مع قدوم إدارة أمريكية جديدة وتوجه سوريا نحو انتخابات رئاسية، يبدو حتى الآن أنها محسومة سلفاً لصالح رأس النظام السوري، “بشار الأسد”، تتزايد الأسئلة حول مستقبل الميليشيات الإيرانية في سوريا، لا سيما وأن روسيا لم تتخذ حتى اليوم أي إجراءٍ علني ملموس لإخراج تلك الميليشيات، بعد مرور أكثر من 5 سنوات على تدخلها العسكري المباشر في الحرب السورية لصالح النظام.
وكانت روسيا قد أعلنت صيف العام 2015، تدخلها عبر سلاح الجو الروسي في الحرب السورية، تحت مظلة محاربة الإرهاب، حيث تمكن النظام السوري منذ ذلك الوقت من استعادة السيطرة على معظم المدن والمناطق، التي كانت المعارضة تسيطر عليها بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
خطة جهنمية
تكشف مصادر من داخل النظام السوري، أن خروج إيران وميليشياتها من سوريا، مرتبط بخطة روسية وصفتها بـ”الجهنمية”، لافتةً إلى أن روسيا تعمل حالياً على إنشاء جيش سوري جديد يكون بديلاً عن جيش النظام السوري الحالي، وأن ما يعرف بالفيلق الخامس، هو نواة ذلك الجيش.
كما تبين المصادر أن النفوذ العسكري الروسي البري، يمتثل فعلياً بالفيلق الخامس، التابع مباشرةً لقاعدة حميميم الروسية، موضحةً أن الفيلق يمثل كياناً عسكرياً مسلحاً موازيا لقوات نظام “بشار الأسد” التقليدية.
يشار إلى أن قاعدة حميميم، التي تعتبر مقر القيادة العسكرية الروسية، قد أعلنت قبل سنوات عن تشكيل الفيلق، والذي ينتشر في عدة مناطق حيوية في البلاد، بينها مناطق البادية السورية ودرعا والقنيطرة، كما سبق لعدد كبير من مقاتلي المعارضة السورية الانضمام إلى الفيلق المذكور بموجب اتفاقات المصالحة المعقودة مع النظام برعاية من روسيا.
في السياق ذاته، تؤكد المصادر أن الخطة الروسية تسير بوتيرة متسارعة وأن الجيش الروسي يسعى لاستقطاب أكبر عدد من المتطوعين للانتساب إلى الفيلق، مؤكدةً أن روسيا تنظر إلى القوات التقليدية للنظام، وتحديداً الفرقة الرابعة، التابعة “لماهر الأسد” شقيق رأس النظام، على أنها تابعة للنفوذ الإيراني.
يذكر أن سوريا شهدت خلال الأشهر الماضية، عدة صدامات بين قوات تابعة للفرقة الرابعة وأخرى تابعة للفيلق الخامس، لا سيما في مدينة درعا جنوب بلاد، كان آخرها قبل أسبوعين، حيث اقتحمت كتيبة من كتائب الفيلق، والتابعة للقيادي السابق في المعارضة السورية، “أحمد العودة”، حاجزاً للفرقة الرابعة على أوستراد درعا – دمشق، واحتجزت عدداً من العناصر لعدة ساعات بعد اشتباكات مسلحة.
وتبين المصادر أن قوات النظام حالياً تقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول هو قوات النخبة التقليدية والتي يمثلها الفرقة والحرس الجمهوري، وهي تعتبر موالية لإيران، وقوات الفيلق الخامس والتي تعتبر موالية لروسيا، أما القسم الثالث، فهو القوات النظامية، والتي لا تشكل أي ثقل في المعادلة السياسية ومعادلة النفوذ، على حد قولها، لافتةً إلى أن الوجود الروسي حجم من دور الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في سوريا.
دروس العراق وأفغانستان
روسيا فيما يتعلق بالملف السوري، استفادت من درسين تاريخيين، الأول حربها في أفغانستان والثاني من الحرب الأمريكية في العراق، وفقاً لما يراه الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “محمد الحاج علي”، لافتاً إلى أن روسيا تسعى إلى تشكيل جيش سوري جديد بمواصفات جديدة، على أن يكون ذلك الجيش جاهزاً قبل حل الجيش الحالي أو على الأقل بعض القطع الاستراتيجية فيه.
