دلالات كثيرة يحملها انضمام حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى قائمة من التنظيمات الإرهابية المحظورة، والأنظمة السياسية المعاقبة دولياً التي تجري تعاملاتها المالية عبر الإنترنيت المظلم، الذي يستخدم للتهرب من العقوبات وإجراء المعاملات التجارية غير القانونية التي ينحدر بعضها إلى مستوى الدعارة وتجارة المخدرات وبالطبع الأسلحة، بسبب السرية والغموض التي تحكم هذا الجانب من شبكة الإنترنيت.
ودعت كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، مؤيديها حول العالم إلى تقديم الدعم المالي لها من خلال العاملة الافتراضية “بيتكوين”، إذ كتب أبو عبيدة الناطق باسم القسام في تغريدة نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي “ندعو كل محبي المقاومة وداعمي قضيتنا العادلة لدعم المقاومة مالياً من خلال عملة ال”بيتكوين”.
(“بيتكوين” عملة رقمية تعتمد على التشفير، تتميز بأنها “عملة لا مركزية”، أي لا يتحكم بها غير مستخدميها، ولا تخضع إلى رقيب مثل “حكومة أو مصرف مركزي” كبقية العملات المتداولة في العالم. ولا تملك، رقماً متسلسلاً كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.
لا تستند ال”بيتكوين” على مقومات اقتصادية كاليورو أو الدولار ولا يوجد احتياطي ذهب خلفها وغير معترف بها كعملة رسمية، ومن سلبياتها أنها سريعة التقلب، حيث خسرت الكثير من قيمتها وبريقها الذي سطع في العامين الأخيرين.
بدأ التداول بعملة ال”بيتكوين” عام 2009 من قبل شخص غامض أطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو. ونشأت عبر عملية حاسوبية معقدة. ويجري إصدار نحو 3600 عملة “بيتكوين” جديدة يومياً حول العالم، ووصل عددها حاليا إلى 16.5 مليون وحدة يجري تداولها، وذلك ضمن الحد الأقصى المسموح به وهو 21 مليون وحدة “بيتكوين”. وللحصول على هذه العملة فإن على المستخدم شراءها وإجراء المعاملات بها من خلال بورصات رقمية مثل Coinbase التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها. تحتوي كل عملة رقمية على رقم خاص، وتشفير معين، تدعمها تقنية تسمى blockchain وهي بمفهوم مبسط جدول حسابات يخصُّ كل العمليات المحاسبية من تداول للعملة الرقمية، وما يترتب عليه من تغيير في القيمة والتحويل من شخص إلى آخر منذ أول تعامل بها.
أسباب وغايات حماس من استخدام ال”بيتكوين”
تعاني الحركة اليوم من أزمة مالية كبيرة، تؤثر على أنشطتها المختلفة، ولم تعد الأزمة متعلقة بالمؤسسات الحكومية في قطاع غزة، بل أصبحت تطول مؤسساتها التنظيمية الخاصة، حتى إن فضائية “الأقصى” التي تتبع للحركة قد أعلنت عن إيقاف البث نتيجة أزمة مالية تعانيها، عقب تدمير إسرائيل لمقرها في القطاع، ورغم أن إيقاف البث لم يحدث على أرض الواقع بعد تراجع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس عن القرار، لكن مجرد الإعلان يكشف بوضوح الأزمة المالية للحركة نظراً لأن الفضائية تعد من أهم مؤسساتها، وأذرعها الإعلامية. ويؤكد موظفون في مؤسسات أخرى تابعة لحماس، أنهم يتقاضون منذ أشهر نحو 50 بالمئة من رواتبهم الشهرية فقط، بفعل إجراءات تقشف اتخذتها مؤسساتهم.
ويرجع خبراء إلى أن أهم أسباب أزمة حماس هي تغير اهتمامات الدول الداعمة لها، إضافة إلى استجابة هذه الدول للضغوط الأمريكية بسبب دعمها للحركة، كما أن الأزمات القائمة في سورية وليبيا واليمن، أدت إلى تحول مسار التبرعات والدعم، حيث أصبحت الأموال تتجه نحو هذه الدول.
الأزمة المالية هي السبب الرئيس وراء سعي حماس إلى العملة الافتراضية “بيتكوين”، خاصة بعد الإجراءات المصرية من أجل هدم الأنفاق التي كانت تدر على حماس الكثير من الأرباح جراء الرسوم التي تفرضها على البضائع التي تدخل إلى القطاع، وحتى قطر التي عادة ما تدعم الحركة بشكل سخي، بدت مؤخرا أكثر تردداً، بعد تحويل آخر دفعة نقدية من رواتب الموظفين في القطاع بموافقة إسرائيل.
