تفشي وباء كورونا بشكل كبير ومشاكل إقتصادية مستعصية أساسها انهيار الليرة وتصاعد أصوات المعارضة في الداخل، سلسلة من المشكلات، التي يؤكد محللون سياسيون واقتصاديون لمرصد مينا، أنها باتت تتصدر المشهد التركي بشكل واضح منذ مطلع العام الحالي بشكلٍ خاص، وسط توقعات بأن تكون الأزمة الداخلية قد وصلت إلى مرحلة تفوق قدرة حكومة العدالة والتنمية على حلها بالإصلاحات التقليدية.
وتعليقاً على أحدث الأزمات، كان أطباء أتراك قد وصفوا العاصمة أنقرة، بأنها باتت ووهان التركية، في إشارة إلى حجم انتشار وباء كورونا، في حين أكد رئيس قسم أمراض الأطفال المعدية، بكلية الطب في جامعة حاجي تبه التركية، “محمد جيهان”، أن بلاده فقدت السيطرة على انتشار الوباء التاجي.
بين أزمات السياسة والاقتصاد.. سيناريو إيراني تام الأركان
تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية وارتفاع معدلات الاعتقال بحق الناشطين الأتراك، يدفع الخبير في الشؤون التركية، “عمر أقطاي”، إلى اعتبار أن تركيا تشهد نموذجاً شبيها بالثورة الإسلامية الإيرانية وإعادة انتاج نظام الولي الفقيه بنسخته السنية، ولكن على مراحل، مشيراً إلى كم التشابه الحالي بين الأوضاع في إيران وتركيا من كافة الجوانب أهمها السياسية والاقتصادية.
ويعاني الاقتصاد التركي من سلسلة أزمات متواصلة منذ سنوات بينها فقدان الليرة التركية نحو 155 في المئة من قيمتها خلال أقل من أربع سنوات، على حد تأكيد رئيس الوزراء الأسبق، “أحمد داوود أوغلو”، في حين بلغ عدد العاطلين عن عمل حتى منتصف العام الحالي، نحو 4 ملايين شخص، بنسبة بلغت 13.2 في المئة، وارتفع عدد الفقراء إلى 20 مليون شخص، بحسب تقديرات غير رسمية.
في السياق ذاته، تؤكد الخبيرة الاقتصادية، “لمياء علي” لمرصد مينا، أن الخط البياني للاقتصاد التركي يوحي بأن البلاد تسير فعلاً باتجاه أزمة شبيهة بالأزمة المالية والاقتصادية الإيرانية، مع مراعاة فارق المدة الزمنية بينهما، موضحةً: “ما يعانيه الاقتصاد الإيراني هو حصيلة سياسات ممتدة لأكثر من 40 عاماً، أما في تركيا فهو حصيلة 10 سنوات تقريباً، وفي حال استمرار الوضع كما هو فإن تركيا مهددة فعلاً بالانهيار الاقتصادي خلال السنوات الخمس القادمة”.
وكانت الإحصائيات الرسمية، قد أشارت إلى ارتفاع معدلات الفقر في تركيا إلى نحو 10 آلاف ليرة تركية، تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية لليرة.
على الصعيد السياسي، لا تبدو الأمور في تركيا بأفضل حال من نظيرتها في إيران، كما يقول الباحث “أقطاي” لمرصد مينا، مشيراً إلى أن ما شهدته تركيا منذ عام 2014، وتحديداً مع الانتقال إلى النظام الرئاسي، يمثل عملياً انقلاباً من الرئيس “رجب طيب أردوغان” على زملائه في الحزب، وربط حكم العدالة والتنمية بشخص الرئيس، وهو ما أوقع البلاد في صراع حلفاء، مع انشقاق رئيس الحكومة الأسبق، “داوود أوغلو” ووزير ماليته، “علي باباجان”.
وشهدت تركيا خلال الأشهر الماضية، إعلان كل من “أوغلو” و”باباجان” تشكيل أحزابهما الخاصة وانضمامهما لمعسكر المعارضة التركية، ونيتهما خوض الانتخابات القادمة، في مواجهة حزبهما السابق.
كما يرى “أقطاي” أنه ليس من المبالغة، القول بأن الوضع السياسي في تركيا قد يكون أسوء من إيران بنسبة معينة، لافتاً إلى أن النظام الإيراني على الأقل خلال الأعوام الـ 40 الماضية، لم يشهد أي صراعات على رأس هرم السلطة، الذي يمثله منصب المرشد الأعلى للثورة، وأن حالة التسابق على السلطة في إيران لم تشهد أي انقسامات كبيرة أو انشقاقات تذكر بين أركان النظام كما هو حال تركيا اليوم، على حد قوله.
عدائية..عقوبات.. وأجهزة أمنية موازية
التشابه الفعلي والأكثر قرباً بين النظامين في تركيا وإيران، يراه “أقطاي” في عدة نواحي، أولها السياسة الخارجية العدائية تجاه دول الجوار والغرب، والتي أقعت تركيا في دوامة العقوبات الاقتصادية على حد قوله، معتبراً أن كلا النظامين لجأ إلى الأزمات الخارجية للتغطية على الأزمات الداخلية.
