لم يجد العارفون ببواطن الأمور شيئاً مفاجئاً في وثيقة مبادئ المجموعة المصغرة التي سُرّيت قبل أيام في 13 سبتمبر/ أيلول 2018، على الرغم من أن كثيراً من السياسيين السوريين رأوا فيها تراجعاً جديداً وشديداً عن قرار مجلس الأمن 2254، فضلاً عن قرار مجلس الأمن 2118 وبيان جنيف1، هذا التراجع يتمثل في تجاهل هيئة الحكم الانتقالية وعدم التطرق إليها مطلقاً في أي مرحلة من مراحل التسوية السياسية المقبلة في سوريا، وهذا ما عده بعضهم تماشياً مع الحل الروسي فيها، فيما نراه توافقاً أمريكياً روسيا في الإطار العام منذ قرار مجلس الأمن 2254، وهذا ما أثبتته وثيقة مبادئ المجموعة المصغرة التي تتطابق في روحها وتتشابه في مضمونها وشكلها مع وثيقة اللاورقة (ورقة تيلرسون) التي توافقت عليها الدول الخمسة متشابهة التفكير التي صدرت في الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2018(1)[1].
يعلم العارفون أن تغيراً واضحاً في توجه المجتمع الدولي تجاه مسار السلام في سوريا قد حصل ابتداءً من ربيع 2017 وكانت أولى الخطوات العملية بهذا الصدد عندما أعلن السيد ستيفان ديمستورا الآلية التشاورية في مايو/ أيار 2017 ورُسخ هذا التوجه في لقاءات لوزان حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو. وكانت خلاصة هذا التوجه السير باتجاه الدستور أولاً ثم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
يستطيع القارئ لوثيقة المبادئ الحالية اكتشاف أن أهم أفكارها دستور ثم انتخابات.
تطرح الوثيقة منذ البداية أنها تلخص أهدافاً لأعضاء المجموعة يجري اتباعها فردياً وجماعياً، وترشد إلى كيفية التعاطي مع الأطراف الأخرى ذات الصلة كروسيا والأمم المتحدة وآخرين، سيتبين لنا لاحقاً أن ضمن المقصودين بالآخرين كلاً من الحكومة السورية وشخصيات معارضة لا كيانات، وهي ليست وثيقة عامة بل خاصة بالمجموعة، ولكنها تحمل معنى العموم نتيجة تحدثها عن مبادئ نرى أنها تعني المنخرطين في الشأن السوري جميعهم وتمثل في الحقيقة رؤية الولايات المتحدة وحلفائها للحل النهائي في سوريا.
أولاً: تتحدث الوثيقة عن أن أعضاء المجموعة يرون أن أهدافاً سياسية وشروطاً ضرورية لإقامة علاقات طبيعية مع الحكومة السورية المقبلة التي ستنجم عن العملية السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 لا بد أن تتحقق، وعليه فهم يسعون إلى حكومة سورية لا ترعى الإرهاب ولا تؤمن بيئة آمنة له، خالية من أسلحة الدمار الشامل بشكل موثوق، وتقطع علاقاتها مع النظام الإيراني ووكلائه العسكريين ولا تهدد جيرانها وتخلق شروطاً لعودة اللاجئين بأسلوب آمن وطوعي وكريم إلى منازلهم بإشراف الأمم المتحدة، وتلاحق مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وتعاقبهم، أو تتعاون مع المجتمع الدولي لإجراء ذلك.
واضح أن شروطاً كهذه تقتضي من الناحية العملية إسقاط النظام الحالي فمن المستحيل تنفيذ هذه الشروط في وجوده، فلا هو قادر على تنفيذها ولا هو راغب في ذلك، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن نظاماً كهذا يمكن أن يتخلى عن الإرهاب سلاحاً خفياً له وهو أكبر مولديه، وأن يجعل البلاد خالية من أسلحة الدمار الشامل وهو بحد ذاته أكبر سلاح تدمير شامل. أما قطع العلاقات مع النظام الإيراني فهذا مستحيل بعد أن أنقذوا رأسه مراراً وأصبح نفوذهم هائلاً في سوريا، ولم يعد يجرؤ على أن يطلب منهم هذا الطلب(2)[2].
