بعد الفشل في زج المؤسسة العسكرية وتسيسها في تونس، لم يبق أمام القوى السياسية الرافضة لقرارات الرئيس التونسي “قيس سعيد” وعلى رأسها “حركة النهضة” إلا الحوار للتعامل مع تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة “هشام المشيشي” من منصبه، في وقت تعيش فيه البلاد أزمات اقتصادية واجتماعية تستدعي البحث عن طريق للخروج من الازمة السياسية الحالية بأقل الخسائر.
النهضة والحوار..
منذ صدور القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس “قيس سعيد “تطرح تساؤلات عديدة بشأن البدائل أمام الأطراف الرافضة لتلك القرارات التي اعتمدت على الفصل 80 من الدستور، اذ حثت حركة ” النهضة” على الحوار الوطني للخروج من الأزمة، وذلك بعد اتهام الرئيس قيس سعيّد “بالانقلاب”.
رئيس مجلس النواب ومتزعم حركة النهضة، “راشد الغنوشي” قال:” إن “المكتب التنفيذي للحركة وإثر عقده اجتماعا طارئا مساء الاثنين قد أبدى تفهمه للاحتجاجات، ومشروعية المطالب، إلى جانب الخطر الوبائي الكبير، بما يجعل هذه القضايا أولوية مطلقة للبلاد تحتاج إلى إدارة حوار وطني ورسم خيارات جماعية قادرة على إخراج البلاد من جميع أزماتها”.
وعمل الرافضون لقرارات تجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما على الترويج لمسألة وجود انقلاب، إلا أن الفكرة لم تحقق نتائج على هذا الصعيد سواء المحلي أو الدولي، ولا سيما أن المؤسسة العسكرية مارست دورها في حماية المؤسسات السيادية منذ اندلاع ثورة 2011، أي أنها تتحرك وفقا للضرورة الأمنية المستجدة في البلاد.
في المقابل، يؤكد المؤرخ التونسي “محمد ضيف الله”، أن “الحوار هو الخيار الأنسب اليوم للخروج من الوضع الراهن، ورئيس الجمهورية اختار التوجه إلى المنظمات عوضا عن الأحزاب، وهذه المنظمات لم تكن في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي تتدخل في السياسة”.
وكان الرئيس “سعيد” قد عقد اجتماعا في قصر قرطاج مع كل من “نورالدين الطبوبي” الأمين العام للاتحاد العام للشغل، و”سمير ماجول” رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، و”إبراهيم بودربالة” رئيس الهيئة الوطنية للمحامين، و”عبدالمجيد الزار” رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري، و”راضية الجربي “رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة و”نائلة الزغلامي” رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات.
النقابات وخارطة الطريق..
الخبير التونسي “ضيف الله” لفت إلى أن “رئيس الجمهورية استبعد الأطراف الفاعلة في البرلمان أو بقية الأحزاب السياسية، ويمكن أن يعلن عن خارطة طريق دون العودة إلى الأحزاب، ولكن ليس هناك طريق واضح”، مؤكداً أن “المنظمات الوطنية تُوجه نحو هذا الخيار، والاتحاد العام التونسي للشغل يتبنى الحوار خاصة أنه دعا إلى التمسك بالديمقراطية والحلول السلمية، وهو أول من طرح فكرة الحوار في نوفمبر 2020”.
وكانت قد دعت منظمات ومنها نقابتا الصحافيين والمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، الرئيس إلى وضع “خارطة طريق تشاركية” للخروج من الأزمة، كما دعم الاتحاد التونسي للشغل (المركزية النقابية) بشكل ضمني قرارات سعيّد، واعتبر أن “التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية هي وفق الفصل 80 من الدستور، وتوقيا من الخطر الداهم وسعيا إلى إرجاع السير العادي لدواليب الدولة وفي ظل تفشي الكوفيد”.