وورد أن قطر تدرس ما إذا كانت ستستمر في تمرير مدفوعاتها النقدية إلى غزة، وتبحث عن طريقة بديلة لتحويل الأموال، وذلك بسبب المخاوف الداخلية من أنه من خلال دفع رواتب أعضاء حماس، يمكن أن ينظر إلى ذلك على أنه دعم للإرهاب.
ووفقا لتقرير في موقع “والّلا” الإخباري الإسرائيلي، فإن وثيقة تم تداولها داخلياً بين المسؤولين القطريين تجادل بأن تحويل الأموال إلى حماس كان خطوة “إشكالية” أدت إلى انتقادات من إسرائيل والفلسطينيين.
وتقول الوثيقة إن عملية التحويل النقدي “تعزز فقط الرؤية السلبية لقطر على أنها ممولة للإرهاب تعمل ضد الدول السنية”. وجاء في التقرير “إذا كان القصد هو دفع رواتب الموظفين الحكوميين فقط، فمن الممكن تحويل الأموال مباشرة إلى حساباتهم المصرفية، بدلاً من أموال نقدية – وهي الطريقة التي تذكّر بالمافيا”.
كما تلاحظ الوثيقة أنه على الرغم من أن إسرائيل قد استبعدت مئات الأفراد من تلقي الرواتب على أساس أنهم أعضاء في الجناح العسكري لحماس، فإن قطر تعتقد أن هناك حدوداً لقدرة إسرائيل على ضمان عدم سقوط الأموال في أيدي المقاتلين.
وكان محمد العمادي مبعوث قطر إلى غزة، وتحويل الأموال المصرح به من قبل إسرائيل هو جزء من صفقة تنهي فيها حماس أشهراً من الاحتجاجات العنيفة على طول الحدود مقابل تخلي إسرائيل عن أجزاء من حصارها لغزة.
ومن المعروف والمعلن لدى كل الأطراف أن إيران كانت الداعم الأول والرئيس لحركة حماس وجناحها المسلح، ورغم التوتر الذي ساد العلاقات في أعقاب دعم الحركة للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، إلا أن الأمور عادت إلى مجاريها لكن ليس بالقوة ذاتها.
وعلى الرغم من أن المؤشرات تدل على عودة الدفء إلى العلاقات، إلا أن الأزمات التي تمر بها طهران داخلياً لوطأة الأزمة الاقتصادية، وإقليميا بسبب النزاع في سورية ودعم حزب الله المتزايد، ودولياً نظراً لاستمرار العقوبات الأمريكية، تؤكد جميعها أن التمويل الذي تقدمه إيران ليس كسابق عهده بأي حال من الأحوال.
ولا تعتمد حماس على الدعم من إيران وقطر وتركيا، بل تقوم أيضاً بتشغيل أموال في السوق، وبحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة في لندن، فإن رجال أعمال تابعين لحماس يقيمون المشاريع المختلفة، ولديهم محلات ومؤسسات تجارية كبيرة، وعلى سبيل المثال لديهم جمعيات استهلاكية، ومعارض سيارات، ومفروشات، وأجهزة كهربائية، ومحلات كمبيوتر، ومصانع، تنتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المصادر التي تتحدث عن ميزانية حماس تعتمد على تقارير إعلامية، وهي بالمجمل تفتقر إلى الدقة، ويقدر جهاز الشاباك الإسرائيلي ميزانية حماس لعام 2010 بـ 200 مليون دولار سنويًّا لتغطية النفقات الحكومية، و50 مليون دولار سنويًّا للأنشطة المدنية للحركة، إضافة إلى 40 مليون دولار سنويًّا لصالح الجناح العسكري.
ومن خلال التبرع بالـ ”بيتكوين”، تريد حماس القفز على خطط سلطة النقد الفلسطينية، والبنوك العاملة تحت مظلتها التي تضع شروطا لنقل الأموال وفتح الحسابات. كما أنها تسعى لفسح المجال أمام جميع الساعين للتبرع للحركة، مهما كان المبلغ المراد إرساله، والأمر ليس مقتصراً على الجهات والأشخاص الداعمين بمبالغ مالية ضخمة، فبإمكان أي شخص إرسال قطعة واحدة من العملة الرقمية بمبلغ أقل من 5 آلاف دولار.