أما عودة اللاجئين وفق شروط الأمم المتحدة فمن المستحيل عليه تنفيذها لأنها تقتضي تغييراً هائلاً في البنية الأمنية لنظامه وكف تسلط أزلامه على رقاب الناس، ويقتضي ذلك إعطاء الطمأنينة للاجئين كي يعودوا فلا بد من إجراءات تتعلق بالإفراج عن المعتقلين وضمان عدم التعرض للعائدين، أما أصعب نقطة فهي الأخيرة القاصمة لظهره، فكيف يحاكم كبار مجرميه ولولا إجرامهم لما بقي على كرسيه يوماً قط.
باختصار استهلال غير لطيف بالنسبة إلى النظام ومحض التفكير في تنفيذ هذه البنود سيودي به قطعاً في ظل إصرار المجموعة على التنفيذ إصراراً صارماً.
ثانياً: تتحدث الوثيقة عن وجوب تنفيذ العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة في متابعة القرار 2254، مؤدية إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة. وينبغي للعملية السياسية أن تنتج مساءلة وعدالة انتقالية ومصالحة وطنية حقيقية. وهذا يعني أن المجموعة لا توافق ظاهرياً على الأقل على أن تجري التفاهمات على الحل السياسي في مسار آستانة وأن ترسمه ترويكا الدول الثلاث (روسيا، تركيا، إيران)، على الرغم من أنه من الواضح أن الإصلاحات الدستورية تطبخ في هذا المسار وربما لا يكون لمسار جنيف إلا شرف التوقيع النهائي على الإصلاح الدستوري المرتقب.
تطرح هذه الوثيقة وربما لأول مرة بوضوح تام أن العملية السياسية لن تؤدي إلى هيئة حاكمة انتقالية بل تؤدي إلى إصلاحات دستورية وانتخابات في تراجع واضح عن معظم تفسيرات قرار مجلس الأمن 2254. وقد تجاوزت هذه الوثيقة أيضاً وربما بشكل متعمد البيئة الآمنة والمحايدة التي تسبق الانتخابات التي وردت في ورقة تيلرسين، وأكدها السيد ستيفان ديمستورا في مطالعته أمام مجلس الأمن في 18 من الشهر الحالي (أيلول/ سبتمبر).
ثالثاً: تتحدث الوثيقة عن غياب مساعدة دولية في إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية التي تغيب فيها عملية سياسية ذات صدقية تؤدي بشكل ثابت إلى إصلاح دستوري وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، من أجل إرضاء الدول المانحة المحتملة، وهذا يعني أنه من الممكن تقديم مشروعات دعم الاستقرار وربما إعادة الإعمار في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام وتخضع لنفوذ الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا وتركيا في شمال غرب سوريا، وقد أصبحتا منطقتين متجانستين، وهذا ربما يعطي انطباعاً أنه في ظل احتمال تأخر التوصل إلى حل سياسي ناجز خلال سنتين أو ثلاثة فقد يكون عملياً أن تقوم المنطقتان السالفتان بإدارة نفسيها كلياً بصلاحيات عالية لبضع سنوات ريثما ينضج في الأفق حل ديمقراطي عادل توافق عليه الدول ذات النفوذ.
رابعاً: تتحدث الوثيقة عن لجنة دستورية برعاية الأمم المتحدة وضبطها، وهي الآلية الملائمة لمناقشة الإصلاح الدستوري والانتخابات، والوصول إلى حل سياسي من أجل سوريا، وينبغي على الأمم المتحدة أن تشكل اللجنة الدستورية في أسرع وقت ممكن. ويفهم من هذا أن المجموعة الـ 5(+2) تستنكر رفض كل من روسيا(3)[3] وإيران لمقترح ديمستورا في ما يتعلق بالثلث الثالث المحايد الخاص بالمجتمع المدني الذي قدمه ديمستورا في لقائه مع دول الترويكا (روسيا، تركيا، إيران) في العاشر من هذا الشهر (أيلول/ سبتمبر).
والمجموعة تحث الأمم المتحدة على الإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية وعلى تجاوز محاولة التحكم في أعضاء اللجنة وآلية عملها ومخرجاتها من قبل روسيا وإيران وتركيا.