وتعيش تركيا منذ أشهر سلسلة من الأزمات السياسية، كان آخرها أزمة حقول الغاز مع اليونان، وسبقتها أزمة تورطها في القتال الدائر في ليبيا، والعمليات العسكرية في كل من سوريا والعراق، وأزمة اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي وأزمة صواريخ إس400 الروسية، التي فجرت توتراً بين أنقرة وواشنطن، إلى جانب اتخاذها سياسة عدوانية تجاه دول الخليج ومصر، من خلال دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.
أما الناحية الأخرى في تشابه السياسات، يربطها “أقطاي” بسياسة قمع الحريات والاعتقالات بحق المعارضين السياسين، وفرض سياسة الأمر الواقع تارة باسم القومية التركية وتارة أخرى باسم الدين الإسلامي، لافتاً إلى أن كلا الحكومتين اعتمدتا على إنشاء مؤسساتهما الأمنية والنقابية والسياسية الموازية لأجهزة الدولة.
وكانت الحكومة التركية قد أقرت خلال الأسابيع الماضية قانون الحراس الليليين ومنحهم صلاحيات واسعة جداً، ما دفع المعارضة إلى اتهام الحكومة بمحاولة استنساخ فكرة الحرس الثوري والباسيج الإيرانيين في تركيا.
كما تعرضت الحكومة التركية خلال الأيام القليلة الماضية، إلى موجة انتقادات من قبل المجتمع الدولي جراء وفاة المحامية “إِبرو تيمتك”، في سجنها، بعد إضرابها عن الطعام لمدة 238 يوماً، في حين وصفت منظمات حقوقية؛ تركيا كواحدة من أخطر الأماكن على الصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، لا سيما بعد حملة اعتقالات طالت عشرات الآلاف منهم، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا عام 2016.
كورونا .. ألم على ألم
تفشي وباء كورونا بالشكل، الذي تحدثت عنه المصادر الطبية التركية، يزيد من ألم الشعب التركي ويضيف، بحسب الباحث السياسي، “بولات بكرلي”، مأساة جديدة تكشف فعلياً وجود تشابه الحكومة التركية مع كل من النظام في إيران وسوريا، في نظرتهم لشعوبهم وصحتها ومصالحها، مشيراً إلى أن كل الحكومات الثلاثة، أنكرت الواقع على حساب شعوبها، وفضلت الاستمرار بعجلة الاقتصاد على حياة الناس، على حد قوله.
وسبق للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أن أعلن قبل أسابيع أن عجلة الاقتصاد لا يمكن توقيفها، من خلال فرض إغلاق عام في البلاد للحد من انتشار الوباء، لافتاً إلى أن تركيا بحاجة للمزيد من الانتاج والعمل.
تعليقاً على تصريحات “أردوغان” السابقة، تشير المحلل الاقتصادية، “لمياء علي”، إلى أنها تصريحات تجسد الواقع فعلياً، موضحةً: “الاقتصاد التركي لا يحتمل وقف الانتاج أو تعليق العمل، لأن اتخاذ مثل تلك الخطوة لمدة أسبوع كفيلة لانهيار ما تبقى من اقتصاد البلاد، الذي أرهقته عمليات الفساد والمحسوبيات والانتقائية في المشاريع لخدمة وانقاذ مؤسسات بعينها دون غيرها، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية، والتلويح بعقوبات أوروبية على تركيا، كل ذلك أفقد الاقتصاد التركي مناعته ضد أي طارئ وخفف من قدرته على استيعاب أي إجراءات استثنائية”.
وكانت المعارضة التركية قد طالبت الرئيس “أردوغان” بإقالة صهره “بيرات ألبيرق” من منصب وزير المالية، متهمةً إياه بالفساد والمسؤولية عن انهيار الليرة، فيما أشار المعارض السياسي التركي، “عمر فتحي غور”، أن ممارسات النظام الرئاسي وسعت من الشريحة الأكثر فقراً في البلاد
إلى جانب ذلك، “علي” في حديثها مع مرصد مينا، إلى وجود تقاطعات كبيرة بين تصريحات الرئيس “أردوغان” ونظيره الإيراني، “حسن روحاني”، الذي أقر بدوره أيضاً بعدم قدرة حكومته على اتخاذ أي إجراءات اقتصادية كالإغلاق العام، لمواجهة انتشار فيروس كورونا، لافتةً إلى أن ذلك التقاطع كافي نتيجة نحو 6 سنوات من النظام الرئاسي الفردي.
وكان الرئيس الإيراني قد دعا قبل أسابيع الشعب إلى التأقلم مع الوباء، مؤكداً أن أي إجراءات استثنائية ستحمل نتائج كارثية على الاقتصاد الرسمي والشعبي، وأن وقف العمل لمدة يومين كفيل بإشعال المظاهرات في البلاد بسبب الأحوال الاقتصادية الصعبة.