وترغب الحركة في تدويل دعم المقاومة إذ لا يقتصر على الأطراف التي تربطها بالحركة أو بقياداتها علاقات مباشرة، ويتوسع الأمر ليشمل أي شخص متعاطف مع حماس، أو رافض للاحتلال الإسرائيلي.
وتراهن حماس على أن العديد من الأشخاص حول العالم يتعاطفون معها، ولكنهم يخشون أن يتم اتهامهم بالإرهاب إذا ما قاموا بتحويل التبرعات لها، ولذلك فإن عملة الـ”بيتكوين” ستحل هذه المشكلة عبر وسيلة تحويل آمنة لا تسمح بالكشف عن هوية المرسل.
وتهدف حماس أيضا إلى التخلص من الخطط الدولية المتبعة لتجفيف منابع تمويل الحركة من مختلف الأطراف والدول الداعمة، وعادة ما تتم العقوبات المالية من خلال البنوك، إذ يتم حظر تعاملات الدولة المفروض عليها العقوبات، وذلك من خلال نظام «SWIFT»، أو ما يعرف بجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، لذلك فمن الصعب جدًا أن يتم تداول أي أموال من خلال هذا النظام للدول أو التنظيمات المفروض عليها العقوبات، لكن عندما تتم تعاملات دولية بعيدًا عن هذه المنظومة، فإن هذا الأمر يقوض من قيمة العقوبات، وهو الأمر الذي منح الـ”بيتكوين” والعملات الرقمية الأخرى نافذة لتحايل المغضوب عليهم من النظام المالي على العقوبات الدولية؛ لأنها لا يوجد لها أي تعاملات في البنوك.
ومن وجهة نظر إسرائيلية فإن خطوة حماس تعدُّ تحدياً جديداً لملاحقة طرق تمويل الحركة، والذي يكمن في صعوبة الوصول إلى مصادر هكذا أموال الكترونية. وأشارت صحف إسرائيلية، إلى أنَّ هذه العملية تعدُّ مفضلة لحماس، والتي تبلغ ميزانيتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة نحو ربع مليار دولار، بحسب وصفها.
هل تملك “حماس” التقنيات اللازمة للتعامل بال”بيتكوين”؟
بات من الواضح أن التقدم الإلكتروني والقدرة على تسخير شبكة الإنترنت استخباراتياً وأعمال القرصنة وغيرها، لم يعد يقتصر على الدول والأجهزة الأمنية، على العكس من ذلك باتت أجهزة الدول مهددة من الداخل عبر امتلاك التنظيمات المختلفة وتفوقها أحيانا في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وبسبب الخصائص غير التقليدية لعملة الـ”بيتكوين”، فإن استخدامها يتطلب تقنيات ومهارات خاصة، من أهمها القدرة على التعامل مع ما يعرف بـ”الإنترنت المظلم” من أجل إجراء المعاملات السرية وشراء السلع والمواد وغسيل الأموال، وأيضاً القدرة على حماية عملية التحويل وحافظات الـ”بيتكوين” من القرصنة والسرقة، ويتوجب على المتعامل بهذا النوع من التقنيات امتلاك استراتيجية خاصة للحصول على المزيد من الـ”بيتكوين”، عبر الاستفادة من الخبرات السابقة للتنظيمات والدول المتعاملة بها.
هناك العديد من الوقائع التي تثبت المستوى المتفوق الذي وصلت إليه حركة حماس على المستوى الإلكتروني، حيث قامت وحدة الهندسة الإلكترونية في كتائب عز الدين القسام، باختراق موجات إذاعة الجيش الإسرائيلي، مؤخراً وبث بيانات حماسية مناوئة لتل أبيب تشيد بالمقاومة الفلسطينية.
فيما أكد هاكر إسرائيلي يطلق على نفسه اسم “Zhacker” في مقابلة مع موقع “معاريف” الإسرائيلي، أن اختراق موقع حركة حماس الإلكتروني على الإنترنت محصن جيداً من الاختراق ومزود بأفضل برامج الحماية الإلكترونية، الأمر الذي جعل اختراقه غاية في الصعوبة، ولذلك استعان الهاكر Zhacker بشركات قرصنة إلكترونية أخرى من أجل القدرة على اختراق موقع حركة حماس الإلكتروني، بعد جهد استمر لأكثر من شهر كامل.