خامساً: وردت في هذه الفقرة جمل بالغة الأهمية والدلالة تقول (وإذ يجري تمييز اللجنة الدستورية بأنها يجب أن تبقى اختصاصاً حصرياً للأمم المتحدة، فإن المجموعة تشجع الأمم المتحدة على أن تؤمن انخراط القوى السياسية السورية المطلوبة جميعها لتفعيل الإصلاح الدستوري وتنفيذه وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، ولا سيما الحكومة السورية وممثلين عن شمال شرق سورية، وشخصيات المعارضة السورية الراغبة في الالتزام بحل يتوافق مع المبادئ الموصوفة هنا)، وواضح أن هذه الفقرة تنزع عن هيئة التفاوض السورية حق التمثيل الحصري للمعارضة السورية في اللجنة الدستورية(4)[4].
وتشير من طرف خفي إلى امتعاض المجموعة من سلوك هيئة التفاوض السورية المصر على الهيئة الحاكمة الانتقالية ورفضها ضمناً لفكرة الإصلاح الدستوري أولاً على الرغم من قبولها مخرجات مؤتمر الحوار السوري في سوتشي 30 يناير/ كانون الثاني 2018 وفي هذا تناقض واضح، ولهذا نرى أن ما سبق هو السبب في ورود جملة (وشخصيات المعارضة السورية الراغبة في الالتزام بحل يتوافق مع المبادئ الموصوفة هنا)، وجملة (وممثلين عن شمال شرق سورية) لا يمكن أن تفسر إلا برغبة المجموعة في إشراك مجلس سوريا الديمقراطية في اللجنة الدستورية ومن ثم يكون لهم دور مستقبلي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المطلوب إقامتها بإشراف أممي في 2021 وفق بعض التقديرات.
أما ما يتعلق بالبنود الآتية
سادساً: الهزيمة النهائية لداعش، ودعم استقرار المناطق المحررة من جانب التحالف الدولي وشركائه، هي عناصر ضرورية لحل سياسي في سوريا.
سابعاً: إنّ أي جهد لتخفيف الأزمة الإنسانية ولا سيما على طول الحدود مع الأردن والجولان وتركيا، بشكل يتسق مع المبادئ أعلاه ينبغي تشجيعه.
ثامناً: إن المجموعة المصغرة سوف تتخذ الخطوات الضرورية كلها لردع استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
فلا نرى فيها جديداً عما هو معهود في طروحات سابقة ترد فيها تلقائياً مثل هذه الجمل.
نلاحظ في القسم الثاني من الوثيقة التركيز بشكل أكبر على الإصلاح الدستوري والانتخابات فتقول: (إضافة إلى ذلك، فإن المبادئ الآتية ينبغي أن ترشد أعضاء مجموعة سوريا المصغرة في علاقتها مع الأمم المتحدة في ما يخص موضوع الإصلاح الدستوري وإجراء الانتخابات بإشراف أممي، وينبغي اعتبارها توصيات للمبعوث الخاص للأمم المتحدة في دوره بمراقبة العملية الدستورية). ويلفت الانتباه إلى اعتبارها هذه المبادئ توصيات للمبعوث الخاص السيد ديمستورا عليه أن يأخذ بها في دوره بتوجيه العملية الدستورية وليس محض مراقبتها وتيسيرها كما يرغب الروس.
فقرة الإصلاح الدستوري
- ينبغي تعديل صلاحيات الرئيس لتحقيق توازن أكبر بين السلطات من جهة، وضمانات استقلال مؤسسات الحكومة المركزية والإقليمية من جهة أخرى.
- ينبغي أن يقود الحكومة رئيس وزراء ذو سلطات قوية مع تحديد واضح للصلاحيات بين رئيس الوزراء والرئيس، رئيس الوزراء والحكومة يجب تعيينهما بطريقة لا تعتمد على موافقة الرئيس.
- ينبغي أن يتمتع القضاء باستقلال أكبر.
- يجب تنفيذ إشراف مدني على القطاع الأمني بعد إصلاحه، مع صلاحيات محددة بوضوح.
- ينبغي تخويل السلطات وجعلها غير مركزية بوضوح عالٍ، بما في ذلك على أساس مناطقي.
- يجب إزالة القيود على الترشيح للانتخابات، ولا سيما تمكين اللاجئين والنازحين وأولئك الذين جرى نفيهم من سوريا من الدخول في المنافسة الانتخابية بما في ذلك على منصب الرئاسة.
