مينا – هيئة التحرير
“ربما هي قشة تقصم ظهر الأسد”، عبارة أطلقها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري”، في رؤيته لمنعكسات الأزمة الحاصلة بين رئيس النظام السوري، “بشار الأسد” وذراعه الاقتصادية وابن خاله “رامي مخلوف”.
خلافاً لما يعكسه المشهد العام للأزمة المذكورة، بأنها ترتبط بخلاف عائلي على السلطة، شبيهه بالذي اندلع بين “حافظ الأسد” وشقيقه “رفعت” في ثمانينيات القرن الماضي، يرى “جيفري” أن تبعات ذلك الخلاف تنعكس بشكلٍ أو بآخر على الدعم الروسي، على اعتبار أن الأنباء الواردة حتى الآن تشير إلى دعم الحكومة الروسية “لمخلوف” وسط قلق الكرملين من تصرفات “الأسد” بشكل عام.
وسبق لوكالة الأنباء الفيدرالية الروسية، أن وصفت “الأسد” بأنه ضعيف وغير قادر على الحكم، ما يؤثر سلباً على التعاون بين موسكو ودمشق، من وجهة نظرها.
القراءة الأمريكية للانتقدات الروسية للاسد، حملت رسائل مبطنة إلى روسيا، وفي هذا السياق يقول جيفري: هذا الخلاف (خلاف الأسد – مخلوف) مؤشر إضافي كسقوط العملة السورية والصعوبات التي تواجهها الحكومة لإدخال شحنات النفط إلى سوريا وكذلك الصعوبات.. وربما هذا هو السبب الذي يجعل الروس مهتمين بشكل أكبر بالحديث معنا من جديد حول إمكانية التوصل إلى تسوية”.
رسالة آخرى كان جيفري قد بعث بها للروس في لقاء صحفي آخر، بتأكيده أن بلاده تريد اخراج كافة القوات الاجنيبة من سوريا باستثناء القوات الروسية، لأنها وفق تعبيره موجودة في سوريا قبل العام 2011.
ما قبل مخلوف.. الإعلام الروسي يكشف المستور
عملياً، الحديث عن توجه موسكو نحو استبدال “الأسد” في سوريا، سبق ظهور الخلاف بينه وبين “مخلوف” إلى العلن، خاصة مع تركيز وسائل الإعلام الروسية، على أن وجود الجيش الروسي في سوريا مرتبط بحماية مؤسسات الدولة ومكافحة الإرهاب، بحسب ما يشير إليه تقرير صادر عن صندوق حماية القيم الوطنية الروسية، المقرب من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، مشدداً على أن القيادة العسكرية الروسية جهدت منذ البداية إلى عدم الظهور وكأن قواتها جاءت لدعم النظام.
وسبق للمجلس الروسي للشؤون الدولية، أن نشر تقريراً رجح خلاله أن تفرز الأيام القليلة القادمة، تسوية بين كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة على تنحية “الأسد” وتشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة وشخصيات في النظام.
موقف موسكو حيال النظام القائم، بدأ فعلياً بإثارة الشكوك حول مدى تمسك روسيا بالوضع السياسي القائم في سوريا، مع بداية تداول وسائل الإعلام الروسية قبل سنوات لمقاطع وصور مهينة “للأسد” ولبعض أركان حكمه، وهنا يُذَّكِر تقرير الوكالة الفيدرالية ببعض تلك الإهانات عند إستدعاء “الأسد” إلى موسكو بطائرة عسكرية، واستقباله كموظف عادي دون أي اعتبار له كرئيس دولة، إلى جانب منع أحد الضباط الروس “الأسد” من اللحاق ببوتين خلال الاستعراض الذي تم في قاعدة حميميم العسكرية، وغيرها من المواقف.
كما يذهب تقرير الوكالة في تفسيره لتلك الصور على أنها رسائل تبعث بها روسيا، للمجتمع الدولي من بينها، أن الكرملن قابل للتفاوض على مستقبل سوريا خالية من “الأسد”، وهو ذات التفسير، الذي تقدمه وسائل الإعلام الإسرائيلية، بينها القناة العبرية 12، للهجوم الإعلامي الروسي على “الأسد” وعائلته.
