بعد قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاده من انتخابات الرئاسة، يبدأ الرئيس الإيراني السابق، “محمود أحمدي نجاد” تنفيذ تهديداته، بكشف بعض التفاصيل الحساسة والمحدودة حول البرنامج النووي الإيراني ونتائج الهجمات على مجمع نطنز النووي، والحديث عن سرقة وثائق مهمة من منشآت إيرانية.
يقول المحلل السياسي الإيراني، “ميلاد هدايتي”، تعليقاً على تصريحات “نجاد”: “يبدو أن الابن الضال للمرشد الأعلى، بدأ معركته مع النظام بتسريب معلومات محدودة عن مسألة لا تمس جوهر النظام وشخصياته بشكل مباشر، على أمل أن يتمكن من الوصول إلى تسوية قد تعيده إلى الانتخابات، وفي إشارةٍ إلى امتلاكه الكثير من المعلومات، التي سيكشف عنها في حال فقدانه ذلك الأمل”، لافتاً إلى أن تلك التصريحات هي بمثابة رسالة تهديد أخرى للمرشد الأعلى، “علي خامنئي”، اكثر من كونها تنفيذاً للتهديدات السابقة.
يشار إلى أن “نجاد” قد كشف قبل أيام قليلة، أن الهجمات التي طالت مجمع نطنز النووي، تسببت بخسائر وصلت إلى 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى الكشف عن سرقة وثائق مهمة خاصة بالبرنامجين النووي والفضائي الإيرانيين، واصفاً الأمن الإيراني بأنه عصابة.
ليست سوى البداية فهو يملك الكثير
يؤكد “هدايتي” أن “نجاد” ومن خلال تهديداته خلق إرباكاً حقيقياً داخل النظام الإيراني، خاصةً وأنه تولى رئاسة البلاد خلال فترة حساسة جداً، تزامنت مع دخول المقاتلين المتشددين إلى العراق من أفغانستان مروراً بإيران، بالإضافة إلى اشتداد الأزمة النووية الإيرانية بشكل كبير وتعمق الأنشطة النووية الإيرانية خلال فترة حكمه، وتوغل إيران أكثر في الشأن اللبناني بعد خروج القوات السورية من هناك، واندلاع الثورة السورية عام 2011، واطلاعه على دور إيران داخل سوريا.
إلى جانب الملفات الخارجية، يلفت “هدايتي” إلى أن “نجاد” يمتلك كماً كبيراً من المعلومات عن أنشطة استخباراتية وانتهاكات وسجون وعمليات قمع تم ممارستها ضد ناشطين إيرانيين، إلى جانب اطلاعه على ملفات فساد كبرى في البلاد كفيلة بضرب رأس النظام الإيراني، كونه خلال فترة حكمه كان من المقربين جداً من “خامنئي” ومراكز أخذ القرار.
يذكر أن “نجاد” قد هدد المرشد بشكل فعلي ومباشر قبل إقصائه من الانتخابات، لافتاً إلى أنه سيكشف عن تجاوزات ارتكبها نجل المرشد والمرشح لخلافته “مجتبى خامنئي”، بالإضافة إلى الحديث عن مفاوضات سرية أجريت مع الجانب الأمريكي بضوء أخر من المرشد.
كما يعتبر “هدايتي” أن ما كشفه “نجاد” حتى الآن ليس سوى البداية، وأنه قد يكشف المزيد خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى أن “نجاد” في حال فقد الأمل في مصالحة مع النظام القائم، سيحاول أن يظهر بصورة البطل الشعبي الإصلاحي الرافض للفساد لتأمين قاعدة شعبية له تحميه من عمليات انتقامية من قبل أمن النظام الإيراني.
ويشير “هدايتي” إلى أن ما بجعبة الرئيس السابق، قد يكون كفيلاً بإشعال الساحة الإيرانية بشكل واسع، خاصةً وانه يتلقى تأيداً من مجموعة شخصيات إيرانية في التيار المتشدد، التي تم نبذها من قبل المرشد، موضحاً أن “نجاد” سيحاول الاستفادة من حالة الانقسام الحاصلة داخل النظام الإيراني وصراع الأجنحة المتشددة فيه ليبني جبهة مقابلة للنظام والمرشد.