وفي صيف العام 2018 اتهم الجيش الإسرائيلي حماس، باختراق هواتف العشرات من جنود الاحتلال عبر تطبيقات خاصة لمتابعة مونديال روسيا. وذكرت صحيفة هآرتس أن عناصر حماس تمكنوا عن طريق أحد التطبيقات من جمع معلومات حساسة متعلقة بطبيعة عمل الجنود وتمركزهم وانتشارهم في غلاف غزة. وأكد مصدر مسؤول أن ما حدث يُعدُّ في مجال الأمن الإلكتروني هجوما متطوراً، وأن إسرائيل قد تخطئ إذا قللت من شأنه. ووفقا للصحيفة فإن الأمن الإلكتروني الإسرائيلي يعدُّ “حماس” من أكثر المنظمات تقدماً في هذا المجال.
وفي كانون الثاني من العام 2016 ركزت محاولة حماس الأولى لاختراق الجيش الإسرائيلي، على لعبة تعارف لقراصنة معلومات عبر الإنترنت، على أنهم نساء جميلات في محاولة لجذب الجنود لإجراء محادثات طويلة. وأكدت شركة أمريكية متخصصة في الأمن الإلكتروني في شهر شباط من العام 2017، أن هناك “حملة تجسس إلكترونية جديدة مصدرها قطاع غزة، وتستهدف الوزارات الحكومية في إسرائيل والدول العربية والسلطة الفلسطينية”. ونقلت تقارير إسرائيلية عن خبراء قولهم، “إن البنى التحتية وراء الهجمات، والطريقة التي تم فيها استخدام خوادم لإخفاء مصدرها، تكشف أن المنظمة المشتبه بها، المعروفة باسم “غزة سايبر غانغ غروب”، طورت من قدراتها إلى مستوى من شأنه إحراج دول مع قدرات سايبر معقولة”.
وتشير مصادر إلى أن غزة سايبر غانغ غروب تلقى دعماً من حركة حماس، مضيفة: “قام الهاكرز بإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى أهدافهم من مصدر بدا مشروعاً – مثل زميل في العمل – إذ احتوت الرسائل على عناوين أخبار وهمية، تهدف إلى تشجيع القارئ على الضغط على رابط أو ملف مرفق”. ولفت الموقع إلى أن “فتح الملف أدى إلى تركيب برنامج قام بإرسال تفاصيل تعريف مستخدم الكمبيوتر إلى مركز تحكم يضم هاكرز”.
بتاريخ 10 تشرين الأول 2005، أصدر “مركز المعلومات حول الاستخبارات والإرهاب” نشرة معلومات تُعنى بالاستعمال الكبير الذي تقوم به حركة “حماس” للإنترنت. واشتملت النشرة على استعراض لنتائج الفحص الذي تم اجراؤه على تسعة مواقع رائدة لحركة “حماس” التي تظهر بسبع لغات. وقد أظهرت نتائج الفحص من جديد أن مواقع الإنترنت الرائدة لحركة “حماس” التي كان يتم توجيهها من دمشق في ذلك الوقت وتفعيلها من بيروت، تستعين بشركات مزودة للمعلومات من شرقي أوروبا كروسيا وأوكرانيا، وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا.
وما يجعل الأمر أسهل بالنسبة لحماس، أن عملة الـ”بيتكوين” ليست غريبة بالنسبة لسكان غزة، إذ بدأ التعامل بها بين الشباب منذ فترة، للحصول على مبالغ كبيرة، ففي غزة حوالي 40 صرافاً يتعاملون رسمياً بعملة الـ”بيتكوين”، ويقول شخص يعمل في أحد الصرافات “يأتي العشرات يومياً ليحولوا من “بيتكوين” إلى عملات أخرى نقدية وبالعكس”. ويرد الخبراء توجه الشبان للتجارة بهذه العملة، إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتعسر الاستثمار وحب الناس للربح السريع، حيث يقدمون على تداول العملة بعد حضور دورة تدريبية خاصة.
وصمة “الانترنت المظلم”
المكان الأمثل لتداول العملات الافتراضية يطلق عليه اسم الإنترنيت المظلم، كونه يعدُّ وسيلة لتحقيق مستوى عال من عدم الكشف عن الهوية على الإنترنت؛ فهو مصطلح يشير إلى مواقع الويب التي تحجب عناوين الـ IP، عن الخوادم التي تنشر من خلالها، ما يجعل من المستحيل معرفة هوية الموقع أو القائم عليه؛ فلا يظهر على محركات البحث مثل غوغل.
