على الرغم من سيطرة التجاذبات السياسية اللبنانية، على الاحتجاجات، وبروز سطوة ميليشيات حزب الله اللبناني، المدعوم إيرانياً، على كامل مفاصل القرار في البلاد، إلا أن رئيس الحكومة اللبنانية، “حسان دياب” لا يزال متمسكاً بفكرة أن الأزمة اللبنانية الحاصلة مرتبطة فقط بالجوانب الاقتصادية.
جديد “دياب” كان في تصريحاته الأخيرة، التي جدد فيها التأكيد على أن البلاد، في مأزق حقيقي وخطير، داعياً في الوقت ذاته إلى اعادة النظر في الجوانب الاقتصادية، أهمية دور رجال الأعمال اللبنانيين في الداخل والخارج، بدعم لبنان حتى يخرج من أزمته.
كما أرجع “دياب” أسباب الضائقة الاقتصادية إلى السياسات التي كانت متبعة في الحكومات السابقة، خلال السنوات الماضية، مضيفاً: “أصبحنا اليوم أمام حائط مسدود، ويبقى الحل بهدم الجدار الذى يخنق لبنان، ويعطل دورته الاقتصادية، ويتسبب بأزمات اجتماعية ومعيشية وبطالة ونقص حاد بالسيولة، إمكانيات الدولة قليلة للغاية، ولذلك فإننا نبذل جهودنا ونحاول بكل ما توفر لدينا من إمكانيات واتصالات نقوم بها لإحداث فرق”.
مشكلة رئيس الحكومة اللبنانية، ووفقاً لمحللين سياسيين، تكمن في رؤيته إلى الأزمة اللبنانية بعين واحدة ومن زاوية واحدة، دون النظر إلى الجانب السياسي وآلية إدارة البلاد على المستوى السياسي والخارجي، كعامل أساسي في الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحاصلة، مضيفين: “دياب يريد حل المشكلة دون معرفة أسبابها، والتي يكمن أولها في الطيقة السياسية التي جاءت به إلى السلطة، وأوقعت لبنان في عزلة عن المحيط العربي والمجتمع الدولي”.
ولفت المحللون إلى أن الواقع يشير إلى أن وصول “دياب” إلى السلطة، وقبوله أن يكون مرشح حزب الله وإيران والنظام السوري، بحد ذاته مفاقة للمشكلة، لا سيما وأن دول الخليج قطعت مساعداتها عن لبنان، والتي كانت دائما السند الأول في تجنب الوقوع في كارثة اقتصادية، كما أعلنت الولايات المتحدة والغرب أنهما لن يدعمان حكومة لبنانية شكلت في طهران.
من جهته، أشار الصحافي اللبناني، “شارل جبور”، إلى أن الحكومة الحالية محاصرة بلاءات أربع، تزيد من صعوبة مهمتها، الأولى شعبية، فالناس يرفضون منح الحكومة الثقة لان تأليف الحكومة خالفَ مطالبهم السياسية، أما الثانية فسياسية، فهذه الحكومة لا تحظى بغطاء قوى سياسية سنية بذات الحجم الذي يتمتع به مثل تيار المستقبل ورئيسه “سعد الحريري”، والقوات اللبنانية مسيحياً، والحزب التقدمي الإشتراكي درزياً.
وأضاف “جبور” في مقال له، نشرته صحيفة الجمهورية: “ثالث اللاءات عربية، إذ لم ترحب بالحكومة ولو بطريقة ديبلوماسية ولا حكومة عربية واحدة، في حين أن الرابعة دولية، إذ يرفض المجتمع الدولي مساعدة حكومة لا تنفذ برنامجاً إصلاحياً تعهدت به في ظل العقبات المتواصلة التي تتعرض لها”.
أمام هذه التحليلات والآراء، بقيت المشكلة الأكبر بالنسبة “لدياب”، هو عدم قناعته بأنه مرفوض من الشارع اللبناني، بغض النظر عن الإجراءات والخطوات الاقتصادية التي قد يتخذها، وذلك على اعتبار أن الرفض منبعه سياسي أكثر من كونه اقتصادي، يرتبط برفض الطبقة السياسية وحكومات الظل التي يمثلها، وعلى رأسها ميليشيات حزب الله، وهو ما أثبته وسم “حكومة الفشل”، الذي تداوله اللبنانيون منذ الساعة الأولى للإعلان عن الحكومة، والذي لا يزال متداولاً حتى اليوم.
