هيئة التحرير
وصول رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، “مارك ميلي”، إلى اسرائيل لوضع الملف الإيراني على طاولة الحوار مع المسؤولين الإسرائيليين، يشير وفقاً لتقديرات العديد من المحللين السياسيين في المنطقة إلى انتقال فعلي للملف الإيراني من الساسة الأمريكيين إلى القادة الأمنيين، ما يعكس جدية أكبر في تعامل الإدارة الأمريكية مع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، على حد قولهم.
يقول المحلل السياسي، “بدر الدين سراج” لمرصد مينا: “تدرك إيران معنى زيارة ميلي إلى إسرائيل، خاصةً وأن تجربة الحرب الأمريكية على العراق، كشفت للمتابعين أن دخول القادة العسكريين على خط أي ملف من ملفات المنطقة، يعني أن الولايات المتحدة اتخذت قراراً حاسماً تجاه القضية موضوع البحث”، موضحاً أن هذا لا يعني أن عملاً عسكرياً وشيكاً سيكون ضد إيران أو الأراضي الإيرانية، وإنما هو بمثابة طلقات تحذرية من تصعيد عسكري قادم ضد المصالح الإيرانية في المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان.
وكانت الساعات القليلة الماضية، قد شهدت اقتراب مقاتلات أمريكية من طائرة ركاب إيرانية تابعة لشركة ماهان المقربة من الحرس الثوري الإيراني، أثناء تحليقها في الأجواء السورية.
حرب غير تقليدية وعمليات محصورة
تناول فكرة قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بإجراءات عسكرية ضد إيران، تضمن أيضاً شكل تلك الإجراءات في حال وقوعها، حيث أشار “سراج” إلى أنها لن تكون بمثابة عمليات عسكرية تقليدية، أو حرب تقليدية، وإنما ستكون بمثابة موجة من الغارات الجوية، التي ستركز على النشاط الحيوي لإيران في المنطقة، بالإضافة إلى تبني عمليات التخريب الغامضة للمنشآت النووية داخل الأراضي الإيرانية، مؤكداً على أن الرغبة الأمريكية في الحد من تأثير إيران في المنقطة لن يدفعها للمغامرة بحرب شاملة مع إيران، لما في ذلك من تأثير على أمن المنطقة والتجارية العالمية وأسعار النفط.
وشهدت إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقوع انفجارات غامضة في منشآتها النووي، والتي تزامنت مع تكثيف الطيران الإسرائيلي لغاراته وأنشطته ضد الميليشيات الإيرانية في كل من سوريا ولبنان.
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي، “بشير الدليمي”، أن الولايات المتحدة لن تقدم على أي هجوم مباشر داخل الأراضي الإيرانية، خاصةً وأن هذا النوع من الهجوم قد يدفع النظام الإيراني إلى استخدام ترسانته من الصواريخ بعيدة المدى سواء ضد اسرائيل أو القواعد الأمريكية أو حركة الملاحة في الخليج، لافتاً إلى أن الاقتصاد العالمي عموماً لا يحتمل في هذه الفترة المترافقة مع وباء كورونا وتأثيراته، أي هزة أو حرب قد تؤثر على حركة الملاحة وحركة ناقلات النفط.
وبحسب البيانات والمعلومات المتوفرة عن البرنامج الصاروخي الإيراني، فإن إيران تمتلك إيران واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، التي يتفاوت مداها بين 45 كيلومتراً إلى 10 آلاف كيلومتر، ما يعني أنها قادرة على الوصول إلى القارة الأوروبية وسواحل ألاسكا وأجزاء من آسيا.
أهداف محددة ورهانات واقعية
خلافاً لما شهده العراق عام 2003، يعتبر المحلل “الدليمي” أن أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل من أي تحرك ضد إيران، لا يستهدف كيانها أو استمرارية نظامها، وإنما يستهدف قوة تأثيرها في المنطقة وقطع أذرعها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2003، وهو ما يتفق عليه الناشط الإيراني المعارض، “رحيم مشائي”، الذي يشير في تصريحاته لمرصد مينا، إلى إمكانية وجود ما يشبه الاتفاق سواء أكان مباشر أو غير مباشر بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، يقضي بأن لا يصل أي تصعيد عسكري بينهم إلى العمق الإيراني، وأن تبقى مسالة النزاعات في مناطق سيطرة إيران في دول المشرق العربي.
