النظام البرلماني عمق الأزمة السياسية وغير التمدد الإخواني في تونس
تشهد تونس خلال الفترة الحالية دعوات من أجل التخلي عن النظام البرلماني والعودة إلى النظام الرئاسي.. حيث طفى على السطح مؤخرا عنوان جديد في الساحة السياسية وهو الجمهورية الثالثة.
وقد رجع عدد من المطالبين بعودة النظام الرئاسي هذا الأمر، كونه نتيجة طبيعية لما حصل طوال الفترات النيابية السابقة للبرلمان …حيث ربطوا فكرة تغيير النظام السياسي بما قاد إليه النظام البرلماني من حالة الفشل الحكومي، بسبب الخلافات السياسية بين مكونات الحكومة، وخاصة بالنسبة للحكومة الحالية، التي يرأسها “إلياس الفخفاخ”.
النهضة هيمنت على الحكم عبر البرلمان
وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية حقيقية، وبناء عليه فإن التغيير السياسي بات ضرورة ملحة حسب عدد من المحللين السياسيين ورجال القانون لأنه في ظل الوضع الراهن لا مستقبل لتونس. خاصة أن الشعب التونسي فقد الثقة في النظام الحالي، والطبقة السياسية تحمل النظام القائم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من فساد وتهريب وتعيينات مشبوهة وتقاسم غنائم وغيرها.
وتواتر الدعوات والمطالب من مختلف مكونات المجتمع التونسي يجعل حركة النهضة ومشروعها الإخواني في ركن ضيق بل ومغلق أيضا. حيث أن الحركة والتيارات التابعة لها متمسكة بالنظام البرلماني باعتباره يخدم مصالحها..
ويذكر أن مجلس شورى “حركة النهضة” كان قد ندد بشدة بما اعتبره “استهدافا لمؤسسة البرلمان ورئيسه”، معبّراً عن إدانته “لتشويه النواب وترذيل العمل النيابي”، بحسب البيان الصادر عنه.. وكان رئيس حركة النهضة “راشد الغنوشي” قد أعرب هو أيضا في وقت سابق، أن حركته لا تنظر إلى مسألة تغيير النظام الحاكم كأولوية سياسية..
وتعتبر حركة النهضة الإسلامية من أكثر المنتفعين من النظام البرلماني، لأنه بواسطته تمكنت من الهيمنة على الحكم ومن الظفر بمقعد رئيس البرلمان.. وارتباط مصالح حركة النهضة، ببقاء النظام البرلماني، يمكن تفسيره بأن البرلمان يساعد الحركة على الاستمرار في حكم تونس من خلال 400 ألف صوت تحصل عليها من بين 5 ملايين ناخب، وهو ما لم يستسغه باقي الأحزاب التي أفقدها تشتتها فرصة الحصول على الأغلبية داخل البرلمان..
اتحاد الشغل يتصدى للتمدد الإخواني
وتزايد الجدل القائم حول تغيير نظام الحكم، يتزامن مع إعلان اتحاد الشغل التونسي دعمه ضمنيا لإجراء استفتاء شعبي على تغيير النظام الحالي، حيث أطلق الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي دعوة رسمية لإجراء استفتاء حول طبيعة النظام السياسي في تونس الذي شكله دستور 2014. وأرجع الطبوبي دعوته لمراجعة النظام البرلماني إلى وجود أزمة سياسية حادة تعيشها البلاد، مع تنامي الصراعات بين مختلف مكونات المشهد، والتي لم تنتج سوى مزيدًا من التطاحن السياسي.
ونضيف على تفسيرات الأمين العام، أن دعوته تنطلق من الوعي بحدة الأزمة السياسية التي تسببت فيها حركة النهضة وأجنحتها المتطرفة، واستغلالها لهشاشة النظام السياسي لتكوين أجهزة سرية داخل البرلمان.
واتحاد الشغل الذي قاد “الحوار الوطني” في 2013 باقتدار سياسي، قادر في هذه المرة ايضا على إغلاق المنافذ أمام محاولات التمدد الإخواني في تونس.
خاصة وأن المنظمة النقابية تواجه حملات تشويه مجانية تقودها من وراء الستار حركة النهضة وذلك من أجل ترهيب قياداته.
وكان قيس سعيد قد وصف في خطابه بالجنوب التونسي النظام السياسي البرلماني بنظام المافيات الذي يصنع الفساد السياسي، كما أنه وصف راشد الغنوشي وحزبه بـ”الخائنين للأمانة”.
نظام لا يخدم إلا حركة النهضة
واعتبر أستاذ القانون الدستوري محمد حافظ سلطاني أن النظام البرلماني الذي يحكم تونس في صيغته الحالية لا يخدم إلا حركة النهضة الإخوانية التي تخشى وجود رئيس “قوي” وذو صلاحيات واسعة يستطيع فضح ممارساتها الإجرامية على حد تأكيده.
وأوضح أنه من غير المعقول أن تكون حركة النهضة، المنتخبة بـ400 ألف صوت فقط من مجموع 5 ملايين ناخب هي المتحكم في اللعبة البرلمانية والسياسية، مؤكدا أن تغيير النظام السياسي سيقلص من حجم الإخوان و سيزيد في عزلتهم سياسيًا.
وقال إن التنظيم الإخواني يراهن على ضعف مؤسسة رئاسة الجمهورية من أجل تمرير أجنداتها، وقد عجز، على حد رأيه، من اختراق قصر قرطاج في عهد الرئيس قيس سعيد.
لا تغيير للنظام في غياب محكمة دستورية
في المقابل يؤكد القاضي ورئيس المحكمة الإدارية سابقا أحمد الصواب أنه لا يمكن تقنيا تعديل الدستور في الوقت الحالي على اعتبار أن المحكمة الدستورية طرف أساسي في المسار وهي لم تتركز بعد. إذ ينص الفصل 144 على أن “كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور…ويتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثُلثيْ أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترحين. إلى جانب ذلك يتضمن دستور تونس فصولا تم التنصيص على أنه لا يجوز تعديلها تتمثل أساسا في الفصول التي تحدد دين الدولة ونظامها وباب الحقوق والحريات والفصل المتعلق بتحديد عدد الدورات الرئاسية..
وتابع الصواب أنه بالنسبة إلى الاستفتاء فلا يكون إلا في مشاريع القوانين أو بعد التصويت على تعديل الدستور، موضحا أن الفصل
82 ينص على أنه “لرئيس الجمهورية، استثنائيا، خلال أجل الرد، أن يقرر العرض على الاستفتاء مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان”.