فلسطين
تشهد حالات الانتحار في صفوف الشباب والفتيات في غزة ارتفاعاً متزايداً وملحوظاً منذ بداية العام الحالي، إذ وصلت أعداد الحالات المنتحرة من كلا الجنسين ما بين أعمار 18 – 30 عاماً ما يقرب عن 30 حالة، وهذه ليست إحصائية رسمية فالعدد أكبر من ذلك، ولكن بحسب أحد الأطباء العاملين في وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، والذى فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية قال لـ”مرصد مينا”: إن هناك غموض وتكتم على الأعداد الصحيحة للحالات المنتحرة في غزة، فهناك عشرات الحالات المنتحرة شهرياً، وسبب عدم وجود إحصائية دقيقة تعود لفرض حماس، والتي تبسط سيطرتها على غزة منذ عام 2006 قيود صارمة على المستشفيات، لمنع تسريب أي معلومات حول الحالات المنتحرة الواردة إلى المشافي أو حتى حالات الأخطاء الطبية التي تقع داخلها.
التعذيب داخل السجون
فلا يكاد يمر شهر إلا ويسمع أهالي غزة عن حالة انتحار هنا وهناك، بينما تتنوع طرق الانتحار بين الحرق وتناول السم، والسقوط من علو والشنق وإطلاق النار، وذلك بحجة الأوضاع الاقتصادية والنفسية التي يعانون منها في ظل الفقر والبطالة التي يعاني منها القطاع منذ سنوات، فيما شهد قطاع غزة أحداثاً مأساوية خارجة عن الدين والعادات، وبانتحار عدد من الأشخاص خلال الأشهر والأسابيع الماضية، مما أعطى مؤشراً خطيراً على الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، الذين يعانون من تردي في مناحي الحياة كافة، جراء الحصار الإسرائيلي وتشديد حماس الخناق على سكان القطاع، وملاحقة عدد كبير من الشباب على اختلاف توجهاتهم السياسية وتعريضهم للإهانة والتعذيب داخل سجونها.
وأفاد مركز «الضمير» لحقوق الإنسان في غزة، بأن ما لا يقل عن 21 شخصاً قضوا انتحارا، فما لم تتوفر لدى المركز إحصائية حول الحالات التي حاولت الانتحار، مع إشارة المركز إلى أن عوامل الانتحار كانت مختلفة من حالة لأخرى، إذ تراوحت غالبيتها ما بين الفقر والحصار إلى جانب مشكلات اجتماعية ونفسية.
وتشير إحصائيات الاتحاد الأوروبي، إلى أن الحصار والهجمات الإسرائيلية بين الفينة والأخرى التي يتعرض لها القطاع، أدت إلى إضعاف الاقتصاد المحلي للحد الذي بات معه نحو مليون شخص أي حوالي 80 في المئة من إجمالي سكان غزة، يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة سواء من الأونروا أو مؤسسات الإغاثة الدولية، كما بينت الإحصائية إلى أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذت للحد من تفشي وباء كورونا، فاقمت الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، وأدت إلى فقدان ما يربو على 26 ألف شخص وظائفهم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وهو ما عكس سلباً على نفسية الذين فقدوا فرص عملهم.
الفقر والبطالة والحصار
بدوره قال مدير مركز «الضمير» لحقوق الإنسان، خليل أبو شمالة، في تصريحات لـ”مرصد مينا”: إن «حالات الانتحار التي حصلت في قطاع غزة بالآونة الأخيرة، لم تكن مرتبطة بسبب واحد أو عامل أوحد، بل كانت لكل حالة خصوصية معينة، إذ أن عوامل الانتحار متعددة وغير مرتبطة فقط بمشكلة الفقر والبطالة والحصار الإسرائيلي، في حين إن الأسباب والدوافع في قطاع غزة التي تدفع الشباب نحو الانتحار تعود إلى ظروف تختلف عن الظروف التي تحدث في بلدان الشرق الأوسط، منها دوافع سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، كون قطاع غزة يعيش في معاناة دائمة ومستمرة، وما نتج عنه من تغييب خطط لتعزيز دور الشباب وضعف الخدمات المقدمة لهم.