كما يوضح “الحاج علي”: “كل العالم رأى خطأ الجيش الأمريكي بحل الجيش العراقي السابق، وما يعيشه العراق حالياً بسبب ذلك القرار، بالإضافة إلى أن حرب أفغانستان وما حصل فيها، دفعت روسيا إلى عدم المخاطرة بالوجود البري في سوريا، لذا فإن القرار الروسي على ما يبدو، هو عدم حل الجيش بشكل مباشر وإنما تشكيل الجيش الجديد بشكل تدريجي بحيث يكون ممثلا لنفوذها البري في سوريا”، لافتاً إلى أن مصالح روسيا في سوريا قائمة على ترسيخ الاستقرار وعدم انزلاق البلاد إلى السيناريو العراقي، خلافاً للمصالح الإيرانية.
وعلى الرغم من أن العلويين في سوريا أقرب إلى الروس من الإيرانيين، نظراً لعدم تبنيهم لنمط الحياة الدينية المفروض من إيران، إلا أن “حاج علي” يشير إلى وجود قلق روسي من ولاءات قوات النظام الحالية، خاصة في ظل وجود جناح مدعوم إيرانياً تمثله قوات النخبة في جيش النظام، معتبراً أن لحظة الانتهاء من تشكيل ذلك الجيش هي ذات اللحظة التي ستبدأ فيها روسيا بالضغط على إيران بشكل واضح لإخراجها من سوريا.
يذكر أن بعض التقارير الاستخباراتية قد ذكرت في وقتٍ سابق، أن روسيا تعهدت لإسرائيل والولايات المتحدة بالعمل على إخراج إيران والميليشيات المدعومة منها، مقابل السماح بالتدخل الروسي في سوريا، لا سيما وأن الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين” قد أجرى عدة زيارات إلى إسرائيل قبيل ذلك التدخل.
هيمنة عسكرية وموعد متوقع
السياسة الروسية في سوريا وكما يشرحها المحلل السياسي، “فتحي عبد الغني”، تقوم على ضرورة الهيمنة على المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى، دون أن يكون لها أي ولاءات أخرى، واصفاً قضية السعي الروسي لبناء جيش سوري جديد بالمنطقية والواقعية، خاصة وأن قوات النظام الحالية خضعت خلال السنوات الأولى من الثورة السورية لقيادة وخطط إيرانية، هندسها قائد فيلق القدس السابق، “قاسم سليماني”.
يشار إلى أن مصادر إيرانية قد كشفت في وقتٍ سابق، أن “سليماني” كان أول من زار “الأسد” بعد اندلاع الثورة السورية، وأكد له دعم إيران الكامل له، بالإضافة إلى كونه عراب التدخل العسكري الإيراني في الحرب السورية والقائد الأول للميليشيات هناك، قبل مقتله مطلع العام الماضي.
ويضيف “عبد الغني”: “من يتابع نشاطات وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف” واجتماعاته مع أطياف من المعارضة السياسية السورية، يستشف أن روسيا تسعى لتكون صاحبة الكلمة الأكبر وربما الوحيدة في شكل النظام في سوريا فترة ما بعد الحرب، طبعاً بما يتلاءم مع المتطلبات الدولية”، مشيراً إلى أن ذلك لا يمكن أن يحصل في ظل التركيبة الحالية لقوات النظام والانتشار الكبير للميليشيات الإيرانية.
كما يرجح “عبد العني” أن تحتاج روسيا إلى ما يتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام قادمة، حتى تتمكن من تطبيق خطتها، والبدء بالضغط على إيران للخروج من سوريا، مشدداً على أن ملف مدينة إدلب ليس هو السبب الوحيد، الذي يمنع روسيا من إخراج إيران من سوريا وإنما أيضاً شكل النظام الحالي ومؤسسته العسكرية.