وحدة دراسات التطرف والإرهاب بالمرصد
تقدير موقف
قامت منظمة الإغاثة الإسلامية ( فرع ألمانيا ) بعملية إصلاح وانتخاب لإدارة جديدة للمنظمة في إطار سعيها للنأي بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين وإثبات عدم ارتباطها بها، لكن ذلك لم يقنع الدوائر الحكومية الألمانية التي أوقفت تمويل مشاريع المنظمة، في خطوة قد يعقبها بحسب مراقبين وضع المنظمة تحت رقابة هيئة حماية الدستور (الاستخبارات) التي عادةً ما تخضع لرقابتها التنظيمات والأفراد الذين يمثلون خطراً كبيراً على الديمقراطية والقيم الأوروبية، ويهدفون إلى تقويض النظام السياسي.
معلومات استخباراتية حول شبهات تحيط بمنظمة الإغاثة الإنسانية!
هذه المعلومات جاءت بعد رد رسمي على طلب إحاطة برلمانية قدمتها كتلة الحزب الديمقراطي الحر المعارض، وجاء في الرد أيضاً أن للمنظمة المذكورة صلات شخصية مهمة بجماعة الإخوان المسلمين أو بمنظمات مقربة منها. وقالت الحكومة الألمانية إن منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، وهي فرع من منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية ومقرها برمنغهام البريطانية، لها صلات واسعة مع جماعة الإخوان المسلمين، حسب تقدير الجهات الأمنية.
في الوقت الذي نفت منظمة الإغاثة الإنسانية ذلك على لسان مديرها التنفيذي ” طارق عبد العليم ” بقوله: ليس لدينا أية صلاة مع جماعة الإخوان المسلمين. في الوقت نفسه قال النائب عن الحزب الديمقراطي الحر، أوليفر لوكسيك : ذهاب أموال دافعي الضرائب الألمان للإسلاميين فضيحة. ومن جانبه، قال خبير شؤون السياسة الدينية في الكتلة البرلمانية للحزب، “شتيفان روبرت”: إنَّ ردَّ الحكومة يدل على عدم استعدادها للتصدي لهذه المعضلة المُلحة. وبحسب البيانات، تحصلت المنظمة على هذه الأموال على نحو أساسي من وزارة الخارجية الألمانية، واستخدمتها في توفير إمدادات طبية للمواطنين في سوريا على وجه الخصوص. حيث حصل فرع المنظمة في ألمانيا – بحسب بياناته – على دعم لمشروعاته من الأموال العامة بقيمة ( 6.13 ) مليون يورو خلال الفترة من عام 2011 حتى عام 2015.
ولقد صرح وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر” قائلاً: من يدعم حماس تحت عباءة المساعدات الإنسانية، يستخف بقرارات أساسية في دستورنا تتعلق بالقيم. وأضاف: إن هذا يؤدي أيضاً إلى فقدان المصداقية في نشاط الكثير من المنظمات الإغاثية، التي تلتزم بالحيادية في ظل ظروف صعبة. وكانت الحكومة الألمانية قد كشفت في العام 2019 عن ارتباط وثيق بين فرع منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا وجماعة الإخوان المسلمين وبالتحديد حركة حماس الإسلامية التي تصنفها عدد من الدول العربية إرهابية.
هل منظمة الإغاثة الإنسانية ذراع لجماعة الإخوان المسلمين؟
ذهب دبلوماسيون أوروبيون إلى اعتبار منظمة الإغاثة الإنسانية الذراع المالية العابرة للحدود لجماعة الإخوان، التي تعمل في توظيف الأعمال الخيرية لتمويل أجنداتهم من حول العالم.
وتعد منظمة الإغاثة الإسلامية واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية الإسلامية في العالم، وتعمل في أكثر من أربعين دولة، لكنها تواجه في أغلب الدول الأوروبية اتهامات بتمويل الجماعات المتطرفة وارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين تحديداً. الأمر الذي ينفيه مسؤولو المنظمة عن منظمتهم. وتعتبر الإغاثة الإسلامية من أكثر المؤسسات التي تتلقى تمويلاً من دولة قطر، حيث تشير تقارير إلى حصول المنظمة على الملايين من الدولارات من قبل جمعية قطر الخيرية المرتبطة بالأب الروحي للجماعة الشيخ يوسف القرضاوي والذي يقيم في الدوحة.