ويمكن تعريف الإنترنيت المظلم بأنه الجزء من الشبكة العنكبوتية الذي أخفي عن قصد، ولا يمكن الولوج إليه عبر محركات البحث التقليدية، وهي أعمق نقطة في شبكة الانترنيت، هناك يتمكن المستخدمون من التزود بمعلومات وخدمات سرية، كالمعلومات حول برامج القرصنة والتجسس وغيرها، وكلما غصنا أكثر، سنحصل على بيانات غير مشروعة أكثر، ذلك لأن هذه الطبقة محمية من رقابة السلطات، هو عبارة عن مجموعة من ارتباطات الشبكة التي تستعمل بروتوكولات غير HTTP لكن موجودة على الشبكة العامة، وتأسست بطريقة مغلقة وسرية، بين أطراف موثوقة من بعضها.
ويقدر موقع popsci حجم الإنترنت المظلم بخمسمئة ضعف ما نراه من الإنترنت، لكن هذا الجانب المظلم من الإنترنت لا يمكن الوصول إليه بالأساليب التقليدية.
ويعد الإنترنت المظلم؛ أحد أكبر التحديات التي تواجه جهود مكافحة ومواجهة الجماعات التكفيرية والمتطرفة، ويشير عدد من التقارير الأوروبية، إلى أن الجماعات الدينية المتطرفة، تستخدم الإنترنت المظلم لتمويل عملياتها، وتوفير قدر من السرية والأمان، وضمان عدم التجسس والتتبع، ويساعدها على ذلك امتلاكها لقدر كبير من التكنولوجيا الحديثة والقدرات التقنية التي تتيح لها توظيف مواقف الإنترنت المظلم، في أنشطتها المختلفة. وذكر المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، أنه رغم قوة النظام الأمني الأوروبي، ما زال من الممكن الحصول سراً على الأسلحة والمعدات اللازمة للجماعات المتطرفة، فمثلا شركة EuroGuns، تبيع أنواع الأسلحة كافة على الشبكة المظلمة، وترسلها إلى الأفراد، منها بنادق 47s-AK ، التي استخدمها منفذ هجوم شارلي إيبدو، مقابل 550 دولار.
ويضم هذا المستوى العميق من الإنترنيت المظلم، مواقع وملفّات ومعلومات غير مسجَّلة في عنوان معيَّن Domain، متوفِّرة فقط لمَن يعرف الاتصال بها. هكذا مثلاً، يمكن طباعة عنوان IP معين والوصول إلى موقع ما، لا يمكن الوصول إليه بأية طريقة أخرى. فإذا لم تعرفوا عنوان الـ IP الخاص بالموقع، لن تعلموا أبداً بوجود الموقع.
ويضم الإنترنت المظلم جميع أنواع العملات المزيفة من الدولار، واليورو، وحتى الين، واليوان، ويمكن الحصول على 2500 دولار مزيفة مقابل 600 دولار، ويمكن القول: إن الإنترنت المظلم يتيح البيئة المناسبة، والسياق الملائم، لتطور ونمو التعامل والتداول عبر العملات الافتراضية بشكل عام، وعملة “البتكوين” خصوصاً، فالقاسم المشترك بين العنصرين؛ هو وجود السرية وإخفاء الهوية، وسرعة التفاعل والتعامل، وغياب المركزية والرقابة السلطوية على المعاملات.
ثمّة مواقع مشتريات، بين مواقع الشبكة المظلِمة، تعرض مخدّرات وقَتَلة مأجورين، مرورًا بِالموادّ الإباحيّة الخاصّة بالأطفال، المرشِدين غير القانونيين لإعداد متفجّرات من موادّ موجودة في البيت، المعلومات السرية لهيئات حكومية وعسكرية، الاتّجار بالبشر، وصولًا إلى المنظمات الإرهابية الكاملة.
الاستفادة من التجارب السابقة
حماس ليست أولى التنظيمات التي تتعامل بـ”البتكوين”، فقد سبقها إلى ذلك تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وأصدر أحد مناصري تنظيم داعش، وثيقة بعنوان “بيتكوين” و”صدقة الجهاد”، من تأليف تقي الدين المنذر، حدد فيها الأحكام الشرعية لاستعمال “البتكوين”، مشدداً على ضرورة استعمالها لأجل التبرع للتنظيم، وجاء في الوثيقة أن “البتكوين” تمثل حلاً عمليا للتغلب على الأنظمة المالية للحكومات “الكافرة”.
