تحول الشباب العراقي الذي ينتمي إلى حراك أكتوبر 2019، إلى قوّة رئيسية في مواجهة مسلسل الاغتيالات وانفلات السلاح وتغوّل الميليشيات الموالية لإيران، التي عجزت أجهزة الدولة عن الوقوف في وجهها، اذ لقيت دعوات التظاهر في العاصمة العراقية بغداد احتجاجا على اغتيال النشطاء تجاوبا شعبيا كبيراً فاق التوقّعات.
العراق شهد مظاهرات حاشدة في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد لمطالبة السلطات بتقديم المتورطين بعمليات قتل واغتيال الناشطين إلى العدالة، بينما أمر رئيس الوزراء “مصطفى الكاظمي” بحماية المتظاهرين ومنع المظاهر المسلحة.
انتفاضة جديدة..
تصدرت هاشتاغات “مليونية تشرينية” و”العدلين راجعين، ومن قتلني، وعودة الثورة”، منصات التواصل الاجتماعي أمس الثلاثاء في العراق، بعد الاعتداء على مظاهرة خرجت احتجاجاً على استمرار اغتيال الناشطين، وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع “الهاشتاغات”.
كما، أفاد متظاهرون عراقيون، مساء أمس الثلاثاء، بمقتل متظاهرين اثنين وإصابة 11 آخرين إثر استخدام قوات الأمن الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، في ساحة التحرير وسط بغداد، لافتين إلى أنه ” تم نقل الجرحى إلى مستشفيات بجانب الرصافة منها مستشفى جراحة الجملة العصبية، والكمدي والشيخ زايد”.
وأعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق اليوم الأربعاء، أن العنف الذي استهداف المتظاهرين يوم أمس الثلاثاء، أسفر عن مقتل متظاهرين اثنين وإصابة 150 آخرين من بينهم رجال أمن”، لافتة إلى أن إصابة العديد منهم خطرة، فيما تم اعتقال عدد كبير من المتظاهرين وتم إطلاق سراح بعضهم، حيث بقي 11 متظاهر معتقل تم عرض أوراقهم على القضاء”.
وتدفّق المحتجّون من محافظات بابل وواسط والبصرة وميسان وذي قار والمثنى والنجف وكربلاء والديوانية بوسط وجنوب العراق، بينما قدم البعض من مناطق شمال وغرب البلاد، بالإضافة إلى مشاركة واسعة من سكان العاصمة بغداد، متجمعين في ساحتي الفردوس والنسور وسط وغربي العاصمة قبل التوّجه إلى مركز التظاهرة الموحّدة في ساحة التحرير وسط المدينة.
وشكّلت التظاهرة إحراجا لحكومة رئيس الوزراء “مصطفى الكاظمي” التي عجزت عن تنفيذ وعودها بالقبض على القتلة وتقديمهم للعدالة، بقدر ما وجّهت إنذارا للميليشيات التي تقف وراء سلسلة الاغتيالات وللأحزاب ذات الصلة بتلك الميليشيات بأنّ الشعب هو من سيتولى بنفسه مستقبلا مواجهتها والحدّ من تغوّلها.
يذكر أن اغتيال الناشط البارز “إيهاب الوزني” في مدينة كربلاء فجر احتجاجات غاضبة في عدة مناطق بالعراق استمرت لأيام، بالإضافة إلى سقوط العشرات من الناشطين من بينهم “هشام الهاشمي وصفاء السراي وسعاد العلي وريهام يعقوب وحسين عادل وسارة طالب وأمجد الدهامات وفاهم الطائي، وغيرهم من الذين ما يزال قتلتهم مجهولون وعجرت الحكومة عن محاسبتهم.
المندسون وقتل المتظاهرين..
رغم قوّة حركة الشارع إلاّ أن قدرتها على تغيير الأوضاع في البلاد ما تزال في نظر البعض محدودة وذلك بفعل صلابة القوى الممسكة بزمام السلطة، وتوغل الميليشيات الموالية لإيران في أجهزة الدولة التي تستخدم المال والسلاح في وجه أي تغيير للحفاظ على مكتسباتها.
وأعلنت خلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات العراقية أمس الثلاثاء، القبض على 4 مندسين يحملون أسلحة قرب ساحة التحرير وسط بغداد” مؤكدة أن “المندسين حاولوا اختراق الخطوط الأمامية لإحداث الفوضى أثناء التظاهرات”.