وثائق إدانة أم وثائق باطلة؟
من خلال وثيقة للبرلمان الألماني مؤرخة في 15 أبريل / نيسان 2019، كشفت بأن منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا ترتبط بصلات وثيقة مع منظمات أجنبية، خاصة حركة حماس الفلسطينية. ووفق الوثيقة ذاتها، فإن الروابط بين منظمة الإغاثة الإسلامية، ومنظمة المجتمع الإسلامي ليست مؤسسية فقط، بل شخصية أيضاً، فإبراهيم الزيات، عضو الهيئة العليا لمنظمة الإغاثة الإسلامية، هو أيضاً رئيس مجلس الشورى التابع لمنظمة المجتمع الإسلامي، ورئيس هذه المنظمة سابقاً، ومحرك خيوط وأنشطة الإخوان في ألمانيا. وأضافت بأن منظمة الإغاثة الإسلامية ترتبط بالمنظمة الأساسية لجماعة الإخوان في ألمانيا، وهي منظمة المجتمع الإسلامي، وتعد منظمة الإغاثة الممول الأساسي لأنشطة هذه المنظمة.
إدانات في بلدان أخرى!
وكانت السلطات الروسية قد واتهمت منظمة الإغاثة الإسلامية بدعم الإرهاب في الشيشان عام 2005، وفي سنة 2012 أغلق العملاق المصرفي السويسري “يو.بي.أس” حسابات الإغاثة، وفرض حظراً على الهبات القادمة إليها من زبائنها، خوفا من تقارير تتهمها بتمويل الإرهاب، كما قام مصرف “إتش.أس.بي.سي” بالأمر نفسه سنة 2016.
وفي تونس أيضاً كشفت مذكرة مسربة صدرت مطلع العام الجاري، أعدت من جانب الهيئة التونسية للتحاليل المالية، أن تحقيقاً يجري في البلاد مع مسؤول مرموق في منظمة الإغاثة الإسلامية، على خلفية مخاوف من أن الأموال التي مُنحت للفرع التونسي من هذه المنظمة من جانب الفرع البريطاني لها، استُخدمت لتمويل نشاطات إرهابية محضورة في البلاد.
أما في فرنسا فقد نشرت صحيفة ( ذا إنفستيغيتيف جورنال – تي.آي.جيه ) البريطانية من جهتها تقريراً في 19 آب / أغسطس 2019 يقول بأن التنظيم الدولي لجماعة للإخوان المسلمين استطاع اختراق كيانات غير ربحية في البلاد عبر الدعم المالي لتلك المنظمات، وزرع قيادات من الإخوان بداخلها، للترويج للأدبيات الفكرية للجماعة.
تضييق الخناق على تحركات لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا!
قال خبراء أوروبيون أن تجفيف منابع التمويل؛ عامل محوري في ملف مكافحة الإرهاب والتطرف، ولقد أكدوا على ضرورة العمل بشكل عاجل على كشف العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات والمؤسسات الخيرية واتخاذ إجراءات وعقوبات دولية حاسمة ضدها. بالوقت الذي تسعى فيه دول الاتحاد الأوروبي إلى تضييق الخناق على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين المشبوهة ـ بحسب قولها ـ التي من شأنها أن تشكل تهديداً لاستقرار وأمن دول التكتل التي ضيقت الخناق على كل المنظمات ذات التمويل المشبوه في إطار حملة كبيرة لوقف تمدد هذه الجماعة المتطرفة. حيث طالب برلمانيون في جميع أنحاء أوروبا حكوماتهم بمراجعة العلاقة مع منظمة الإغاثة الإسلامية؛ وتضيق الخناق عليها.