وشرحت الوثيقة كيفية استخدام هذه العملة الافتراضية، وإنشاء الحسابات المالية على الإنترنت، ونقل الأموال دون لفت انتباه أحد، على اعتبار أن المتبرع لا يستطيع تحويل أموال لشخص مشتبه به أو موضوع على لائحة الإرهاب، لكنه يستطيع التحويل على حساب رقمي لا يعلم أحد من يملكه.
وعكست الوثيقة خبرة كاتبها في المعاملات المصرفية والإجراءات القانونية، وحتى بالمنظومة الهيكلية لـ ”البيتكوين” وكيفية عملها، فقال: “يمكن للمرء إرسال حوالة مصرفية لمجاهد، أو من يشتبه في أنه مجاهد، دون أن تكون الحكومات الكافرة الحاكمة اليوم على علم بها والحل المقترح لهذا هو ما يعرف باسم “البتكوين”، لإعداد نظام للتبرع مجهول تماماً، يمكنك أن ترسل ملايين من الدولارات على الفور، وستصل مباشرة”.
بالطبع ستحاول حماس الاستفادة من خبرات الدول والتنظيمات التي سبقت أن استخدمت عملة الـ”بيتكوين”، حيث يجري تداول عملة “بيتكوين” بنسبة أكبر في الصين، ويربط المحللون بين صعود العملة وانخفاض الـ “يوان” الصيني، كما تُظهر البيانات أن معظم تداول عملة الـ“بيتكوين” يجري في الصين؛ لأن ذلك يتيح للصينيين الالتفاف على القوانين المحلية المقيدة لحجم الأموال التي يمكنهم تداولها، إلا أن تجارب المستفيدين من الـ”بيتكوين” موجودة بنسبة أكبر في كلٍّ من كوريا الشمالية، وروسيا، وفنزويلا، وإيران؛ إذ من المتوقع أن تسعى حماس للاستفادة من هذه التجارب التي نجحت من خلالها دول في الصمود لفترات طويلة أمام العقوبات المالية الأمريكية.
ويشير الكثير من المؤشرات إلى أن قراصنة كوريا الشمالية شاركوا في إنتاج العملة الإلكترونية؛ وهو الأمر الذي يبرز اهتماماً بالغاً من جانب البلاد بهذا النوع من العملات، وذلك بالإضافة إلى اتهامات واسعة لكوريا الشمالية باستعمال قدراتها في التجسس الإلكتروني لقرصنة العملة الافتراضية، وبحسب «سي إن إن» الأمريكية، يؤكد خبراء أن كوريا الشمالية تجمع الـ”بيتكوين”، سواء عن طريق سرقة العملة الإلكترونية مباشرة، أو المطالبة بها كنفقات فدية بعد قرصنة شركات أو أفراد، فيما يقول مسؤولون بحكومة كوريا الجنوبية: “إن الجارة الشمالية هاجمت وتهاجم محافظ العملات الإلكترونية، بينما لا يعرف أحد كمية الـ”بيتكوين” التي تمتلكها كوريا الشمالية حتى الآن”.
وتشير تقارير كذلك إلى أن هناك تعاملات كبيرة داخل إيران، وذلك في ظل انهيار عملتها المحلية وعودة العقوبات مرة أخرى في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، والأمر أيضاً ينطبق على روسيا وفنزويلا، إلا أن البلدين يخططان لإصدار عملات رقمية رسمية في محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية، لكن هذا الاتجاه من الصعب أن تلجأ إليه حماس، لذلك هي أقرب للنموذج الكوري الشمالي أو نموذج “داعش”.
تحديات كبيرة أمام استخدام العملة الافتراضية “بيتكوين”
على الرغم من صعوبة تتبع عملة الـ”بيتكوين” في الوقت الحالي، فإن الدول والمنظمات الدولية تحاول جاهدة تنظيم عملها وزيادة مراقبتها، خاصة ما يتعلق منها بجانب التنظيمات المسلحة والأعمال غير المشروعة، حيث تعد قضية تجفيف منابع تمويل الإرهاب من أهم القضايا المطروحة على الأجندة الدولية، والشغل الشاغل لغالبية الدول، بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت فرنسا ولبنان والكاميرون ومالي وتونس، وما حدث أيضا في سورية والعراق، حيث امتلك تنظيم داعش بعد السيطرة على آبار النفط هناك، حجماً ضخماً من الموارد، قدرتها الحكومة الألمانية بحوالي ملياري دولار.
