدرات، في مدينة بصرى الشام، بريف درعا مصدرها ميليشيات الحزب.
تجارة ليست جديدة
في حديثه عن دور المخدرات في تمويل الحزب، يؤكد المصدر أن اعتماد الحزب على تلك السموم، ليس جديداً ولا وليد اللحظة، وإنما اشتد بشكل أكبر وتحولت المخدرات والحشيش إلى عصب رئيسي في تمويله بعد تخفيض إيران للدعم المالي المقدم له ولعملياته العسكرية، مشيراً إلى أن إيران خفضت دعمها المالي للميليشيا بنسبة 40 في المئة، تزامناً مع أزمتها الاقتصادية، الناجمة عن العقوبات الأمريكية.
يذكر أن المبعوث الأمريكي السابق إلى إيران، “براين هوك” قد أكد مطلع العام الجاري، أن العقوبات الأمريكية خلال الفترة من صيف 2018 وحتى مطلع 2020، تسببت بخسائر للاقتصاد الإيراني، وصلت إلى 50 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، توضح معلومات صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، أن الدعم السنوي الإيراني لحزب الله تراوح عام 2010 ما بين 100 إلى 200 مليون دولار، فيما تكشف وثائق الاستخبارات الإسرائيلية أن النظام الإيراني قدم للحزب بين الفترة من 2006 وحتى 2009، ما يزيد عن مليار دولار أمريكي، لإعادة تأهيل نفسه بعد حرب تموز.
في السياق ذاته، يشدد المصدر على أن الحزب عمل خلال السنوات الأربع الماضية على تحديد عدة أسواق لترويج المخدرات وتوسيع نشاطه، لتوفير المزيد من الأموال، خاصةً وأن انخراطه في الحرب السورية أنهك خزينته، بسبب طول فترة الحرب وخوض الحزب لعدة معارك تصنف على أنها الأعنف على الساحة السورية.
تجارة تتجاوز الحدود والقارات
ارتفاع نفقات الحزب وتراجع التمويل، بحسب ما يقوله المصدر، تدفع الحزب إلى محاولة توسيع الأسواق التي يروج فيها منتجه من المخدرات، لافتاً إلى أن سيطرته على المطارات ومرفأ بيروت وانتشاره بالقرب من الحدود السورية – الأردنية، القريبة جداً من منافذه الحدودية غير الشرعية بين لبنان وسوريا، منحه فرصة كبيرة لنقل تلك المخدرات إلى دول كثيرة.
ويبين المصدر أن نشاط الحزب تجاوز حدود القارات، حيث وصل إلى قارة أمريكا اللاتينية، التي تنشط فيها أكبر عصابات تهريب المخدرات في العالم، بالإضافة إلى امتلاك الحزب وإيران علاقات جيدة مع بعض أنظمتها السياسية الحاكمة، ما مكن الحزب من تحويلها إلى سوق كبيرة يجني منها ملايين الدولارات، لافتاً إلى أن ذلك كان من أهم أسباب تمسك الحزب بالسيطرة على المنافذ الحدودية والبحرية.
يذكر أن الولايات المتحدة قد أعلنت عام 2011 عن اعتقالها، لتاجر المخدرات اللبناني، “أيمن جمعة”، والذي أقر بعلاقته مع حزب الله، وأنه مع مجموعة من المهربين، قاموا بإدخال 85 طن من المخدرات إلى الولايات المتحدة.
كما يلفت المصدر إلى أن نشاط الحزب في تجارة المخدرات، عرف ايضاً طريقه إلى القارة الأوروبية، عبر مجموعات كبيرة من مواليه المنتشرين في دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ألمانيا، التي تشهد وجود عدد من العشائر اللبنانية الموالية للحزب والمنخرطة بالنشاط الإجرامي، وتحديداً في ولايتي برلين وشمال الراين-فيستفاليا.
يشار إلى أن السلطات الألمانية قد شنت العام 2019، حملة واسعة على عددٍ من المقاهي والبارات العائدة لعائلات لبنانية في مدينة ديسبورغ الألمانية، ضمن نشاطها لمكافحة المخدرات، حيث شملت الحملة حينها مشاركة نحو 1200 عنصر من عناصر الأمن، في حين كشفت تقارير أوروبية أن الحزب تقل كميات كبيرة من المخدرات إلى القارة الأوروبية عبر موانئ فرنسية.
الأردن.. بوابة الخليج العربي وتقاسم للأسواق
في منطقة الشرق الأوسط، يشير المصدر إلى أن الحزب يتجه في تجارة المخدرت جنوباً، موضحاً: “مقاتلو الحزب يسيطرون على طريق واصلة بين مزارع الحشيش في البقاع والحدود السورية – الأردنية، ينقلون من خلالها المخدرات إلى الأردن، مستغلين حالة فوضى الحدود من الجانب السوري”.
كما يؤكد المصدر أن الأردن تمثل بسبب موقعها الجغرافي بوابة الحزب لترويج المخدرات في الخليج العربي، معتمداً في ذلك، على مهربي مخدرات أردنيين يتسلمون الشحنات على الحدود، يوزعون كمية منها في البلاد، وينقلون الباقي باتجاه الحدود السعودية، حيث تتولى مجموعات موالية للحزب داخل الخليج العربي، استلامها وتروجها في دولهم.
وكان حرس الحدود الأردني قد أعلن خلال السنوات الماضية، إحباطه لعمليات تهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى داخل البلاد، عبر الحدود السوري.
النشاط المتزايد للحزب في مجال تجارة المخدرت، لا يعني بحسب المصدر، أن سوق الشرق الأوسط بكامله للحزب، وإنما تم تقاسمه مع النظام الإيراني، الذي بدوره يقوم بجزء من تلك التجارة، لافتاً إلى أن العراق والمناطق الشرقية من سوريا والمناطق الشرقية من من دول الخليج هي من حصة الحرس الثوري الإيراني.
غسيل أموال ومنظومة مصرفية خارج العقوبات
خلافاً لعقود سابقة، يشير المصدر إلى أن الحزب انخرط خلال السنوات الماضية، بحرب اقتصادية حاول خلالها تجنب العقوبات الأمريكية قدر الإمكان، مؤكداً على أن الحزب أنشأ شبكة ومنظومة مصرفية خاصة به مكنته من تلافي الكثير من تلك العقوبات، عبر شخصيات مقربة منه وصفقات وهمية وأنشطة سرية.
يشار إلى ان إدراة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب” قد فرضت عام 2015، سلسلة من العقوبات على الحزب والمتعاونين معه، بهدف الحد من أنشطته المالية والمصرفية واقتصاد الظل، الذي يديره عبر مجموعة من الوسطاء والشركات، المنتشرة داخل وخارج لبنان.
في السياق ذاته، يؤكد المصدر على أن الحزب نشط أيضاً في مجالي غسيل الأموال على النطاق الدولي، بالإضافة إلى المضاربات في سعر صرف الدولار الأمريكي على الساحة اللبنانية، خاصة وأنه يسيطر بشكلٍ شبه تام على السوق السوداء، التي بات مركزها في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله الرئيسي.
ويلفت المصدر إلى أن ذلك النشاط المالي للحزب، خاصة ما يتعلق بمضاربات الدولار، كان سبباً أساسياً في الأزمة اللبنانية الحاصلة حالياً، وغير المسبوقة في تاريخ البلاد، مشدداً على أن إصرار الحزب على تولي وزارة المالية في الحكومة الجديدة، كان نابعاً من أهميتها بالنسبة لمنظومته المالية.