مع انطلاق الاحتجاجات العراقية، والتي اندلعت شرارتها الأولى قبل خمسة أيام، بتحرك شبان في مقتبل العمر، للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وفرص عمل متكافئة في بلد النفط الفقير، لتبين المطالب ذات السقف المرتفع وفرص الحل المتواضعة، مدى الهوة الكبيرة التي انزلقت إليها بغداد، بين طبقتين، الأولى، أقلية سيادية تتمتع بقوة وسلطة تحكم الفئة الكثيرة التي أعيتها الحرب ومخلفاتها، وأفقدتها حقوقها في موطنها، في حين أن الحكومة، التي مال جيشها لضرب المتظاهرين بيد من حديد، عادت في الخطوة التالية لتقديم بعض القرارات الإصلاحية الإسعافية منعاً لتطور الاحتجاجات، وطعماً في تحجيم انتشارها.
ومع تزايد أعمال العنف الدموية على مدار الأيام الأخيرة، وصل عدد القتلى من العراقيين، إلى ما يقارب الـ 100 قتيل، كما أصيب حوالي 4 آلاف متظاهر بجروح متفاوتة، خلال خمسة أيام من الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات عامة في البلاد
قرارات مخدرة
وللتخفيف من وطأة الاحتجاجات الحالية، أصدر مجلس الوزراء العراقي 17 قرارا، بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء العراقية “واع”، تسعى السلطات من خلالها إلى إيجاد حل للأزمة العراقية يرضي الشارع العراقي المنتفض، أملا بإنهاء الاحتجاجات، لكن معظم الشعب رأى القرارات الأخيرة ما هي إلا لعبة لإضاعة الوقت، ريثما تتم إيجاد طريقة لإسكات أفواه الغاضبين بالإجبار، وفق خبراء عراقيين.
البرلماني العراقي السابق، والخبير في العلاقات الدولية الدكتور “عمر عبد الستار”، يعتقد أن القرارات الصادرة من الحكومة العراقية، في وادي والمواطن المحتج في وادي آخر، وأشار خلال حديثه مع مرصد “مينا”، إلى أن هذه القرارات “غير واقعية وغير عملية ولا يمكن أن تعمل، وستزيد العجز في الميزانية العراقية”.
احتجاجات متجددة
كما أضاف “عبد الستار” قائلاً: “الآن قد خرج الشارع العراقي للمرة الثانية بمظاهرات تطالب التحسين بعد انتهاء تنظيم داعش، المرة الأولى كانت في 2018، ويتم إسكات المواطنين وقمعهم.
كما تم إحضار حكومة حشد، التي أصبحت الآن هذه الحكومة تمتلك نفوذ غير مسبوق سياسي وعسكري وأمني واقتصادي، وينتفض عليها الشارع الشيعي للمرة الثانية، وهو لا يطلب منها سوى إيقاف النار بحق المتظاهرين، هناك مجزرة، فأعداد القتلى بالمئات والمصابين بالآلاف، ولو كان عادل عبد المهدي رئيس وزراء حقيقي لقدم القتلى إلى القضاء، وأوقف إطلاق النار، فهؤلاء القتلى هم حقيقة ليسوا دواعش، وبوجودهم عادت داعش من جديد إلى العراق، وهم ميليشيات إيرانية، يقتلون الشيعة اليوم، كما قتلوا السنة بالأمس، و يقتلون المواطنين ضمن المحافظات الشيعية، بدلا من المحافظات السنية، وهذا اختلافهم عن الدواعش، وهذا ما قلته لمرصد “مينا” من قبل سيأتي صراع شيعي- شيعي، وسط الصراع الأمريكي- الإيراني.
عادل عبد المهدي.. ضعيف
عادل عبد المهدي لا يمتلك من الأمر شيء، بحسب وجهة نظر “عبد الستار”، حيث أكد أن “ما يقوم به المواطن العراقي الذي خرج للتظاهر، وما تمارسه السلطات ضده هو الذي سينتج حل إذا لقي دولي، أو استطاعت الحكومة أن تقف مع المتظاهرين ضد المليشيات الشيعية”.