من متابعة ما سبق يتضح لنا أن هناك تفصيلات مهمة وضعتها المجموعة المصغرة لأول مرة بهذا الوضوح على الرغم من ورود ما يشبهها في ورقة تيلرسون، فقد بدأت بالدعوة إلى تعديل صلاحيات الرئيس شبه الإلهية لتحقيق توازن مفقود طوال حكم آل الأسد، وضمان استقلال مؤسسات الحكومة المركزية والإقليمية وهذه أول إشارة إلى رغبة المجموعة المصغرة في أن يكون نظام الحكم المقبل في سوريا نظاماً مختلطاً نصف رئاسي وهذا ما يتضح أكثر في البند الثاني الذي يتحدث عن قيادة الحكومة من رئيس وزراء ذي سلطات قوية وصلاحيات واضحة، ويكون تعيينه والحكومة بطريقة لا تعتمد على موافقة الرئيس أي على البرلمان، ما يعد نسفاً للنظام الرئاسي، وهذا الإجراء من أسس النظام المختلط، وكذلك النظام البرلماني.
تطرح الوثيقة أيضاً مبدأً عاماً يتعلق باستقلال القضاء الذي سحق في عهد الأسدين الأب والابن وأصبح الرئيس هو من يرأس مجلس القضاء الأعلى وبيده مقادير الحكم كلها.
نبهت الوثيقة إلى وجوب تنفيذ إشراف مدني على القطاع الأمني بعد إصلاحه، مع صلاحيات محددة بوضوح، وهذه الفقرة من الأهمية بمكان بسبب تغول السلطة الأمنية على كل ما سواها من سلطات حتى وصفها بعض السوريين بأنها السلطة الرابعة في سوريا إن لم تكن الوحيدة(5)[5].
إلا أن الفقرة الأكثر إثارة للجدل هي فقرة (ينبغي –بوضوح- تخويل السلطات وجعلها غير مركزية، بما في ذلك على أساس مناطقي)، إذ إن هذه الجملة يمكن أن تفسر على أنها دعوة نحو الفدرالية، وأن عدم تحديد اللامركزية بأنها لامركزية إدارية يجعل الأذهان تنصرف فوراً إلى الفهم بأن اللامركزية المقصودة هي لا مركزية سياسية، وهذا من الصعب الوصول إليه من دون توافقات كبرى في المجتمع السوري من شبه المستحيل تحقيقها حالياً.
نظن أن البند السادس مما تقدم المتعلق بإزالة القيود على الترشيح للانتخابات وتمكين من جرى نفيهم من سوريا من المشاركة فيها، هو تأكيد بند من أهم البنود التي يمكن من خلالها إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، وربما يفتح الباب أمام عودة المعارضة إلى ممارسة عملها من داخل سوريا بحماية المجتمع الدولي.
- فقرة الانتخابات بإشراف أممي
تتحدث عن:
- إطار انتخابي انتقالي يلبي المعايير الدولية متيحاً مشاركة عادلة وشفافة، لذلك فإن من المطلوب وجود جسم إدارة انتخابات متوازن ومهني.
- ينبغي على الأمم المتحدة أن تطور سجل ناخبين كاملاً وعصرياً وفق معايير متفق عليها تمكن السوريين جميعهم من المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات.
- تفويض رقابة أممية قوية منصوص عليها بقرار من مجلس الأمن مسخر لذلك، من أجل تمكين الأمم المتحدة من ضمان مسؤولية كاملة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا من خلال:
- تأسيس جسم إدارة انتخابات.
- نيات حسنة ودعم سياسي في إصدار التشريع الانتخابي.
- التحقق على نحو مستقل من أن تشريعاً انتخابياً انتقالياً وإطاراً تنظيمياً يلبي أعلى المعايير الدولية.
- دور في العمليات اليومية للإدارة الانتخابية الانتقالية، ومؤسسات الشكاوى الانتخابية.
- دور في صناعة القرار التنفيذي للجسم الإداري الانتخابي والتعامل مع الشكاوى الانتخابية.
- المصادقة على نتائج الانتخابات والاستفتاءات خلال الانتقال إذا لبّت الانتخابات المعايير المطلوبة.
ما سبق كله من إجراءات جيدة ومتماسكة ودور واضح للأمم المتحدة تؤدي حقيقة في حال تنفيذها إلى خسارة فادحة تزعج النظام السوري إزعاجاً شديداً وتشعره بالتوتر وتجعله يرفضها ولا يسمح بتمريرها طوعاً فقد تعود طوال عمره على تزوير الانتخابات واتخاذ أساليب رهيبة في التفنن والتلاعب بالمواطنين وتخويف المخالفين وقهر المعارضة درجة أن أكثر من سبعين في المئة من الشعب السوري لم يذهبوا إلى الانتخابات ولا لمرة واحدة في حياتهم قط.