من جانبه، أكد الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل “محمد علي البوغديري” اليوم الخميس، أنّ اتحاد الشغل سيُقدّم في الأيام المقبلة خارطة طريق تتضمّن عديد التصورات المتعلقة بالجانب السياسي والاقتصادي إلى رئاسة الجمهورية للاستئناس بها خلال المرحلة المقبلة
وأوضح “البوغديري”، أنّ “اتحاد الشغل يعكف على صياغة هذه الخارطة بالاعتماد على تصوّرات خبراء الاتحاد وأساتذة في القانون الدستوري وخبراء اقتصاديين ورؤساء مؤسسات مالية حضروا يوم أمس الأربعاء خلال ندوة نظمها قسم الدراسات باتحاد الشغل”. لافتاً إلى أن “أبرز التوصيات تتمحور حول الإسراع في إنهاء هذا الوضع الانتقالي في أقرب الآجال حتى يعود نشاط مؤسسات الدولة إلى وضعه الطبيعي والعادي فضلا عن حثّ رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة يكون لها تأثيرات اجتماعية ملموسة حتى تعطي بصيص أمل للمواطنين الذين نزلوا الأحد الماضي للشوارع في الجهات احتجاجا على تردي الأوضاع”.
كما أكد الأمين العام لاتحاد الشغل أن “هناك إجماع على تكوين حكومة كفاءات وطنية متشبعة بقيم المبادئ الوطنية وتعمل على إرجاع البريق إلى السيادة الوطنية واستعادة الثقة بين الرئيس والمرؤوس وتطوير ثقافة العمل والإنتاج”.
القضاء والتمويل الأجنبي..
ولم تتوقف قرارات الرئيس التونسي عند تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، اذ دعّمت شخصيات سياسية وحقوقية قرار القضاء التونسي بفتح تحقيق حول شبهات اعتماد أحزاب سياسية تتزعم المشهد على أموال أجنبية خلال حملاتها في آخر المحطات الانتخابية التي شهدتها البلاد، في مؤشر على فتح ملفات أوسع.
وكشف الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس “محسن الدالي” أن “القطب القضائي الاقتصادي والمالي اتخذ قرارات في جملة من الملفات تشمل أحزاباً وسياسيين وشخصيات معروفة للاشتباه في تلقيها أموالاً من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019″، موضحاً أن “النيابة العمومية قرّرت فتح تحقيق قضائي ضد كل من حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية عيش تونسي من أجل شبهة الحصول على تمويلات أجنبية غير مشروعة، وذلك بعد دراسة ملفّ عقود مجموعات الضغط اللوبينغ”.
يشار إلى أن التحقيق تم فتحه يوم 14 تموز/ يوليو، أي قبل صدور القرارات التي أصدرها الرئيس التونسي “قيس سعيد” يوم 25 يوليو، وقضت بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان وتوليه السلطة التنفيذية والنيابة العمومية.
وأكد الناطق باسم المحكمة الابتدائية “الدالي”، أن “قضاة التحقيق سيباشرون أعمالهم ويتخذون ما يرتأون من قرارات احترازية على غرار تحجير السفر أو غيرها،” مشيرا إلى أنه “سيتم إصدار إنابات قضائية في الغرض”.
شخصيات سياسية ترى أن القرار القضائي خطوة إيجابية لبداية تعافي القضاء التونسي الذي ظلّ محلّ سيطرة حركة النهضة منذ سنوات، كما طالبت جمعية القضاة التونسيين، النيابة العمومية بالاضطلاع بدورها الحقيقي والمستوجب في حماية المجتمع والدولة من جرائم الفساد والإرهاب.
وضمت آخر القرارات إقالة مدير عام التلفزيون، وثمانية مستشارين برئاسة الحكومة وتسعة أعضاء آخرين مكلفين بمهام في الديوان الحكومي، على غرار إقالة رئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية.
يذكر أن تونس شهدت في يوم 25 تموز/ يوليو الجاري، حدثا سياسيا في تونس، تزامن مع الذكرى الـ 64 لإعلان الجمهورية، بدأ باحتجاجات سببتها أزمة سياسية بين الحكومة والرئيس والبرلمان، وانتهى بقرارات أصدرها الرئيس التونسي إثر اجتماعه بقيادات عسكرية وأمنية.