جاءت المطالب الأمريكية في الضغط على إيران من خلال العقوبات المتواصلة، بالتخلي عن سياساتها الأمنيّة، وعن نفوذها الإقليمي الذي يهدد ليس فقط المصالح الأمريكية فقط؛ وإنما أمن المنطقة برمتها، بإجبار طهران على تغيير سياساتها، في مواجهة شروط واشنطن التي ستكون قاتلةً إن تمت ليس فقط على النظام الإيراني الحالي، بل على أي عملٍ إيراني داخلي مستقبلي، هذا التحوّل كشف عنه المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي، عبر تولي حكومة جديدة وصفها بـ«حكومة حزب الله فتية» تعالج مشاكل إيران، بالإضافة للرسائل التي وجهها للحرس الثوري للسيطرة الكاملة على الساحة السياسية في ظل خشيته من تطور الاحتجاجات في الشارع الإيراني.
يقول رئيس المجلس الأمريكي الإيراني، «تريتا بارسي» خلال تفسيراته وشرحه لما يجري، إنه «عندما نربط بين مطالب لن يطبقها النظام الإيراني، مع ضغط هائل ومستمر، فإنّنا نسعى لخلق تطورٍ نحو المواجهة المباشرة»، لذلك يبدو أنّ الولايات المتحدة تسعى لزعزعة النظام الإيراني من الداخل، تحضيراً لمّا ستفعله لاحقاً، وهي حالياً تكتفي بحربٍ اقتصاديّةٍ لتحقيق هذا الهدف.
تعويض الخسائر بالخطابات
في تحليل مضامين ورسائل الكلمة المتلفزة التي ألقاها خامنئي خلال لقاء مع عدد من الطلاب الجامعيين في إيران، الأحد الماضي، يرى المحللون السياسيون إن المرشد كشف أساس الخطة حين أعلن أن «حكومة حزب الله الفتية، هي العلاج لمشاكل البلاد، كما لا يجب أن ندع الاحتجاجات في الشارع أن تتصاعد؛ وذلك لأن العدو يعمل على تصوير الاحتجاجات في إيران على أنها تحريض ضد النظام».
وفق ما نشر من آراء حول الكلمة في موقع «صوت لبنان» قال المحلل الإيراني، «رضا حقيقت نجاد»، إن «تأكيد خامنئي على مسألة تولي (حكومة فتية) تعمل على علاج مشاكل إيران لا يأتي في إطار التوصية، وإنما هو إعلان مباشر عن برنامج سياسي يهدف لتشكيل حكومة مسبقة حتى قبل شروع منافسات الانتخابات الرئاسية المقبلة». مضيفاً في تقرير له نُشر على موقع إذاعة «فردا»، أن «استخدام خامنئي لمصطلح (حزب الله) له مدلول خاص، لا سيما لما يتمتع به هذا المصطلح في الأدبيات السياسية للمرشد الإيراني خلال الثلاثين عاماً من حُكمه، فخامنئي يريد من هذا المصطلح استدعاء وجذب جميع القوى المؤيدة له في المجتمع الإيراني».
وأوضح المحلل الإيراني أن «تأكيد المرشد على تسمية حكومته المستقبلية بحكومة (حزب الله) يعني وجوب تولي الشخصيات التي تؤكد ولاءها التام للمرشد ولمقاليد الأجهزة السيادية في النظام الإيراني، وفي محاولة من خامنئي لتعويض الخسائر التي أصابت إيران خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة».