لا بد لنا هنا أن نبدي بعض الملاحظات ونقارن بين هذه الوثيقة ووثيقة اللاورقة التي قدمتها الدول ذاتها في 23 يناير/ كانون الثاني 2018 التي بموجبها أعلن تشكيل المجموعة طارحة خريطة طريق للحل في سوريا كما تراه تلك الدول التي أطلقت على نفسها الدول متشابهة التفكير وكانت خمساً يومها (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والسعودية والأردن).
- أولى الملاحظات أن الوثيقتين كلتيهما قد قدمتا إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا السيد ستيفان ديمستورا والورقتين كلتيهما جاءتا رداً على طرح ترويكا دول مسار آستانة الراغبة في أن تقرر بمفردها طريق الحل في سوريا بدستور وانتخابات من خلال مسار آستانة وليس مسار جنيف حتى وإن عقدت جلسات اللجنة الدستورية في جنيف.
- الملاحظة الثانية أن الوثيقة الأولى في 23 يناير/ كانون الثاني كانت أوسع وأكثر شمولاً وضمت تدابير لبناء الثقة كملف تبادل السجناء والامتثال لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية، وتحدثت عن خلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا يمكن أن تجري فيها الانتخابات بما في ذلك الحملات الانتخابية من دون خوف من الانتقام والعمل على إدراج مسألة تصويت السوريين في الخارج، ما أعطى المعارضة السورية فرصة القول إن البيئة الآمنة والمحايدة هي ذاتها هيئة الحكم الانتقالية لأنه من المستحيل تحقيق بيئة آمنة ومحايدة من دون تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، بينما خلت الوثيقة الثانية من ذلك تماماً ما يمكن تفسير ذلك بأنه تراجع عن البيئة الآمنة والمحايدة.
- ثالث الملاحظات أن الوثيقة الأولى تتحدث عن استعداد أعضاء المجموعة الصغيرة للمساعدة في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي شامل صادق ومتفاوض عليه من قبل الأطراف السورية استناداً إلى قرار مجلس الأمن 2254 وعلى قيد تنفيذ بيان جنيف 2012 أي عند إنشاء بيئة محايدة تسمح بمثل هذا التحول. بينما خلت الوثيقة الثانية من هذا الاشتراط، وأوحت كما ذكرنا في بداية الدراسة إمكان إعادة الإعمار في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام في شمال سوريا ما جعل بعضهم يتكهن أنه ربما نرى سوريا الشمالية قريباً.
- الملاحظة الرابعة: أن الوثيقة الأولى كانت تصر على أن مناقشة الدستور لا بد أن تجري في مسار جنيف بينما بدا واضحاً في الوثيقة الثانية كما لو أن دول المجموعة المصغرة قد استسلمت لفكرة أن الطبخ في اللجنة الدستورية سيكون في مسار آستانة بينما الإخراج في جنيف وهذا ما يعطي أفضلية للدول الضامنة في مسار آستانة في تقرير مبادئ مهمة في دستور سوريا المستقبل وطريقة عمل اللجنة الدستورية واختيار أعضائها.
- الملاحظة الخامسة: تحدثت الوثيقة الأولى عن البرلمان والرغبة في أن يتكون من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من الأقاليم كافة للتأثير في عملية صنع القرار في الحكومة المركزية من دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان، وفي هذا إشارة إلى أن الميل باتجاه نظام فدرالي، بينما نرى أن الميل في الوثيقة الثانية إلى ما هو دون ذلك فهي تتجه باتجاه نظام نصف رئاسي ولامركزية غير واضحة المعالم قد يفسرها بعض المحافظين بأنها لامركزية إدارية محضة.
- الملاحظة السادسة: وردت في الورقة الأولى فقرة خاصة بعنوان العناصر التي تساهم في بيئة آمنة ومحايدة، ولقد ورد فيها أن إجراء انتخابات حرة ونزيهة یتوقف على تهیئة بیئة محایدة تشمل أموراً أخرى منها:
- مشاركة الأطراف السوریة الحقیقیة في عملیة مفاوضات جنیف وبخاصة في القضایا الدستوریة.
