بعد أيام من التوتر المتصاعد بين تركيا وروسيا على الأراضي السورية الشمالية، توقع الكثير وخاصة من السوريين أن تكون نتائج القمة فعالة وصارمة، وتحتوي العديد من البنود الجديدة الجوهرية، خاصة بعد مقتل نحو 50 جنديًّا تركيًّا بقصف روسي متعمد، وصريح.
لكن ليس الرياح دائماً تأتي بالسفن التي تشتهي إلى شاطئك، وهذا ما حصل مع المستضعفين السوريين، سواء كانوا في إدلب آخر معاقل المعارضة التي تشهد تنازعاً قوياً عليها بين روسيا وتركيا، وأولئك النائمين في العراء بين الحدود اليوانانية-التركية منتظرين رحمة أوروبا، ودعم الترك.
لم يتغير شيء بعد اجتماع الزعيمين، اتفاق على هدنة اخترقت منذ ساعتها الأولى، ورغبة في فتح ممرات إنسانية لأولئك البائسين، وإرادة في الحفاظ على أكبر قدر من المصالح على الأراضي السورية، كل ذلك لا يفي بالغرض من أجل تهدئة في منطقة يقاتل فيها جنود من كل الدول.
مواقف الدول
فرنسا
في حين ترى فرنسا أن الاتفاق غامض وهش، لمحت إلى الوجود الأوروبي القوي في الشمال السوري، كما أشارت إلى القوة الأوروبية في إدخال المساعدات الإنسانية وإنقاذ الموقف هناك بالنسبة للحالة الإنسانية، مطالبة أردوغان بتحقيق الموازنة بين مصالحه مع روسيا ومطالبه من أوروبا.
اعتبرت الرئاسة الفرنسية يوم الجمعة، أن الاتفاق الروسي-التركي الذي تم التوصل إليه، مساء الخميس، في موسكو لوقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا لا يزال هشاً ويتضمن عدداً من “النقاط الغامضة”.
وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان رسمي نشر عبر معرفاتها على منصات الإنترنت: “توافق الروس والأتراك على قاعدة أنتجت اليوم وقفاً لإطلاق نار لم يترسخ جيداً بعد”، مشيرةً إلى “خفض للتصعيد العسكري لكن مع استمرار عدد من التحركات ميدانياً”.
وأضافت الرئاسة الفرنسية: “يتضمن هذا الاتفاق عدداً من النقاط الغامضة، ومسائل يصعب التعامل معها، خصوصاً بشأن الانسحاب من الطرق الدولية أم4 وأم5، وحديثاً عن دعم سياسي وإنساني، لا وضوح بشأن ترتيباته”.
وتابعت الرئاسة الفرنسية “الأجندة الروسية تبقى واضحة جداً، أي السيطرة على كامل سوريا لصالح نظام بشار الأسد”، كما أضاف البيان الرئاسي “على الأتراك الاختيار بين شراكتهم الصعبة مع روسيا والدعم الذي يمكن أن يطلبوه من الحلفاء ومن الأوروبيين”.
ودحضت باريس فكرة عجز الأوروبيين أمام موسكو وأنقرة في الأزمة السورية، مشيرةً إلى الوسائل المالية التي يملكونها لمساعدة اللاجئين وإعادة الإعمار المستقبلية للبلاد، ووجود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
وأكدت الرئاسة الفرنسية: “ما دام فلاديمير بوتين قادراً على القصف هنا أو هناك، ورجب طيب أردوغان على لعب عدة أوراق مرةً واحدة، والإيرانيون على نشر مقاتلين، فسيملكون الأفضلية على الأرض، لكنهم لا ينتجون معادلة مستقرة في سوريا”.
وأوضحت الرئاسة الفرنسية “لا يمكن لا للروس ولا الإيرانيين ولا الأتراك أن يحققوا استقراراً في سوريا بشروطهم”، مضيفةً “في ما يتعلق بالناحية الإنسانية، لن تأتي المساعدة لا من روسيا ولا تركيا ولا إيران”.
وأعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان” مساء أمس الخميس، عن وقف لإطلاق النار في إدلب بعد تصعيد للعنف في الأسابيع الأخيرة في المنطقة.
وينص الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة بدءاً من 15 مارس، على مسافة واسعة في محيط طريق “ام4” الدولي الذي يربط محافظة اللاذقية الساحلية بمدينة حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، كما ويتطلع الطرفان إلى إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات من جانبي الطريق، ما يعني ضمنياً منطقة عازلة بعرض 12 كيلومتراً، بحسب الاتفاق الذي جرى أمس ببين الزعيمين.
هولندا
طالبت هولندا بمناطق حظر طيران واسعة، حيث قال وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، الجمعة، إنه من الحكمة إضافة منطقة حظر طيران إلى اتفاق وقف إطلاق النار الروسي- التركي في إدلب.