وكانت وسائل الإعلام الروسية، قد تناولت خلال الأشهر الماضية أخبار وتقارير تظهر فساد رأس النظام، خاصة بعد أن نشرت أخباراً عن شراء زوجته “أسماء الأسد” لوحة بـ 30 مليون دولار أمريكي، في حين يعاني الشعب السوري من الجوع، على حد وصف الوسائل.
حمل ثقيل وانهيار غير محتمل
العقوبات الاقتصادية والنفوذ الإيراني، بالإضافة إلى الوضع الداخلي السوري السيء، كل تلك الأمور تظهر أيضاً بشكل واضح ضمن العوامل، التي قد تدفع روسيا للتضحية بحليفها “الأسد”، وتقديمه قرباناً لتعويم نفوذها في البلاد، فكما يرى المبعوث الأمريكي إلى سوريا، فإن سقوط العملة السورية والصعوبات، التي يواجهها النظام لإدخال شحنات النفط إلى سوريا، وكذلك الصعوبات في تأمين الخبز وتردي المستوى المعيشي وانتشار الفساد وحالة الانهيار الداخلي الفعلي للدولة السورية، ربما تكون أسباباً تدفع الروس بشكل أكبر للحديث مع واشنطن من جديد حول إمكانية التوصل إلى تسوية في سوريا.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2019، فقد وصلت نسبة الفقر في سوريا إلى حوالي 83 بالمئة من السوريين، الذين يعيشون في فقر مدقع، فيما وصلت نسبة البطالة 50 في المئة لتحتل سوريا المرتبة الأولى على مستوى العالم، وذلك بالتزامن مع انهيار الاقتصاد العام بفعل العقوبات الاقتصادية، لا سيما بالنسبة لقطاع النفط.
العامل الخارجي، أيضاً لا يقل أهمية في معادلة التخلي عن “الأسد” ضمن الخطة الروسية لمستقبل سوريا، وتحديداً عندما يتم الحديث عن ملف إعادة الإعمار، الذي يعتبر من الأساسيات بالنسبة للحكومة الروسية، وهو ما يتفق مع نظرة “جيفري”، الذي يقول: “قد تكون روسيا ساعية لإعطاء سوريا اعترافاً دبلوماسياً وقبولاً دولياً لتأمين عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار، ما زلنا نسعى لمعرفة خلفية هذا الانتقاد الروسي للأسد”، لافتاً إلى احتمالية أن تفكر موسكو ببيع سوريا لبعض الدول ذات المصالح فيها.
وتشترط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من دول الخليج العربي، إسقاط “الأسد”، مقابل المشاركة في ملف إعادة الإعمار، في البلاد التي وصلت نسبة الدمار في بعض مدنها إلى 90 بالمئة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ليبيا واللاعب الخفي في مصير الأسد
للوهلة الأولى قد يبدو من الغريب أن تلعب الأحداث الجارية في ليبيا حالياً، دوراً في رسم مستقبل “الأسد”، لا سيما مع تصاعد الحديث عن دور للنظام السوري وبعلم روسي، في إرسال مسلحين ومقاتلين إلى ليبيا، وهو ما يزعج الولايات المتحدة، وفقا لما يؤكده نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “هنري ووستر”، الذي اكد عدم ارتياح واشنطن تجاه دور “الأسد” في ليبيا، من خلال إرسال المقاتلين السوريين، وهو الموقف الذي يعبر عنه “جيفري”.
وكانت مصادر حقوقية سورية، كشفت عن عمليات تجنيد تقوم بها القوات الروسية لشبان سوريين في مناطق ريف دمشق وحمص وحماة والسويداء، لإرسالهم أيضاً إلى ليبيا، دعماً لأجنداتها هناك، لا سيما في المناطق النفطية، كما أشار الصحافي الإيطالي، “لورينتزو ترومبيتا” إلى أن سلطات النظام بدأت خلال الأسابيع الماضية، بتجنيد مئات الشبان السوريين، وذلك دعماً لميليشيات فاغنر، الموالية للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، والتي تتولى بدورها مسؤولية حماية المصالح الروسية في ليبيا.