في حين عقب الباحث العراقي “غانم العابد” أن “القرارات التي أصدرها “عادل عبد المهدي” تناقض التصريحات التي قالها قبل يومين عن الوضع المالي العراقي، والمشاكل التي تعترض البلاد، ونجد أن كل ما صدر من قرارات ما هو إلا محاولة لكسب الوقت”.
مضيفا خلال حديث خاص مع مرصد “مينا”: “نحن نتحدث عن وقوع أكثر من 100 قتيل خلال خمسة أيام، بحسب أرقام رسمية عراقية، وأكثر من 4 آلاف مصاب.
الحكومة.. عاجزة
لكن الحكومة، وفق الباحث، عاجزة ولا تملك أي حلول، كما أنها لم تتجرأ باعتقال حيتان الفساد، وكل ما يحدث هو عبارة عن حقن تخدير للشعب، لكسب المزيد من الوقت، ولن تتحقق وعودهم، فهم يبحثون عن طرق لإنهاء المظاهرات”.
وباعتقاد “العابد” أنه “إذا لم تنته الاحتجاجات فإن الطرف الإيراني سيحاول شيطنتها، وتحريفها عن مسارها، بإجبار المواطنين إلى حمل السلاح، من أجل الدفاع عن أنفسهم، مثلما فعلوا سابقا مع المظاهرات في المحافظات الغربية والشمالية”.
قرارات إصلاحية
تنص قرارات الحكومة العراقية على: “إعداد وتنفيذ برنامج وطني متكامل للإسكان، ليضم بناء 100 ألف وحدة سكنية، موزعة على محافظات العراق كاملة، ومنح الأولوية للمحافظات والمناطق ذات الأوضاع المعيشية المتردية بشكل كبير”.
إضافة إلى إعطاء منحة مالية لحوالي 150 ألف شخص من العاطلين عن العمل، الذين لا يمكنهم العمل لأسباب صحية، تقدر بـ 175 ألف دينار عراقي، لمدة ثلاثة أشهر، كمساعدة من الحكومة لتحسين أوضاعهم، فضلا عن متابعة توزيع 17 ألف شقة سكنية، لذوي الدخل المحدود في محافظة البصرة، خلال فترة وجيزة، مدتها شهر واحد فقط.
كما تضمنت أيضا فتح باب التقديم على الأراضي السكنية المخصصة لأصحاب الدخل المحدود وباقي فئات الشعب العراقي، وإنشاء مجمعات تسويقية حديثة “أكشاك” في مناطق تجارية في العاصمة بغداد وباقي محافظات العراق، وتوزيعها على أصحاب الدخل المحدود ممن لديهم أسباب صحية وغيرها.
وإعداد برنامج لتدريب وتأهيل العاطلين عن العمل، حيث تحتوي الفترة الأولى على تدريب 150 ألفا من الشباب الخريجين، وغير الخريجين، بالإضافة لصرف منح مالية خلال فترة التدريب البالغة 3 أشهر، مع منح الناجحين في تلك الدورات التدريبية قروضاً ملائمة، من شأنها أن تساهم في مساعدتهم لإنشاء مشاريع صغيرة أو متوسطة خاصة بهم
كما نص البند الأخير على أن، تفتح وزارة الدفاع العراقية باب التطوع للشباب الراغبين بالدخول في السلك الأمني، ممن تبلغ أعمارهم بين ” 18- 25 “، وستعمل وزارة الدفاع أيضا على إعادة جميع المتطوعين السابقين، المفسوخة عقودهم إلى رأس عملهم، في كافة المحافظات العراقية
وفيما يخص الضحايا والجرحى، ممن سقطوا خلال الاحتجاجات الدائرة رحاها في البلاد، فقد اعتبرت المتظاهرين والأجهزة الأمنية، ممن سقطوا شهداء، وشملتهم بالقوانين المعمول بها في العراق، حيث ستمنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة على ذلك، من تعويضات مالية وغيرها.
أما الجرحى، فقد أخذت وزارة الصحة على عاتقها، تقديم جميع الخدمات العلاجية اللازمة، للجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية وتوفير كامل الاحتياجات على نفقة الحكومة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.