كانت القضية الفلسطينية وتبعاتها وما يتداخل معها من حيثيات ما بات يعرف بـ “صفقة القرن” نقطة جوهرية وخلافية في سباق تشكيل حكومة إسرائيل الأخيرة، سواء في تحريك كلا المرشحين أو في المفاوضات المعقدة بينهما لتشكيل إئتلاف حاكم، وحيث أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ لم يكن لتتشكل لولا ما فرضته أزمة وباء كورونا، إلا أن التناوب بين بنيامين نتنياهو وبيني جانتس يعطي الضوء الأخضر لضم ما لا يقل عن 30 % من مساحة الضفة الغربية كجزء من صفقة القرن.. لعل الفلسطينيين أدركوا تلك النقطة ما يفسر لنا كثرة التصريحات والتنديدات بل والتهديدات ذات الصلة.
صفقة وشروط
يمكننا القول أن النقطة الأساسية للحكومة الجديدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب أزرق أبيض الوسطي بيني غانتس.. ينص على البدء بعملية الضم في الأول من يوليو / تموز المقبل.
ينص اتفاق الخصمين على أنه “بدءً من 1 يوليو/تموز 2020، سيتمكن نتنياهو من عرض الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة بشأن تطبيق السيادة لموافقة مجلس الوزراء أو المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية”.
ووفق الاتفاق بينهما أيضًا فإنه “إذا اختار رئيس الوزراء عرض الاقتراح على الكنيست، فسيكون قادرًا على فعل الشيء نفسه من خلال عضو كنيست آخر، شريطة أن يكون المشرع من حزب الليكود الذي سيُطلب منه التأكد من تطابق التشريع مع الصيغة التي يعتمدها مجلس الوزراء”.
و”سيتم تمرير القانون في أسرع وقت ممكن ولن يتم تعطيله أو تأخيره من قبل رئيس الكنيست أو لجان الشؤون الخارجية والدفاع”.. هنا يظهر بعد السياسة الداخلية وشروط نتنياهو لتمرير الصفقة باسمه وإسم حزبه، لتحقيق اختراق عند الناخب الإسرائيلي لأهداف مستقبلية.
بين الاعتراض والقبول
اعترض غانتس في بداية الأمر، على التطبيق الحرفي لخطة “صفقة القرن” الأمريكية، والتي دعمها بشدة نتنياهو، الذي كان قد شارك في صياغتها.
فجاءت أزمة كورونا لتدفع غانتس للتراجع والمشاركة في حكومة يترأسها نتنياهو، رغم لائحة اتهام بالفساد، كما ووافق على الضم دون شروط.
رؤية فلسطينية
استشعرت القيادات الفلسطينية خطر حكومة الوحدة على الأرض الفلسطينية المهددة أصلا من خلال صفقة القرن بين ترامب ونتنياهو.. فقد صرحت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي أن” المؤسسة السياسية الإسرائيلية توحدت على جدول أعمال قائم على الاستيطان الاستعماري والضم الدائم لأراضي دولة فلسطين”.
وأضافت عشراوي: “من الواضح الآن أن الأحزاب السياسية الإسرائيلية ملتزمة بشكل لا لبس فيه بترسيخ النزاع واستدامته، عبر مواصلة اضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه المشروعة والمكفولة دوليا وتنفيذ خطتها الخطيرة بشراكة ودعم من الإدارة الأمريكية”.
حيث اعتبرت عشراوي، أن هذا الاتفاق كشف عن الوجه الحقيقي للأحزاب السياسية الإسرائيلية وتوجهاتها وأجنداتها القائمة على الضم والاستيطان غير الشرعي باعتبارهما قيمة أساسية لبرنامجها السياسي.
كما أنه “أكد اندثار ما يسمى اليسار في إسرائيل، ودحض فكرة تفاؤل العديد من الأطراف في المجتمع الدولي بحزب أزرق أبيض”.. وهنا يجب استذكار تهديدات أطلقها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وتحذيرات مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل، من القيام بأي عملية ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، تنفيذًا لما يعرف بـ “صفقة القرن”، حيث هدد باتخاذ إجراءات فورية – لم يوضحها – ضد هكذا قرار.
الرئيس الفلسطيني، وخلال ترؤسه الحكومة الفلسطينية، مساء الإثنين الماضي، عبر تقنية اتصال الفيديو، أكد أنه: “رغم انشغالنا في التصدي لفيروس كورونا، فإن ذلك لم يشغلنا عن همنا الأساسي، ألا وهو إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولم نغفل عما تقوم به حكومة إسرائيل من اعتداءات ومخططات وتحديدا ما يتعلق بالضم أو صفقة العصر”.
إلى ذلك، صرّح نتنياهو مسبقًا بأن الضم سيشمل غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية دون استثناء مع مساحات من الأراضي في محيطها.
حيث كانت لجنة أمريكية – إسرائيلية مشتركة برئاسة السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، قد وضعت الخرائط التي سيتم الضم على أساسها.
وفور تنفيذ قرارات الضم فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعترف بهذه الأراضي كجزء من إسرائيل.
يذكر هنا أن اتفاق الحكومة الإسرائيلية الجديدة نصّ أنه “فيما يتعلق بإعلان الرئيس ترامب، سيتصرف رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء باتفاق كامل مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الخرائط والحوار الدولي حول هذا الموضوع”.
أما المستوطنون فقد أبدوا فرحًا غير مسبوق نحو الحكومة الإئتلافية الجديدة حيث ينطلق فرحهم – فيما يبدو – من توافق الخصمين على قرار الضم..
ديفيد الحياني، رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية قال إن “الحكومة الجديدة التي يتم تشكيلها لديها أغلبية غير مسبوقة لتطبيق السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغور الأردن”.
حيث توقع الحياني أن يوافق الكنيست على مثل هذا القانون في المستقبل القريب، مضيفًا: “سويًا مع حكومة قوية وموحدة، سنواصل سياسة الحكومات السابقة في تطوير وتعزيز الاستيطان في المنطقة”.