وأشار «أبو شمالة» إلى أن ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، «تعتبر أحد الأسباب التي كانت وراء إقدام بعض الحالات على الانتحار مؤخراً»، مشيراً إلى أن الفقر لم يكن السبب الوحيد في ارتفاع أعداد حالات الانتحار، إذ أن هناك مشكلات اجتماعية ونفسية، كانت وراء إقدام بعض الحالات على هذا الفعل.
وذكر أن الفقر والبطالة والحصار، ولدت آفات اجتماعية ونفسية كبيرة لدى الناس في قطاع غزة، مستشهداً بارتفاع معدلات الطلاق في صفوف الشباب الذين يتزوجون مبكراً، نتيجة الظروف المعيشية السيئة، مشيراً إلى أن الفقر والبطالة خلقت أعباء كبيرة على كاهل الناس، وولدت مشاكل اقتصادية ونفسية واجتماعية.
خيار الهجرة
من جهته قال المختص في علم النفس والاجتماع د. مصعب الشوربجى، إن الأسباب والدوافع في قطاع غزة التي تدفع الشباب نحو الانتحار تعود إلى ظروف تختلف عن الظروف التي تحدث في بلدان الشرق الأوسط، منها دوافع سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، كون قطاع غزة يعيش في معاناة دائمة ومستمرة منذ الانقسام الفلسطيني قبل ثلاثة عشر عاماً، وما نتج عنه من خطط لتغييب دور الشباب وضعف الخدمات المقدمة لهم.
وبين «الشوربجى» خلال حديثه مع “مرصد مينا”: إن «واقع الشباب يشهد منحنى خطيراً يزداد سوءاً عاماً بعد عام، بسبب الأوضاع السياسية وما يترتب عليها من انهيار اقتصادي، إذ تزداد نسبة البطالة بين الخريجين والخريجات خاصة وأن الشباب اعتادوا في الإقبال على التعليم، أما بالنسبة للمشاريع الخاصة فلم تعد كافية، لأنه في ظل الوضع الحالي فإنها تواجه مخاطر الفشل، بالتالي وجد الشباب أنفسهم أمام خيار الهجرة من قطاع غزة، والتي ارتفعت بشكل كبير، من أجل البحث عن فرص حياة أفضل، اللافت هنا أن من يهاجرون هم من أصحاب الكفاءات العلمية الذين فقدوا حقهم في الحصول على فرص عمل تليق بمستوياتهم العلمية.
الموت غرقاً
وأشار إلى أن معالجة آفة الانتحار تتطلب تضافراً لجميع الجهود في المجتمع، مشيراً إلى أن أول خطوة لمواجهة تلك المشكلة، تتمثل في معرفة الأسباب التي تدفع بعض الحالات للانتحار، وعليه يكون وضع أجندة عمل واضحة وبناء إستراتيجيات صالحة لمواجهة مشكلة الانتحار.
ويقود الواقع الاقتصادي الصعب من جهة، والحصار الإسرائيلي من جهة أخرى، اللذان يلقيان بظلالهما السلبية على الشباب الفلسطيني، من خلال انعدام الثقة بالنفس والمستقبل المجهول والخوف من العجز للتفكير بالانتحار، فيما لجأ ألاف الشبان للهروب من واقعهم وخوض مغامرة الموت، علهم يجدون حياة كريمة لهم في دولة أوروبية، متنقلين من دولة إلى أخرى، والكثير منهم وقعوا ضحية المهربين ولقوا حتفهم بين أمواج البحار وبعضهم ما يزال مصيره مجهولاً، وتوفي عدد من الشباب خلال محاولة وصولهم لأوروبا، وكان من هؤلاء الشباب الدكتور وائل الشيخ من مدينة غزة، والذى ترك مهنته في غزة واتجه للهجرة نحو أوروبا، بعد تعذيب تعرض له في سجون حركة “حماس”، ولكن توفى نتيجة غرقه في تركيا أثناء محاولة الهروب نحو اليونان.