المغرب
فرضت أزمة فيروس كورونا وانعكاساتها على المغرب، ضرورة معالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية في البلاد، بهدف تحقيق أكبر إمكانية من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية.. لتحقيق أهداف ورؤية الحكومة لتجاوز الأزمة الحالية وتداعياتها، هذا ما ألمحت به توجيهات خطاب العرش الذي ألقاه العاهل المغربي “محمد السادس” مؤخرًا.
الحكومة سعت لتنفيذ التوجيهات، فأنيط بوزارة الاقتصاد تحقيق استراتيجية شاملة تسمح بالوصول لتلك الغايات، لكن المفاجئة تمثلت بتأكيد الوزير المختص وجود جهات نافذة في الدولة تضع العصي في عجلات الخطط المنشودة وتمنع تحقيق خطوات الإصلاح.
استراتيجية ثلاثية
أوضّح وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المغربي، محمد بنشعبون، يوم أمس الثلاثاء، تفاصيل المرسوم المتعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “صندوق الاستثمار الاستراتيجي”.
“بنشعبون”، وخلال اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب، أكد أن اعتماد المشروع الجديد يأتي تنفيذًا للتعليمات الملكية الواردة في خطاب عيد العرش، الذي أشار إلى ضرورة إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي، وإطلاق إصلاح هيكلي كبير في المجال الاجتماعي، يتعلق أساسًا بتعميم الدعم الاجتماعي على كافة أفراد الشعب المغربي، بالإضافة لتسريع إصلاح القطاع العام.
وزير المالية والاقتصاد، وأمام أعضاء لجنة المالية بالغرفة الأولى البرلمانية، كشف عن ثلاث أولويات أساسية “فورية” تعمل على تفعيل كامل للتوجيهات الواردة في الخطاب الملكي، تتمحور حول تعميم التغطية الاجتماعية (التأمين الصحي)، وإصلاح القطاع العام ثم إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي.
إجراءات عملية
بيّن وزير الاقتصاد والمالية المغربي، أن العمل جار على التنزيل السريع للورشات المتعلق بتعميم التأمين الصحي الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب الجلوس، والذي سيمكن من تعميم التأمين الإجباري على المرض، والتعويضات العائلية، والتقاعد لصالح كل الأسر المغربية التي لا تمتلك تغطية اجتماعية صحية.
وأشار الوزير إلى أن الجدولة الزمنية لتفعيل تعميم التغطية الاجتماعية ستتم بشكل تدريجي خلال السنوات الخمس المقبلة، انطلاقاً من سنة 2021، وعلى مرحلتين؛ تمتد الأولى من سنة 2021 إلى سنة 2023، سيجري خلالها تفعيل التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، وتمتد المرحلة الثانية من سنة 2024 إلى سنة 2025 وسيجري خلالها تعميم التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
الخطوة الثانية المرتبطة بإصلاح القطاع العام، ستكون الأولوية فيها لمعالجة الخلل الهيكلي لمؤسسات الدولة بهدف تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية.. مع إحداث وكالة وطنية مهمتها التخطيط الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
وأكد “بنشعبون” أنه سيُتخذ ما يلزم من تدابير على المستويين القانوني والتنظيمي من أجل حذف المؤسسات والمقاولات العمومية التي استوفت شروط وجودها أو لم يعد وجودها يقدم الفعالية اللازمة. كما سيجري العمل على تقليص اعتمادات الدعم للمؤسسات العمومية وربطها بنجاعة الأداء.. بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الإصلاح الهيكلي العميق.
أما عن خطة الانعاش الاقتصادي، فقد أوضح الوزير المختص أنها تتضمن ” إجراءات أفقية تأخذ في الحسبان خصوصيات كل قطاع، بهدف مواكبة الاستئناف التدريجي لنشاط مختلف القطاعات وتهيئة ظروف إنعاش اقتصادي قوي في مرحلة ما بعد الأزمة”.
وأشار بنشعبون إلى دعم المجهود المالي الاستثنائي الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش عبر ضخ ما لا يقل عن 120 مليار درهم (12 مليار دولار) في الاقتصاد الوطني لدعم المقاولات، الصغرى والمتوسطة، عبر تخصيص 75 مليار درهم (7.5 مليار دولار) للقروض المضمونة من طرف الدولة بشروط تفضيلية لفائدة كل أنواع المقاولات الخاصة والعمومية، كما سيتم رصد مبلغ 45 مليار درهم (4.5 مليار دولار) لصندوق الاستثمار الاستراتيجي.
وأضاف “بنشعبون” أنه في إطار قانون المالية المعدل للسنة المالية 2020، رُصد مبلغ 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار) لهذا الصندوق من الميزانية العامة للدولة، ثم تعبئة 30 مليار درهم (3 مليارات دولار) في إطار العلاقات مع المؤسسات المالية الوطنية والدولية، وفي إطار الشراكة مع القطاع الخاص.