وكان “نجاد” قد أبدى قبل أشهر مواقف أكثر انفتاحاً على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول المحيط العربي، بعد أن عرف عنه خلال فترة ولايته الرئاسية بالتشدد وتبني المشروع الإيراني والمبايعة الكاملة للمرشد.
علميات تطهير تمهيداً لما هو قادم
يرجع الباحث في الشأن الإيراني، “حسام يوسف” في تحليله لحالة الانقسام الحاصلة داخل النظام الإيراني والتيار المتشدد، إلى أسباب تتجاوز مسألة الاستبعاد من انتخابات الرئاسة أو هوية الرئيس المقبل، لافتاً إلى أن ما تشهده إيران حرب حقيقية بين طرفي سلطة، الفائز بها سيمحو الطرف الآخر من الوجود في المعادلة السياسية وربما من الحياة بشكل عام.
ويوضح “يوسف”: “تحديداً منذ مقتل قاسم سيلماني شهد النظام الإيراني هزة كبيرة على مستوى الاستقرار الداخلي، على اعتبار أن المرشد فقد يده الضاربة، ما فتح المجال أمام ظهور كيانات داخل السلطة وفرق ترغب في الحصول على مكانة أكبر داخل القيادة الإيرانية خاصة مع سوء الحالة الصحية للمرشد وتصاعد الحديث عن خليفته”، معتبراً أن سيطرة تيار غلاة المتشددين على اتنخابات مجلس النواب والعمل على إيصال رئيس منهم خلفاً “لروحاني”، ما هي إلا خطوة من المرشد تهدف إلى تشكيل جبهة موالية له من غلاة المتشددين، لا سيما في ظل محاولاته توريث الحكم لنجله “مجتبى”.
في ذات السياق، يرجح “يوسف” أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات حملة تطهير وإقصاءات واسعة ضد التيارات المعارضة للمرشد، بما في ذلك داخل التيار المتشدد، موضحاً: “الحملة لن تتوقف عند حد نجاد وإنما ستشمل الكثير من الشخصيات بينها حفيد مؤسس الجمهورية الإيرانية حسن خميني، الذي يعتبر منافساً قوياً لنجل المرشد الحالي، وربما تأخذ تلك التصفيات عدة أشكال بينها التصفية الجسدية غير المباشرة، كما حصل مع رفسنجاني، الذي توفي في ظروف غامضة، أو الاغتيالات المباشرة أو السجن أو التسريح من الوظيفة، فالمهم فهمه في الحالة الإيرانية، أن النظام يمر بمرحلة إعادة إنتاج نفسه”.
يشار إلى أن “حسن خميني” دعا إلى قبل ساعات قليلة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، على خلفية استبعاد مجلس صيانة الدستور لمجموعة كبيرة من المرشحين، مضيفاً: “لك الحق في التصويت، كما يحق لي اختيار من أريد، لا يمكنك أن تختار لي وتقول انتخب هذا!”.
رئيسي عراب الدم السائل في إيران
تعليقاً على ما يجري في إيران، يحذر المحلل السياسي، “مهدي رسولي” من أن وصول رئيس السلطة القضائية، “إبراهيم رئيسي” إلى السلطة، يعني ان البلاد ستكون على موعد مع بحر من الدماء، لافتاً إلى أن “رئيسي” معروف في الأوساط الإيرانية بأنه أحد أعمدة إصدار أحكام الإعدام وشحصية دموية شاركت في الكثير من التصفيات ضد المعارضين للنظام.
كما يشير “رسولي” إلى أن “رئيسي” يعتبر حالياً أحد أبرز المرشحين الحاصلين على دعم “خامنئي” ما يقربه أكثر من الفوز بالرئاسة، لافتاً إلى أن المرشد قد يعتمد عليه إلى حد بعيد في حملة التطهير المحتملة ضد معارضيه داخل النظام، تحديداً مع جهوزية الكثير من رجال الدين المتشددين لإصدار فتوى تكفير ضد من يعارض أوامر المرشد.
وكان والدة زوجة “رئيسي”، وممثل المرشد في محافظة خراسان، “أحمد علم الهدى” قد شن قبل أيامٍ قليلة هجوماً قوياً على الداعين لمقاطعة الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة، معتبراً أن كل من يقاطع الانتخابات أو يمتنع عن المشاركة بها قد خرج عن الإسلام.