وفي هذا الإطار عقد وزراء الداخلية والعدل في دول الاتحاد الأوروبي، اجتماعاً قرروا خلاله تشديد القيود على البطاقات المدفوعة مقدماً وتحويلات الأموال والـ ”بيتكوين”، كما اتفقوا على زيادة التحقق من وسائل الدفع، التي يجري استخدامها دون الكشف عن منفذها. وقال مسؤول في المفوضية: إن استخدام العملات الافتراضية سيكون محل اهتمام خاص.
ومنذ بداية عام 2018 كان هناك توجه قوي من البنوك لإدخال العملات الرقمية تحت مظلتها، وذلك بعد أن حققت نجاحاً قياسياً، في ظل قلقها من انتعاش هذا النوع من التعاملات، في محاولة لاستيعاب ثورة العملات الإلكترونية.
أما التحدي الآخر الذي يواجه المتعاملين بالـ”بيتكوين”، فهو عدم استقرار صرفها، حيث كان العام 2017 هو عام الـ”بيتكوين”” بجدارة، إذ انتعشت العملة الافتراضية خلال العام قبل الماضي بقوة، وسجلت مستويات قياسية في قيمتها، وتجاوزت الـ20 ألف دولار، ولكنها خسرت نحو 85% من قيمتها في 2018. وتدور قيمة الـ”بيتكوين” الواحد منذ بداية يناير 2019 حول 3400 دولار.
النقطة الأكثر أهمية هي أن إسرائيل أيضا تتمتع بتفوق تكنولوجي كبير ما يجعل عملية الحصول على الأموال عبر التبرع بعملة الـ”بيتكوين” أمراً معرضاً للقرصنة والتتبع، فخلال شهر آذار من العام 2017، أعلن الجيش الإسرائيلي الكشف عن آلية نقل أموال معقدة جداً، عن طريق وسطاء، بين مقر حماس في تركيا، وقطاع غزة مع مقر حماس في الخليل. وفي العام الماضي، اعتقل جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي “شين بيت”، عدداً من الفلسطينيين يشتبه بانتمائهم إلى حركة حماس في منطقة رام الله متهمين بتلقي أموال من الحركة في قطاع غزة وخارجه من ضمنهم رئيس مجلس طلاب جامعة “بيرزيت” عمر كسواني.
ورغم صعوبة التيقن من هوية المُرسِل والمستقبل على شبكة الـ”بيتكوين”، على الأقل بغير توافر إمكانات حاسوبية متطورة، فإن بعض البرمجيات يمكنها استكشاف عناوين المحافظ العامة، ومعرفة حجم المبلغ الصادر أو الوارد لكل محفظة بمجرد معرفة عنوانها العام. وبحسب المختص في الشؤون التقنية، محمد شُرّاب، من الممكن “اكتشاف المتبرعين بهذه العملة لحساب كتائب القسام في حال لم يتخذوا إجراءات احتياطية تحميهم من ذلك”. وأضاف إن الطريقة التي أعلنت عنها كتائب القسام لتلقي التبرعات بعملة الـ”بيتكوين” يوجد فيها مخاطر بعضها قد يتسبب بكشف شخصيات المتبرعين، لأن “القسام” أعلن عن رقم محفظته، وهو ما سيمكن الجهات المعادية من معرفة رصيد هذه المحفظة كاملاً وجميع العمليات التي تمت عبرها، من خلال رصد أجهزة المخابرات لأرقام المحافظ الإلكترونية التي تبرعت لمحفظة “القسام”، وتتبع عمليات هذه المحافظ في مواقع أخرى تسجل بياناتهم الشخصية، مثل مواقع التجارة الإلكترونية كـ”أمازون” أو”علي بابا”، وبالتالي معرفة شخصياتهم.
وهناك عقبة أخرى يمثلها صغر حجم المعاملات بالعملة الافتراضية ضمن المنطقة العربية، من أسبابها أن استخدامها يتطلب قدراً من المعرفة التقنية لدى المستخدم ما زالت غير منتشرة في المجتمعات العربية المسلمة، التي تظل قاعدة الدعم الأبرز للقسام والمقاومة الفلسطينية، وهي على الأرجح الجمهور المستهدف من الخطوة. فإرسال الـ”بيتكوين” يتطلب إلمام المُرسِل بكيفية تعدين عملات البتكوين أو شرائها، وتخزينها في محفظة إلكترونية آمنة، ثم إرسال المبلغ إلى محفظة القسام.