الناشط اللبناني، “عامر عندور” أشار في تغريدة له على تويتر، بشكل صريح وواضح، إلى دور السياسة والنواحي السياسية في رفض حكومة “دياب”، حيث كتب: “في هذا العهد القوي ترسخت الطائفية والعنصرية والكراهية كنا قد نسيناها منذ زمن طويل”.
تغريدة الناشطة “حليمة”، على الموقع ذاته، بدورها كانت أكثر وضحاً، فقد كتبت: “حكومة لون واحد صبي مخابرات سورية فكروا يمشي البلد، بلد معزول دولياً صرنا، فاتورة التليفون زادوها ٨,٠٠٠ل.ل، البنزين، المازوت، الدخان، لك حتى نيدو بلا صغرة، شي بقرف صار بدها اكتر من ثورة”، وذلك في إشارةٍ إلى تمثيل الحكومة اللبنانية للون واحد من الشرائح اللبنانية.
أما الناشط “محمود عبيد” فقد كتب: “طرابلس عروسة الثورة تنتفض لن تستسلم ولن تخضع لعهد ميشال عون ونظامه الفاشي”، كما غردت الناشطة “فاطمة فلاحي”: “حكومتا العراق ولبنان،توأم سيامي ولد في طهران، وزيران محسوبان على القوى المتحالفة مع طهران، قدما للحكم تحت اسم حكومة تكنوقراط، في العراق “محمد توفيق علاوي” وفي لبنان “حسان دياب”، وكلاهما من الطبقة السياسية التابعة لإيران؛ كلفا تشكيل الحكومتين لمواجهة مطالب المتظاهرين والدفاع عن مصالح إيران وتمددها”.
على المستوى العربي، لم يكن الموقف بأفضل من نظيره اللبناني حيال “دياب” وحكومته، حيث شكك الإعلامي المصري، “عماد أديب” بنجاح الحكومة اللبنانية بتجاوز المرحلة، على اعتبار أن عواصم الخليج، باستثناء الدوحة، ترى أن الحكومة في لبنان، جزء من تحالف أنصار إيران وسوريا فى لبنان، وبالتالى فهي حكومة الخندق المعادى لها.
وأشار “أديب” في مقال له، إلى أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه “دياب”، تمثل بعدم الإعلان صراحة بميله إلى المحيط العربي ودول الخليج التي تعتبر الداعم الأول للبنان، كونها الأكثر استثماراً فى لبنان سواء دول أو أفراد، إلى جانب ارتفاع معدل العمالة اللبنانية فيها، ما يجعلها مصدر رئيسي لتحويلات المقيمين اللبنانيين فى الخارج للمصارف الوطنية، مضيفاً: “الخليج هو المصدر الرئيسى للسياحة اللبنانية التى ينتفع منها 4 أشخاص من كل عشرة بشكل مباشر أو غير مباشر، على أساس أن الاقتصاد اللبناني هو – بالدرجة الأولى – اقتصاد خدمات”.
في ظل تلك المواقف، والتوقعات حول مصير الحكومة اللبنانية، والمستقر الذي سينتهي إليه لبنان في المستقبل، يبقى الشيء الوحيد الثابت في المعادلة اللبنانية هو استمرار الأزمة، التي تسببت في اهتزاز القطاع المصرفي وتراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنحو 50 في المئة، وانخفاض معدلات حركة السياحة بنحو 90 في المئة، إلى جانب تراجع حركة الاستيراد والتصدير بصورة كبيرة، وحدوث شلل فى حركة قطاعات التجارة والصناعة والأسواق وإغلاق العديد من المؤسسات، وصرف آلاف العمال فى حين لجأت العديد من المؤسسات والشركات إلى تخفيض العمالة لديها وكذلك خفض الرواتب بنسب متفاوتة بلغت نحو 50 في المئة حتى يتسنى لها الاستمرار فى العمل.