تتنافس الدول فيما بينها للحفاظ على شعبها، وللحفاظ على منظومتها الصحية من الانهيار أمام الوباء العالمي كوفيد-19، في الوقت الذي تسعى فيه الدول العظمى جاهدةّ للوصول إلى دواء يقضي على المرض أو حتى يخفف آثاره، وبينت دراسات عديدة أن نيوزلندا احتلت المرتبة الأولى في طريقة علاجها للوباء.
يرى المعلق أوري فريدمان في مجلة “ذي أتلانتك” أن رئيسة وزراء نيوزلندا قد تكون أفضل زعيمة على وجه البسيطة، فنهجها في محاربة فيروس كورونا لم يؤدي لتعاطف شعبها معها فقط، ولكنه وضعها على طريق النجاح ضد الفيروس أيضاً.
ويرى الكاتب أن فيروس كورونا كان امتحانا للقيادة السياسية بطريقة لم يشهدها العالم. فكل زعيم يواجه نفس التهديد، وكل واحد منهم يرد بطريقة مختلفة، بأسلوبه أو أسلوبها الخاص، وسيكون الحكم على كل واحد منهم بالنتائج التي سيحققها في مواجهة الفيروس.
قررت رئيسة الوزراء النيوزلندية جاسيندا أردرن (39 عاما) المضي في طريقها الخاص، وهو قائم على التعاطف في الأزمة التي تجعل الناس يدافعون عن أنفسهم. ورسائلها واضحة ومتناسقة ومتتالية وحكيمة وملطفة، ولا يتردد صدى طريقتها مع شعبها على المستوى العاطفي ولكنها تترك آثارها المذهلة، وتقول هيلين كلارك، رئيسة الوزراء في نيوزلندا في الفترة ما بين 1999- 2008، إن الناس يشعرون أن أردرن “لا تلقي المواعظ عليهم بل تقف معهم”.
وبدأت رئيسة الوزراء الحالية مسارها السياسي بالعمل مع كلارك أثناء فترة حكمها التي أضافت قائلة: “قد يقولون إننا لا نفهم لماذا فعلت الحكومة هذا ولكننا نعرف أنها تدعمنا، وهناك ثقة بها لأنها تتعاطف معهم”، وتقول كلارك إن السمة البارزة لدى رئيسة الوزراء الحالية أنها “تعرف كيفية التواصل” حيث حصلت على شهادة في علم الاتصال و”هذه أزمة تصنع أو تهزم القادة وهي التي ستصنع جاسيندا”.
وواحدة من إبداعات أردرن هو “الحوارات الحية على فيسبوك والتي تجمع بين الحوار الرسمي وغير الرسمي، ففي حوار تم نهاية آذار الماضي، حيث كانت نيوزلندا تحضر للإغلاق العام ظهرت في قميص مهترئ ببيتها بعدما وضعت ابنتها الصغيرة للنوم وبدأت تتحدث عن التحضير للحبس في المنزل، وشرحت بتعاطف عن الخوف من صوت البوق الذي أعلم كل النيوزلنديين بأن الحياة العادية التي يعرفونها قد انتهت ولو بشكل مؤقت، وتحدثت للنيوزلنديين عن مفاهيم مساعدة في عملية الجلوس بالمنازل مثل التفكير “بالناس الذين سيظلون معكم بشكل دائم ولفترة طويلة من الزمن” وكأنهم “فقاعة” و”التصرف وكأنكم مصابون بكوفيد-19″، باتجاه الناس الذين يعيشون خارج الفقاعة، وبررت السياسات الحادة بمثال: يجب على الناس البقاء في أماكنهم، فماذا سيحدث لو قادوا سيارتهم لمكان بعيد وتعطلت السيارة؟
وقالت إنها كأم تعرف شعور الآباء الصعب عند تجنب ملاعبة الأطفال، ولكن الفيروس يمكنه العيش على السطح لمدة 72 ساعة، وتوقعت استمرار الإغلاق لعدة أسابيع وزيادة حالات الإصابة في الوقت الذي بدأ النيوزلنديون يحبسون أنفسهم في البيوت، وبسبب الطريقة التي يتصرف فيها الفيروس “فلن نرى المنافع الإيجابية للجهود التي بذلت إلا بعد 10 أيام”.
وفي الوقت الذي تدير فيه أردرن سلسلة من اللقاءات الرسمية اليومية مع كبار المسؤولين والصحافيين إلا أنها تترك لمستها الشخصية على هذه اللقاءات والإيجازات، وتقول كلارك: “يقدم ترامب إيجازاته اليومية لكن ما يقدم هنا عرض مختلف”، فلم يحدث أبدا أن هاجمت صحافيا لأنه تجرأ وسأل سؤالا، في إشارة إلى مؤتمرات الرئيس الأمريكي الصحافية وصراخه المستمر على الصحافيين. وعندما نسي صحافي السؤال الذي يريد طرحه عليها، علقت مازحة أنها قلقة من عدم حصوله على مزيد من الراحة.
ويرى فريدمان أن طريقة أردرن مثيرة للاهتمام فسياساتها لم تكن تهدف لتسطيح المنحنى كما فعلت معظم الدول بل القضاء عليه وهي في الطريق لتحقيق هذا. فعمليات الفحص واسعة ولم يعان النظام الصحي من مشاكل وزادت الحالات في بداية نيسان الحالي.
ومات 12 شخصا نتيجة لكوفيد-19 من سكان يبلغ تعدادهم 5 ملايين نسمة. وكان بإمكان نيوزلندا وهي مجموعة من الجزر في جنوب المحيط الهادئ رد الفيروس.