هيئة التحرير
لم تنتظر ايران اكثر من اسبوعين حتى بدأت بوضع العصي في عجلة حكومة “مصطفى الكاظمي” التي بدأت تتحرك لتصحيح مسار العلاقات الخارجية للعراق والانفتاح على المحيط العربي والخليجي، وبناء استراتيجية جديدة مع الدول الإقليمية والعالمية، فهذا المسار يتعارض مع المشروع الايراني في العراق.
الكاظمي وفي مساره باتجاه تصحيح العلاقات الخارجية، كانت السعودية اول المحطات والزيارة بحسب نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي وزير المالية والنفط بالوكالة علي علاوي، تهدف للعمل ضمن ثلاثة أولها الدعم الفوري النقدي للموازنة، والثاني تحفيز الشركات والمؤسسات السعودية الأهلية، خصوصا في مجالات الطاقة والزراعة، وحثها على الدخول إلى الأسواق العراقية من خلال الاستثمارات، أما المحور الثالث فهو تفعيل الجانب التجاري”.
وزير المالية اكد أن “لدى العراق خطة للتوجه نحو تحقيق التوازن الاقتصادي والمالي مع دول الجوار، وأن تكون السوق العراقية مفتوحة للجميع بعيدا عن الإضرار بطرف معين”. مشيراً إلى أن “الحكومة تسعى لحث الشركات السعودية على المساهمة في إعادة إعمار البلد، وفتح البلاد امام الاستثمارات الأجنبية، وإيجاد بيئة آمنة للمستثمرين، تشجيعا للقطاع الخاص الذي يعاني هو الآخر من تلك المعوقات”.
البرلمان والانفتاح
إيران لم تجد ما ترد به على خطوات انفتاح العراق على السعودية سوى تحريك أدواتها للتحرش بالوجود الأميركي في البلاد، لعلمها بحساسية موقف الكاظمي وحاجته الأكيدة إلى الحفاظ على العلاقات بين بغداد وواشنطن والدول الخليجية في مرحلة الأزمة المالية الحادّة التي وصلت إلى العجز عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين آخر شهر حزيران المقبل.
زيارة مبعوث حكومة الكاظمي إلى الرياض، لاقت أجواء من الارتياح في البرلمان عبرت عنها كتلة “سائرون” التي يتزعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، دون ان تغفل عن الرقيب الايراني، وفي هذا السياق قال النائب عن الكتلة “أمجد العقابي”: إن “على إيران ألا تتحسس من عمل العراق على تطوير علاقاته بالسعودية، لاسيما في هذا التوقيت الذي يشهد أزمة مالية كبيرة بسبب انهيار أسعار النفط.”
في المقابل، شنت وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني هجوما واسعا على السعودية، متهمة إياها بالسعي إلى تكبيل العراق بديون جديدة بالرغم من الاهتمام الشعبي الواضح بتحركات حكومة الكاظمي صوب الرياض.
ويرى المراقبون أن حملة الميليشيات الموالية لإيران الهادفة إلى نشر صور الخميني وخامنئي وسليماني والحوثي في مدن العراق الشيعية مؤخرا، هي جزء من حملة التشويش على تحركات حكومة “الكاظمي” التي تسعى لتعميق التواصل مع المحيط العربي لبغداد، وعبر هذه الصور أرادت الميليشيات القول إن إيران تهيمن على العراق شعبيا وثقافيا، وفق تعبير الكاتب والصحافي قيس حسن.
لكن رئيس البرلمان” محمد الحلبوسي” أكد أن “الشرق لم يعد لديه ما يقدمه للعراق”، في إشارة إلى إيران، مشدّدا على ضرورة توثيق علاقات العراق بالخليج والولايات المتحدة والغرب عموما. لافتا إلى أن “العراق سيكون بحاجة ملحة إلى تفاهمات عاجلة لمواجهة أزمته المالية الناجمة عن انهيار أسعار النفط، وإيران لا يمكنها أن تساعد العراق بينما يمكن للغرب أن يفعل”.
استهداف المصالح السعودية
تصريحات زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي ضد الولايات المتحدة، التي زعم فيها أن العراقيين مستعدون لتقديم أرواحهم من أجل السيادة، تزامنت مع دعوات ميليشيات “حزب الله العراقية”، المدعومة من إيران، عبر صفحة تحمل اسمها على موقع تيلغرام، لاستهداف السعودية، وشن هجمات ضد المصالح السعودية في العراق، كانت إشارة واضحة لحكومة الكاظمي للتراجع عن الاتفاقيات الاقتصادية مع الجانب السعودي.
وتواجه الميليشيات العراقية اتهامات بالمسؤولية عن الهجمات، التي استهدفت منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية، خريف العام الماضي، بتحريض من الحرس الثوري الإيراني.
إلى جانب ذلك، أشارت الميليشيا إلى أنها مستعدة تنفيذ ما وصفته بـ “العمليات الجهادية” داخل الحدود السعودية، مستشهداً بعمليات ضرب آرامكو، كدليل على ما وصفه قدرة مقاتليها على نقل العمليات العسكرية إلى الداخل السعودي.