برلمانيون أوروبيون يطالبون حكوماتهم بمراجعة العلاقة مع منظمة الإغاثة الإسلامية
في هذا الإطار كتب النائب البريطاني “إيان بيزلي جونيور” مؤخراً إلى وزير المجتمعات المحلية البريطاني “روبرت جينريك” قائلاً: على الرغم من أن الإغاثة الإسلامية تنفي أي صلات بجماعة الإخوان، هل يمكنك أن تطلب من لجنة المؤسسات الخيرية إجراء مراجعة عاجلة لجميع المؤسسات الخيرية المسجلة التي لها صلات بجماعة الإخوان، وهي جماعة محظورة في البلدان الحليفة للمملكة المتحدة، ونأمل في أن يجري حظرها هنا أيضاً. كما صرح النائب ” هورست زيهوفر ” قائلاً: من يدعم حماس تحت عباءة المساعدات يستخف بدستورنا.
وقالت صحيفة “التايمز” البريطانية إن أحد أعضاء منظمة الإغاثة الإنسانية؛ المدعو ” حشمت خليفة ” قد استخدم صفحته على فيسبوك لوصف حركة حماس بأنها “أطهر حركة مقاومة في التاريخ الحديث”. واعتبر أن تصنيف جناحها العسكري بالإرهابي “عار على كل المسلمين”. وأضافت الصحيفة أن أول مهمة مطلوبة من مجلس الأمناء هو التخلص من إرث خطاب الكراهية وضمان عدم صدور مواقف مماثلة في المستقبل من قبل الأعضاء. ولقد اضطر عضو أمانة المنظمة ” حشمت خليفة ” في آب / أغسطس الماضي إلى الاستقالة من رئاسة الهيئة المثيرة للشبهات، بعدما أثبتت الصحافة البريطانية بأنه أدلى بمواقف تحرض ضد اليهود وتؤجج خطاب التطرف، كون هذا الأمر يتعارض مع القانون الأوروبي، ويهدد أمن وسلامة المجتمع الأوروبي.
بالوقت نفسه طالب النائب السويدي “هانز وولمارك” الوكالات الحكومية بمحاسبة منظمة الإغاثة الإسلامية، في استجواب قدمه إلى “بيتر إريكسون” وزير التنمية في البلاد. كذلك قالت “كارين جامتين” الرئيسة التنفيذية لوكالة المعونة السويدية “سيدا”: إنها ستنظر في الاتهامات أثناء مراجعة عقدها مع منظمة الإغاثة الإسلامية.
منظمة الإغاثة الإسلامية تفشل في إثبات عدم وجود علاقة بجماعة الإخوان المسلمين!
فشلت منظمة الإغاثة الإسلامية التي تنشط في أكثر من 40 دولة حول العالم في إثبات استقلاليتها عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ما دفع الحكومة الألمانية إلى وقف تمويل مشاريعها. ويرى متابعون أن الخطوة الألمانية تفتح الباب أمام بقية الدول الأوروبية لمراجعة علاقاتها مع المنظمة التي تتخذ من العمل الخيري غطاء لخدمة أجندات تنظيمات الإسلام السياسي المعادية للديمقراطية والقيم الغربية.
ورغم قيام منظمة الإغاثة الإنسانية بإجراءات تنظيمية؛ وغيرت عدداً من أعضائها، لكنّ متابعين يستبعدون أن يحصل تغيير كبير في المنظمة، لأن الأشخاص الذين يتولون تسييرها والنشاط في صفوفها، ينتمون في أغلبهم إلى تنظيم الإخوان، أما العمل الخيري فمجرد واجهة لخدمة أجندات محددة مسبقاً.
ويبدو أن المنظمة باتت تحت مراقبة كل الوسائل والمؤسسات الأوروبية؛ وربما نشهد تجميداً لنشاطها أو في الحد الأدنى وقف دعمها المالي. خصوصاً بعد أن أشارت تقارير إلى أن محققي جهاز الأمن الأميركي “” ف. بي. آي ” وخدمة الإيرادات الداخلية ومكتب إدارة شؤون الموظفين جمعوا أدلّة على جرائم مرتبطة بـ” الإغاثة الإسلامية ” سنة 2016.