وأكد بلوك أنه يجب تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرمته موسكو وأنقرة في منطقة إدلب السورية، من خلال إقامة منطقة حظر طيران لمنع تعرض أي مستشفيات للقصف.
وقال للصحفيين لدى وصوله إلى العاصمة الكرواتية زغرب لحضور اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي: “سيكون من الحكمة إضافة منطقة حظر طيران”.
وأضاف وزير الخارجية الهولندي: “أعتقد أن الدول الأوروبية ترغب بشدة في المضي قدماً . . . لإقناع كل أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإقامة منطقة حظر الطيران تلك، هذا لن يعوق القتال ضد القاعدة، لكنه سيوقف قصف المستشفيات”.
بدوره، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي أمر جيد وشرط مسبق لتقديم مزيد من المعونات الإنسانية الأوروبية لإدلب في سوريا.
الاتحاد الأوروبي
ركز الاتحاد الأوروبي على المخرجات الإنسانية للقمة الثنائية، حيث قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” اليوم الجمعة، إن اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي أمر جيد وشرط مسبق لتقديم مزيد من المعونات الإنسانية الأوروبية لإدلب.
ورحب بوريل باتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته موسكو وأنقرة لوقف إطلاق النار في منطقة إدلب السورية، وقال إن التكتل سيكثف الآن مساعدة المدنيين المتأثرين بالصراع.
وقال للصحفيين قبل رئاسة اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاصمة الكرواتية زغرب “وقف إطلاق النار أمر جيد، دعونا نرى كيف يمضي لكنه شرط مسبق لزيادة المساعدات الإنسانية للسكان في إدلب”، وردا على سؤال بشأن إمكانية فرض منطقة حظر طيران في إدلب قال “يتعين أن نركز جهودنا على الجانب الإنساني”.
مصالح ومطالب
في الوقت الذي يطالب فيه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” من حلفائه في الناتو –حلف شمال الأطلسي- بدعمه في الشمال السوري، ينظر الأوروبيون والأمريكيون للتقارب الروسي التركي فيما يخص شراء أنقر من موسكو منظومة الصواريخ إس -400 بعين الريبة.
ويصر “أردوغان” على استمرار التقارب الروسي التركي لأجل التسلح، مراهناً على المساعدة الأوروبية له بسبب موقع بلاده وأهميتها للأوروبيين بوحه الروس.
وعقب اجتماعه مع نظيره الروسي مساء أمس الخميس، صرح الرئيس التركي اليوم الجمعة قائلاً، إن أنقرة استلمت منظومة أس-400 الروسية الدفاعية بالكامل وأنها ستعمل في أبريل المقبل، مشيرا إلى أن بلاده طلبت من واشنطن منظومة باتريوت.
وأضاف أن مراكز المراقبة في إدلب شمال غربي سوريا ستحتفظ بوضعها الحالي في ظل اتفاق وقف إطلاق النار، كما نقلت الرئاسة التركية عن أردوغان قوله إن اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب يحمي الحدود التركية ويمهد الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة لطبيعتها ويضمن الأمن للقوات والمدنيين.
وأضافت الرئاسة التركية :”كان بمقدور أمريكا أن ترسل معدات عسكرية إلى إدلب إن لم يبرم اتفاق وقف إطلاق نار لكن لم نتلق دعما حتى الآن”.
كما شدد الرئيس التركي أن بلاده ستظل على أهبة الاستعداد دائما للرد على الانتهاكات والهجمات المحتملة من القوات الحكومية السورية في إدلب.
ورقة لعب إنسانيّة
في الوقت الذي يحاول الاتحاد الأوروبي التركيز على الجانب الإنساني في جزئية إدلب من الملف السوري، تحاول أنقرة الضغط على أوروبا علناً وصراحةً بالملف الإنساني، حيث صرح مؤخراً أردوغان أن لا شيء سيتغير بالنسبة لملف اللاجئيين مع الحدود اليونانية بعد الاتفاق الذي جرى أمس مع روسيا.
ومساء اليوم الجمعة أبلغ أردوغان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن معاهدة اللاجئيين لم تعد فعالة، وذلك في الوقت الذي ما تزال الحدود التركية اليونانية تشهد تدفقاً للاجئين من جنسيات مختلفة جلهم من الأفغان والباكستانيين والأفارقة وقلة من السوريين، كلهم كانوا يقيمون في ولايات تركية مختلفة، وقدموا إلى الحدود التركية اليونانية بعد أن فتحت السلطات التركية الحدود أمام “السوريين”، وتغاضت عن كل الجنسيات التي حملتهم آثامها.
ويحتل الملف السوري مكانة خاصة لدى كل من تركيا وروسيا وأوربا بسبب استراتيجيته وتشابكه مع ملفات استراتيجية هامة أخرى مثل الملف الليبي والعراقي.