الشك والتردد بمشروعيته
من جانبه؛ ربط المحلل الإيراني، «رضا علي جاني» مضمون الكلمة بمشروعية النظام الإيراني، خلال مقال له في موقع «زيتون» التحليلي، من أن تركيز خامنئي في خطابه الأخير على مصطلح الشك والتردد من قبل المواطنين على مشروعية نظامه، وخشية المرشد الإيراني من تصاعد الاحتجاجات في الشارع ضد النظام. مؤكداً أن «إحدى النقاط الهامة في خطاب خامنئي مع الطلاب الإيرانيين، هو تكراره لاستخدام مصطلح الشك والتردد، إذ أن مرشد النظام الإيراني يخشى من هذه النقطة، وهي شك وعدم إيمان المواطنين بنوعية خطاباته لا سيما الموجهة ضد الغرب والأهم هو إدارته للبلاد في ظل سيطرة فصيل بعينه على زمام الأمور».
وأضاف علي جاني» خلال ما كتبه: «لعل اللافت في تصريحات خامنئي الأخيرة هي ما بدا عليه من خوف من شك وتردد حتى من المؤيدين للنظام الإيراني، وخاصة بعدما قمع نظامه الاحتجاجات الشعبية في الشارع، والأهم هو تغيير خامنئي لمصطلح المستضعفين الذي يعبر عن الفقراء إلى الأراذل في وصفه الطبقات الدنيا من الإيرانيين الذين يحتجون ضد الأوضاع الراهنة»، وهذا بدا جلياً حين استخدم مصطلح «العمود الفقري للنفوذ الثقافي للعدو، كشف بوضوح عن قلقه وخشيته البالغة من رسوخ الشك والتردد في أعماق الأطراف المؤيدة لنظامه»، حسب تعبيره.
خلاف روحاني والحرس الثوري
فيما تناول الكاتب والمحلل «ميتش بروثيرو»، محتوى الخطاب من خلال التقرير الذي نشره موقع «إنسايدر» وربطه بأزمة تفشي فيروس كورونا في إيران، منوهاً أن ذلك يمهد للنظام الإيراني بقيادة خامنئي أرضية لاستغلال حالة الاضطراب التي تسيطر على الساحة السياسية والاقتصادية في البلاد لكي يخرج خامنئي بحكومة موازية بدعم مباشر من الحرس الثوري. كاشفاً أن «حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، تواجه سجالاً متصاعداً مع الحرس الثوري خاصة مع تأزم الوضع الصحي في البلاد نتيجة تفشي فيروس كورونا، وتراجع الأداء في التعامل مع ملف الوباء، إلا أنها تسعى للسيطرة على الوضع وذلك في ظل تصاعد الخلاف مع الأجهزة الممثلة لخامنئي وعلى رأسها الحرس الثوري».
ويرى المحلل أن «خامنئي هو المسؤول الوحيد في إيران الذي لديه القدرة المالية على دعم حكومة موازية تنافس الحكومة المنتخبة، لأنه يسعى في المرحلة الراهنة لتشكيل حكومة موازية بدعم مباشر من الحرس الثوري ليس بهدف معالجة الأوضاع بقدر إعادة السيطرة الكاملة على زمام الأمور».
الحرس الثوري ومعركة الانتخابات
وفق المؤشرات التي قدمها المحللون السياسيون خلال تحليلاتهم لكلمة المرشد الأعلى، يبدو أن حديث البعض عن انقلابٍ عسكري يطيح بروحاني، أو يَجلبُ رئاسةً عسكريةً في نهاية ولايته، أمر وارد، وإن حدث وتحولت السيطرة في إيران إلى قوى عسكرية وقومية وراديكاليّة ستدخل المنطقة في توتراتٍ كبيرة. ويتم تداول كل هذه المشاريع، في ظل تقارير لوسائل إعلام إيرانية، تتحدث عن عودة عدد من قيادات الحرس الثوري للترشح بقوة في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2021، وذلك بالتوازي مع أعضاء التيار المتشدد على أغلبية مقاعد البرلمان الإيراني.
وهنا من الجدير بالذكر، أن عدداً من كبار الساسة والخبراء، قد حذروا النظام الإيراني من تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الشارع ضد النظام، وأبرزهم الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، الذي تحدث عن إمكانية لجوء المواطنين للعنف لمواجهة قمع وفشل النظام.