أهداف الحكومة ومخاوفها
أصرّ وزير الإقتصاد في معرض تفصيله البرلماني، أن هاجس الحكومة الأول، هو الحفاظ على فرص العمل، بعد الأثر السلبي لتداعيات جائحة “كورونا” على الاقتصاد الوطني وقطاعات الأعمال في البلاد.
وفي نظرة متخوفة، توقع الوزير أن تزداد مشكلة البطالة في المغرب بشكل أكبر خلال شهر أيلول سبتمبر المقبل، ملمحًا إلى أن مؤشرات ارتفاع عدد العاطلين بدأت تظهر من خلال المعطيات التي أعلنت عنها قبل أيام المندوبية السامية للتخطيط في البلاد.
وسبق أن أعلنت دائرة المندوبية السامية للتخطيط، أنه خلال القسم الثاني من سنة 2020، التي تميزت بانتشار جائحة “كوفيد – 19” وفرض حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي الشامل، تزايد عدد العاطلين بحوالي نصف مليون شخص، وتحديدا 496 ألف عاطل.
إصرار ضد العراقيل
في معرض نقاشه خطة إعادة هيكلة قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية في إطار إصلاح القطاع العام ، ألمح الوزير المغربي، أن أي إصلاح عميق في أي ميدان يُواجه “مقاومة”، لأن هناك “جيوب مقاومة” تعترض الخطط الحالية (في تلميح لرفض بعض الجهات إصلاح القطاع العمومي)..
بدوره، دافع وزير الاقتصاد والمالية، عن ضرورة إلغاء مؤسسات عامة ومقاولات باتت متجاوزة، مشددا على القيام بإصلاحات في هذا الصدد خدمة للصالح العام للبلاد.
مشيرا إلى أنه “بالنسبة لمناصب الشغل في مؤسسات الدولة التي سيتم التخلي عنها، فيمكن تدبير هذا الإشكال عبر إعادة انتشار الموظفين أو الوظائف التي تحدثها الدولة سنويًا”.
ليعود “بنشعبون” ويؤكد أن “البلاد اليوم في حاجة ماسة لأن يوضع كل درهم في مكانه المناسب”، معتبرًا أن الفرصة تاريخية لإصلاح القطاع العام بعد أزمة “كوفيد – 19” وفي ظل التوجيهات الملكية في هذا الصدد (ما يبعث برسالة تحدي من الوزير لما أسماهم جيوب المقاومة ضد الإصلاحات المرجوة).
صراع سياسي
اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل القنيطرة، رشيد لزرق، أن الوزير بنشعبون معني بشكل خاص بتنفيذ خطاب العرش، في إصلاح القطاع العام والعمل على مواجهة كل العراقيل في اتجاه إلغاء مؤسسات عمومية ودمج بعضها الآخر .
ليشدد الأستاذ الجامعي، في تصريحات لصحيفة ” العرب ” ، أن “ خروج بنشعبون للحديث عن معرقلين للإصلاح يؤكد أن هناك صراعًا سياسيًا ومصالحيًا يقوده جناح داخل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينتمي إليه الوزير، والذي بات مكشوفا من خلال موقفهم من قانون المالية التعديلي”.
في حين يرى مراقبون أن الملك المغربي كان واضحًا في خطاب العرش الأخير بتركيزه على إصلاح الإدارة كمحور أساسي في أي عملية تنموية تحتاج إلى تنقيتها من كل الشوائب التي تعرقل الإصلاح، وهذا يعزز تفعيل جميع القرارات التي جاءت في خطاب العرش الأخير.. وهذا ما جرى تنفيذه مؤخرًا مع إعفاء وزراء ومنع مسؤولين من تحمل أي مسؤولية مستقبلًا بعد فشلهم في إدارة شؤون مؤسساتهم وتغييب الحوكمة المناسبة.
اخوان المغرب يعرقلون
حملت تصريحات أستاذ السياسة المغربي، رشيد لزرق، تلميحات وإشارات لتورط بعض السياسيين في عرقلة إصلاح مؤسسات الدولة.. لكنه لفت في تصريحه مع ”العرب”، إلى أن هناك ” جناح ينتمي إلى لحزب العدالة والتنمية (إخوان المغرب) يعرقل بدوره، أي إصلاح إداري ومؤسساتي، لكون قرار اندماج المؤسسات العمومية سينعكس سلبًا عليهم كحزب حاكم، ويخسرهم مواقعهم في تلك المؤسسات من خلال إبعاد عناصرهم وذلك باستغلال قانون التعيين في المناصب العليا”.
في حين اعتبر مراقبون أن المؤسسات التي سيتم دمجها، مثلت ريعًا إداريًا استفاد منه عدد من الأشخاص و(بتغطية سياسية من أحزاب معينة)، الشيء الذي جعلهم يقفون في وجه أي إصلاح لأنه يهدد مكانتهم المادية والاجتماعية والإدارية أيضًا، كما تخدم مصالح البعض انتخابيًا وسياسيًا.