إلى جانب ذلك، لفتت خلية الاعلام إلى أن “القوات الأمنية المشتركة باشرت حماية أمن وسلامة المتظاهرين والحفاظ على سلمية التظاهرات ومنع المظاهر المسلحة ورفض استخدام السلاح والحفاظ على المال العام والخاص ونبذ الممارسات غير القانونية التي قد تحرف سير التظاهرات عن مسارها السلمي المرجو منها”، مطالبة المتظاهرين الالتزام بسلمية التظاهرات والتعبير عن حقهم الدستوري بحرية ما يعكس ثقافتهم والتزامهم ووطنيتهم.
ووجه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء العراقي، في وقت متأخر من ليل الثلاثاء، بفتح تحقيق عاجل برئاسة قيادة العمليات المشتركة وعضوية ضباط من وزارتي الدفاع والداخلية، للتحقيق في ملابسات الأحداث التي رافقت تظاهرات، ومعرفة المقصرين ومحاسبتهم.
تأجيل الانتخابات..
ليس من الواضح ما هي الخطوة التالية التي سيتخذها “الحراك الشعبي” بعد مظاهرات أمس الثلاثاء، وما إذا كانت ستستمر خلال الأيام المقبلة أو تقوم بنصب خيام الاعتصام على غرار ما حدث في احتجاجات العام 2019.
ويقول ناشطون في الحراك أن “بعض قادة الاحتجاج يميلون إلى الاعتصام في ساحة النسور، وهناك رغبة في إحياء الانتفاضة، لكن الأمر حتى الآن غير محسوم ربما وبحاجة إلى المزيد من المشاورات بين جماعات الحراك في عموم المحافظات”.
جماعات الحراك الشعبي وجهت نداءً إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتدخل لحماية المحتجين والوقوف معهم في “قضيتهم العادلة”، معتبرين أن يوم أمس مهم في تحديد مستقبل الشعب العراقي ونقطة محورية في احتجاجاتهم التي بدأت قبل أكثر من 10 سنوات وبلغت ذروتها في العام 2019 ضد نظام قمعي فاسد”.
وأكد الناشط في انتفاضة أكتوبر”جبار المشهداني”، أنّ “الحكومة والطبقة السياسية كلها تتمنى أن تضعف حركة الاحتجاجات وتتلاشى كي يستمر مسلسل الهيمنة على خيرات العراق مع غياب تام لمستحقات الشعب من أمن وخدمات وبنى تحتية”. لافتاً إلى أن “ما يتم تداوله حاليا من نية الأحزاب الحاكمة تأجيل الانتخابات المبكرة وترحيلها إلى العام المقبل هو واحدة من ارتدادات انتفاضة تشرين وملحقاتها، فقد نجحت الحركة الاحتجاجية في التدخل المباشر والمؤثر في رسم خارطة الأحداث السياسية”.
من جانبه، شدد الناشط المدني والمدون، سيف الدين علي، في حديث لوسائل الاعلام على أن “المتظاهرين عادوا إلى الساحات بسبب استمرار الاغتيالات على أيادي الميليشيات الإيرانية، وكان آخرها مقتل الوزني في كربلاء التي تعتبر مدينة آمنة لا يتواجد فيها ميليشيات، وجميع من فيها يمثل الأجهزة الأمنية الرسمية”. مؤكداً أن “الشارع العراقي ينادي بمقاطعة الانتخابات، فنحن لا نريد الانتخاب في ظل وجود الميليشيات الإيرانية المستمرة في اغتيال النشطاء”.
واتهمت ميليشيا “حزب الله” في العراق التظاهرات، بالسعي الى تمديد حكومة الكاظمي عن طريق تأجيل الانتخابات، لافتة إلى أنه “بات واضحاً ان المطلوب من التظاهرات المزمع حدوثها هو تأجيل الانتخابات لتمديد حكومة كاظمي الغدر وفريقه الملوث بالدم والمال والعمالة”.
يشار إلى أن مواقع التواصل العراقية شهدت انطلاق حملة ” #مقاطعون ” وحملت تغريدات كثيرة من مؤثرين عراقيين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية.
وقتل نحو 600 شخص في أعمال عنف مرتبطة بالاحتجاجات منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية في أكتوبر 2019، وقتل عراقيون آخرون بالرصاص فيما بدا أنها عمليات اغتيال، بينهم الباحث والمستشار الحكومي، هشام الهاشمي، أمام منزله في يوليو الماضي.
يذكر أن حملة المقاطعة للانتخابات أدت في العام 2018، إلى اندلاع احتجاجات عام 2019 التي أدت إلى إسقاط الحكومة التي تشكلت عقب الانتخابات، وما يزال المحتجون يطالبون بإصلاحات وتغييرات يقولون إنها لم تتحقق.