كما يرى “مشائي” أن الرغبة بإسقاط النظام الإيراني إن وجدت لدى تل أبيب أو واشنطن، فإنها ستكون خطة على المدى البعيد، تعتمد بالجانب الأكبر على وقوع ثورة شعبية تطيح بالحكم بدلاً من القيام بعمل عسكري لا أحد يعلم إلى أين قد يجر المنطقة، مؤكداً أن التحركات الشعبية الأخيرة خلال السنوات الماضية، في إيران وقوتها عززت القناعة لدى المجتمع الدولي بأن الشعب الإيراني جاهز للانفجار، وأنه في لحظة معينة، سيكون على موعد لإطلاق ثورة عارمة تقتلع النظام وتحاسب أركانه.
وكانت الفترة الممتدة من مطلع عام 2017 وحتى اليوم، قد شهدت تصاعداً في الحركات الاحتجاجية الإيرانية، التي كان أعنفها وأقواها، بداية العام 2017 بالإضافة إلى تشرين الثاني من العام 2019، حيث شاركت كافة المدن الإيرانية بالحراك ضد سلطات النظام.
بناءاً على التحركات الإيرانية الأخيرة، وما تردد عن طلب وزير الخارجية، “جواد ظريف” من رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي”، بلعب دور وساطة لإقناع الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني، يؤكد “مشائي” أن النظام بدأ يرى جدية غير مسبوقة لدى الإدارة الأمريكية للتصدي لنفوذه في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن تلك التحركات والرسائل الدبلوماسية تعكس بشكل فعلي قلق النظام من ما هو آت، بالإضافة إلى أنه يعكس الحالة الصعبة، التي يمر فيها، بعيداُ عن التصريحات النارية الرنانة.
وسبق للمرشد الأعلى في إيران، “علي خامنئي” أن غرد على تويتر ملمحاً لاستعداد بلاده الحوار مع الولايات المتحدة والغرب، من خلال إشارته إلى الصلح الذي عقد بين الخليفة الأموي، “معاوية بن أبي سفيان” وبين الإمام “الحسن”.
ساحات المواجهة
قد لا يبدو من المستغرب أو غير المألوف، من جهة نظر المحلل السياسي “سراج”، أن تنحصر ساحات المواجهة العسكرية إن تمت، في سوريا والعراق ولبنان، على اعتبار أنها البلدان، التي تحتفظ فيها إيران بنفوذ عسكري كبير، إلى جانب أن بقاء تلك الميليشيات يشكل تهديد أمني لكل من تل أبيب وواشنطن.
كما يذهب “سراج” إلى التأكيد على أن حجم المواجهات على تلك الجبهات لن يكون بنفس الوتيرة، لافتاً إلى أنه من المرجح أن يكون لسوريا النصيب الأكبر من أي عمل عسكري ضد إيران، على اعتبار أن جود “الكاظمي” في العراق، يعتبر بحد ذاته ضربة للنفوذ الإيراني، وأن أي عمل عسكري أمريكي واسع ضد الميليشيات في العراق، سيضعف موقف الحكومة، التي بدأت فعلياً باتخاذ قرارات للحد من سطوة الميليشيات وإيران.
أما عن لبنان، فيوضح “سراج” أن الحالة الراهنة في البلاد لا تجعله قادراً على تحمل أي مواجهات عسكرية، بالإضافة إلى أنها ستقوي وتدعم موقف الحزب، الذي بدأ عملياً يفقد التأييد في الشارع، ويعتمد في قوته على سلاحه، الأمر الذي أيده المحلل السياسي “الدليمي”، على الرغم من ترجيحه أن يشن الجيش الإسرائيلي غارات دقيقة جداً ضد مناطق قوة حزب الله، دون تكرار سيناريو 2006.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن خلال الساعات الماضية، عن تعزيز قواته على الحدود مع لبنان، بالتزامن مع تكثيف حزب الله بتحركاته على الجانب اللبناني من الحدود.