ويضاف إلى ما سبق أن شراء عملات الـ”بيتكوين” أو بيعها في مقابل العملات النقدية ليس بهذه السهولة. فقد سعت المؤسسات المالية التقليدية إلى حماية النظام المالي العالمي من الاختراق الكامل من جانب شبكة الـ”بيتكوين” وشبكات العملات المشفرة البديلة، وذلك بتضييق البنوك على أي معاملات يُشتبه في كونها متعلقة ببيع وشراء العملات المشفرة بين المُتعامِلين. وبهذه الطريقة، يضيق الخناق على المنظمات الإرهابية والدول الخاضعة للعقوبات المالية الأميركية والأوروبية، ويصعب عليها تجاوز العقوبات والحفاظ على تدفق السيولة المالية باستخدام العملات المشفرة.
يُستثنى من ذلك منصات تداول العملات المشفرة، وهي المُعادل لأسواق تداول العملات النقدية الأجنبية. ومع ذلك تخضع أغلب المنصات الكُبرى لسياسات معرفة العميل التقليدية المتبعة في البنوك، والتي تستلزم معرفة كامل بيانات المستخدم وإثبات مصدر دخله لكي يتمكن من شراء الـ”بيتكوين” أو بيعها. وبهذا تتحكم المؤسسات المالية في منافذ استعمال الـ”بيتكوين” في نقل القيمة عبر الحدود، وتحظر أي محفظة تجري معاملاتٍ مع عناوين مشبوهة. وعلى الأرجح فإن عنوان محفظة القسام ستضاف إلى قائمة العناوين المحظورة.
وترجح قراءات أن استخدام المبالغ الواردة إلى محفظة حماس لن يتجاوز تلبية احتياجات القسام في أسواق الإنترنت العميق. ويقول الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، إن هذه العملة الافتراضية الـ “بيتكوين” لا تحل المشكلة الاقتصادية التي تواجهها حماس والحركات الأخرى في غزة، مشيراً إلى أن هذه العملة لا تزال البنوك المركزية في العالم تحظرها بسبب مخاوف دولية من استخدامها في عمليات غير قانونية، كتمويل الإرهاب، والتهرّب من الضرائب.
المراجع:
- عربي 21: ما حقيقة حظر السلطة للحوالات المالية بين الضفة وغزة؟
- إرم نيوز: ”حماس“ تلجأ لـ “التمويل المشفر“. ماذا تريد الحركة الفلسطينية من “بيتكوين”؟
- صحيفة المشرق الإلكترونية: الـ ”بيتكوين” تدر آلاف الدولارات شهرياً على شباب غزة
- ساسة بوست: من أين تحصل حماس على تمويلها؟
- صحيفة الحدث: وزير إسرائيلي: قطر لعبت دوراً مهماً في منع تمويل حماس
- إضاءات: لهذه الأسباب الـ ”بيتكوين” وحده لن يكفي لرفع الحصار عن غزة
- موقع العدسة: الـ”بيتكوين” ملاذ “القسام” الأخير.. فهل تخلت إيران عن حماس؟
- شبكة راية الإعلامية: أموال حماس وملياراتها
- عربي 21: تقرير يتناول “الأزمة المالية” التي تعاني منها حركة حماس
- العين الإخبارية: 15 مليون دولار في حقائب السفير القطري إلى حماس عبر إسرائيل
- موقع المصدر: عتمة الإنترنت: عالَم الإنترنت المُظلِم
- موقع ديبريس: حماس: شبكات تجسس تستخدم مواقع الانترنت
- صحيفة العرب: أزمة مالية تعصف بمؤسسات حماس التنظيمية في قطاع غزة
- i24new: إسرائيل تعلن الكشف عن آلية نقل أموال لحماس من تركيا للخليل
- النهار: إسرائيل تعتقل مسؤول الطلاب في جامعة “بيرزيت”: يتلقى الأموال من “حماس”
- ساسة بوست: “حماس آخرهم”. هكذا أصبح الـ “بيتكوين” ملاذ المغضوب عليهم من النظام المالي العالمي..!
- فلسطين الآن: قلق إسرائيلي من لجوء القسام لعملة “البتكوين”.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.