وتنفي إيران مسؤوليتها عن الهجمات، التي أدت إلى توقف عدد من منشآت الشركة السعودية عن انتاج النفط لعدة أيام، قبل إعادة صيانتها.
دعوة الميليشيات لاستهداف السعودية جاءت بالتزامن مع تصريحات وزير المالية العراقية، التي أشار فيها إلى أن العراق توصل إلى اتفاقيات تجارية مع الجانب السعودية قد تصل إلى 3 مليارات دولار، في ظل جولة خليجية لدعم الاقتصاد العراقي.
وتعاني الموازنة العامة العراقية عجزاً يصل إلى حوالي 45 مليار دولار أميركي، نتيجة تراجع أسعار النفط، وذلك وسط ارتفاع معدلات كل من البطالة والفقر إلى 20 في المئة، حتى نطلع العام الحالي.
المحلل الاقتصادي الدكتور “نزار محمود” لـ”مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا”: “يصعب حصر وفهم المشكلات العراقية في أنواعها وتقاطعاتها وتحليل أسبابها دونما وقوف موضوعي وعرض منهجي علمي، كون المشكلات متداخلة ومتفاعلة مع بعضها”. موضحاً أن “تصنيف هذه المشكلات تقليدياً وتعود إلى الازمات السياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية التي يعاني منها العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين”.
ولخص “محمود” المشكلات الاقتصادية بـ(طبيعة النظام الاقتصادي والعلاقات الاقتصادية وكفاءة إدارته- حجم الناتج القومي ومستوى الدخل – مستوى تطور وسائل الإنتاج- حجم وطبيعة الموارد الاقتصادية المتاحة – كفاءة وعدالة نظام توزيع الثروات والعوائد الاقتصادية -الاقتصاد الاستهلاكي الذي لا يستطيع الإنتاج).
المحلل الاقتصادي ” أكد:أن “تدهور الاقتصاد العراقي سواء لأسباب اقتصادية بحته من إهمال لقطاعات الزراعة والصناعة أو بسبب تدهور أسعار النفط الذي أصبح العراق يعتمد على إيراداته بنسبة تزيد عن ٩٥٪”. مشيراً إلى “منتجات العراق الزراعية التي كانت على الأقل دول الجوار، تعرفها وتعيش عليها، وفي مقدمتها التمر الذي كان العراق يملك ما يزيد عن ٣٠ مليون نخلة بات اليوم مستورداً ” مشيرا الى أن “العراق بحاجة إلى بنى تحتية، وقيم إنسانية وأخلاق وطنية من إخلاص وشعور بالانتماء والكرامة، بعزيمة رجال يفخرون بعراقيتهم وسواعد بناء مدربة”. .
“”نزار محمود يرى أن “واقع التبعية السياسية لمن يحكم العراق اليوم وظروف احتلاله المبطن والعلني لا يساعد لوضع وتنفيذ خطط الاعتماد على الذات اقتصادياً، ولا يعمل لإيقاف نهب ثرواته، واستنزاف بعض قطاعات موارد العراق وتعطيلها، لا بل أن تدمير القطاعات الأساسية والدائمة، قد ألحق بحاضر ومستقبل العراق كوارث اقتصادية يصعب تجاوزها”.
فرصة تاريخية
وبالعودة إلى مسألة السيادة العراقية وتبعياته على الحكومة الجديدة اعتبرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية أن العراق أمام “فرصة تاريخية” يستطيع فيها انتزاع سيادته من إيران، واستعادة هيبته.
المجلة ذكرت، في تحليل لها، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ألمح في بيان قدمه للبرلمان العراقي، منتصف الشهر الجاري، إلى أن أصعب المهام المنوط بها هي فرض هيبة الدولة وإعادة “الميليشيات الشيعية” تحت سيطرة بغداد بعيدا عن طهران.
المجلة أشارت إلى أن الحكومات العراقية السابقة فشلت في الحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران، وخلال سنوات 2014 و2018سعى حيدر العبادي إلى وضعها تحت سيطرة الدولة، ولكن السياسيين المدعومين من طهران تفوقوا عليه، وحتى أنهم تفوقوا على بديله فيما بعد عادل عبد المهدي، الذي زاد ميزانية الحشد الشعبي بنسبة 20% خلال 2019، وساعد على تمكين الميليشيات لتوسيع وجودها في المناطق الاستراتيجية، وبما في ذلك المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، الأمر الذي سمح لعناصرها بالتنقل بحرية بين البلدين.
كما لفتت “فورين أفيرز” إلى أن التظاهرات التي حصلت في البلاد، منذ تشرين الأول 2019، والتي لم يستطع القمع والقتل ولا حتى الخوف من فيروس كورونا كبح جماحها، رفضت صراحة استمرار تدخل إيران في الشأن العراقي، وأدت إلى استقالة الحكومة، للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003.