- الوقف الفاعل للأعمال القتالیة ورفع الحصار ووصول المساعدات الإنسانیة الكاملة من دون معوقات.
- تدابیر بناء الثقة وبخاصة في قطاع الأمن مثل الإفراج عن المعتقلین، وتقلیص حجم بعض الوحدات العسكریة والأمنیة ونفوذها وغیرها من التدابیر التي تضمن حیادیة الجهاز الأمني.
- انسحاب الملیشیات الأجنبیة والشروع في عملیة نزع السلاح والتسریح وإعادة الإدماج.
- الوصول وإصدار وثیقة الهویة الأصلیة ووثیقة حقوق الملكیة.
هذه النقاط كلها بالغة الأهمية نرى فيها اعتبار مشاركة الأطراف الحقيقية السورية في القضايا الدستورية (اللجنة الدستورية) جزءاً من البيئة الآمنة والمحايدة، وكذلك الوقف الفاعل للأعمال القتالية ووصول المساعدات الإنسانية من دون معوقات وهي من الأمور التي كان يرفضها النظام بشدة عندما كان يطالب بتنفيذ البنود الإنسانية الموجودة في قرار مجلس الامن 2254 ، وكذلك حيادية الأجهزة الأمنية وهذا يعني كف أيديها عن رقاب الناس، والإفراج عن المعتقلين ما يعني نزع هذه الورقة من المساومات التي يبتز بها النظام الشعب السوري ويقهره.
أما النقطة التي لا تقل أهمية عما سبق فهي نقطة وجوب انسحاب المليشيات الأجنبية والشروع في نزع السلاح وتسريح الشبيحة وإعادة الاندماج المجتمعي ومنهم الثوار في مؤسسات الدولة.
أما في ما تبقى من فقرات فتتشابه كثيراً وروحها واحدة ما يوحي أن الفروقات في ما بينها فروقات تكتيكية باستثناء فقرة عدم إيراد البيئة الآمنة والمحايدة في الورقة الثانية وهذا ما يدعونا إلى البحث والتقصي لمعرفة مقدار التغير الاستراتيجي الذي حصل في موقف مجموعة الدول الـ(5+2) إن كان هناك تغير، وهل هو اقتراب أكثر فأكثر من الفهم الروسي للحل في سوريا.
هوامش
[1] أنشئت مجموعة الخمسة وهي الدول متشابهة التفكير في أوائل عام 2018 وعقدت أول اجتماع لها في واشنطن وكان غير رسمي في 11 يناير/ كانون الثاني قبل الاجتماع الرسمي في باريس في 23 يناير/ كانون الثاني 2018، كان هدف المجموعة الرد على محاولة الروس الهيمنة على اللجنة الدستورية من خلال مؤتمر الحوار السوري الذي عقد في سوتشي في 30 يناير/ كانون الثاني 2018.
[2] اقترحت المملكة العربية السعودية على النظام السوري تطبيع العلاقات بينها وبين النظام السوري مقابل قطع النظام الصلة مطلقاً مع إيران، وبالطبع رفض النظام العرض ومن المرجح أن المملكة كانت تعلم أنه من المستحيل أن يقبل بهذا وأرادت إحراجه.
[3] ردّ المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة على السيد ديمستورا في جلسة مجلس الأمن 18 أيلول/ سبتمبر ووصفه بأنه محض ميسر وليس موجهاً في ما يتعلق بدوره في اللجنة الدستورية.
[4] كان لافتاً بيان هيئة التفاوض السورية الذي صدر يوم 18 سبتمبر/ أيلول الذي رحب بالاتفاق التركي الروسي حول إدلب وكان واضحاً فيه الهجوم شبه العلني على الولايات المتحدة والدول الغربية الذي رآه بعضهم رداً من هيئة التفاوض السورية على وثيقة الدول الـ(5+2) التي نزعت عن الهيئة حق التمثيل الحصري للمعارضة في اللجنة الدستورية.
[5] بعض شخصيات المعارضة في دراسته المختصرة للورقة، رأى أن الحديث عن إصلاح القطاع الأمني فقط هو تراجع عن مبادئ ديمستورا الـ12 التي يتحدث فيها عن إعادة بناء الأمن والجيش التي وافق النظام السوري عليها في مؤتمر الحوار في سوتشي.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.