لا شيء يثير الجدل حالياً في إيران أكثر من اسم “إبراهيم رئيسي”، الذي من المقرر أن يعتلي منصة السلطة التنفيذية مطلع آب القادم، خلفاً للإصلاحي “حسن روحاني”، خاصةً وأن “رئيسي” يعتبر رئيس استثنائي في تاريخ الجمهورية نظراً لنفوذه وتحركاته داخل ممرات الدولة العميقة في إيران.
المثير للجدل في فترة حكم “رئيسي” المقبلة، وكما يراه المحلل السياسي، “ميلاد هدايتي” ليس منافسته على كرسي مرشد، بقدر ما هو حجم التحديات التي تنتظره منذ أول يوم من حكمه، والتي قد تكون عاملاً مهماً في إمكانية خلافته للمرشد، إذا ما نجح في تخطيها.
مصادر إيرانية كشفت في وقت سابق لمرصد مينا عن زيارة قام بها عدد من أركان الدولة العميقة في إيران من ضباط في الحرس الثوري ورجال أعمال وسياسيين “لرئيسي” عام 2017، أعربوا له خلالها عن دعمهم له في خلافة “خامنئي”.
قضية متوارثة وتفاؤل محاط بالتهديدات
أولى التحديات أمام “رئيسي” ووفقاً “لهدايتي” تتمثل في قدرته على الاحتفاظ بالتقدم، الذي حققته إدارة سلفه “حسن روحاني” على مستوى المحادثات الخاصة بالملف النووي الإيراني، معتبراً أن ما حققه “روحاني” في هذا الملف يمكن وصفه بأكثر المراحل تقدماً بين جميع الحكومات السابقة، لا سيما وأنه وصل إلى مرحلة قبول عام أمريكي بشطب العقوبات المفروضة على إيران والخاصة المتعلقة بالأنشطة النووية.
ويضيف “هدايتي”: “هنا السؤال المهم، إلى أي مدى سيتمكن رئيسي، الذي يتمتع بسمعة سيئة في الغرب بسبب الملف الحقوقي والإنساني، من الاحتفاظ بإرث روحاني التفاوضي مع الغرب، وهو ما أستبعده على اعتبار أن الغرب حتى وإن تعامل مع حكومة رئيسي فإنه سيتعامل بتحفظ شديد بسبب ما يلاحقه من اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال عمله وتزعمه للسلطة القضائية في إيران”، لافتاً إلى أن الغرب كان ينظر بشيء من الارتياح للتعامل مع “روحاني” ووزير خارجيته “ظريف” بعد اغتيال “قاسم سليماني”، على الرغم من إدراك المجتمع الدولي لحقيقة أن القرار الإيراني النهائي بيد المرشد.
كما يلفت “هدايتي” إلى أن التاريخ الدموي “لرئيسي” سيضع المنظومة الغربية أمام خيار التمسك على الأقل بالعقوبات المتعلقة بملف حقوق الإنسان، مشدداً على أن الغرب سيستكمل التفاوض مع النظام الإيراني بفعل ضغط عوامل الأمن والاستقرار العالميين وليس لقبولها واعترافها برئيسي.
إلى جانب ذلك، يرى “هدايتي” أن الفشل يحوم حول “رئيسي” في أولى التحديات قبل حتى أن يبدأ مهامه أو أن يدخل القصر الجمهوري كرئيسٍ للجمهورية.
ملف اليمن والعلاقات مع دول الجوار
ليس بعيداً عن الملف النووي والتهديد الأمني الإيراني، يظهر ملف العلاقات مع دول الجوار، ومدى قبول تلك الدول للتعامل مع رئيس يعتبر من غلاة المتشددين، وفقاً لما يقوله الباحث في شؤون الخليج والشرق الأوسط “حامد المصطفى”، لافتاً إلى أن العلاقات مع السعودية ستكون حجر الزاوية في هذا الملف.
يقول “المصطفى”: “مكانة السعودية الدينية والقومية تجعل كافة العلاقات المبينة في المنطقة قائمة على أساس ضمان أمنها وسلامة أراضيها، وهنا تظهر صعوبة تحرك القيادة الإيرانية في تحسين علاقاتها مع دول الجوار العربي وحتى الإسلامي، كونها ترعى الهجمات الحوثية، التي تستهدف الأراضي السعودية”، مشيراً إلى أن “رئيسي” مطالب باتخاذ خطوات حسن نية ملموسة تجاه السعودية وفي الملف اليمني قبل أن يبدأ التحرك في تحسين العلاقات مع دول الجوار.
كما يؤكد “المصطفى” أن القيادة الإيرانية الجديدة مهما كان توجهها لا يمكنها تجاهل موقف السعودية منها لعدة أسباب أولها وأهمها حجم المملكة ووزنها في القضايا الإقليمية، إلى جانب قوتها السياسية والعسكرية في المنطقة، مشدداً على أن “رئيسي” يقع بين نارين، الأولى تفكيره المتشدد وتبنيه للمشروع الإيراني في الشرق الأوسط والثانية هي ضرورة ما تفرضه المرحلة الراهنة من تنازلات يجب أن تقدمها إيران لتجاوز ليس الأزمة الاقتصادية وحسب، وإنما الأزمة السياسية، بعد الانشقاقات التي ضربت التيار المتشدد مؤخراً على خلفية الانتخابات الرئاسية.
أما عن الموقف السعودي، فيرجح “المصطفى” أن تتلقى قيادة المملكة أي تحرك من القيادة الإيرانية الجديدة بشكل إيجابي، لافتاً إلى أن السعودية وقبل أن تبادر بأي خطوة تجاه إيران، ستختبر جدية “رئيسي” من خلال الملف اليمني وما قد يقدمه لوقف التصعيد الحوثي داخل اليمن وضد الأراضي السعودية.
يفتقد للفكر السياسي ولا يجيد سوى أحكام الإعدام
يشكك المحلل السياسي، “حسام يوسف” بأهلية “رئيسي” السياسية، وذلك انطلاقاً من عدم شغله لأي منصب سياسي فعلي في إيران قبل وصوله إلى الرئاسة، مشيراً إلى أن مسيرته في النظام الإيراني اقتصرت على السلطة القضائية وإصدار أحكام الإعدام ضد الناشطين والمعارضين.
ويضيف “يوسف”: “تجربة رئيسي بعيدة كل البعد عن المفاهيم السياسية وأهمها ضرورة الانسحاب عند الهزيمة، وبالتالي لن يكون قادراً على فهم التحولات السياسية والدولية داخل وخارج إيران، ولن يتمكن من التعامل مع الأمور والملفات بالمنطق السياسي والدبلوماسي، فهو متشرب لمفهوم تصدير الثورة، لذا لا يجب بناء آمال كبيرة على فترة حكمه ونديته للمرشد، في تغيير السلوك الإيراني”، واصفاً إياه برجل الشعارات التصعيدية والخطابات النارية.
كما يرجح “يوسف” أن يواصل “رئيسي” سياسة التقرب من روسيا والصين كبدائل عن الغرب وهو ما سيوسع الفجوة بينه وبين الدول الغربية، التي تنظر إلى كلا الدولتين على انهما قوى تسعى للسيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط وشرق أوروبا، مشيراً إلى أن “رئيسي” عملياً فاقد لكل الإمكانيات والعقلية البراغماتية، التي تؤهله ليكون رئيس جمهورية يقود خطاً إصلاحياً وسياسياً.