رغم التقدم العسكري، الذي حققته قوات النظام السوري خلال السنوات الخمس الماضية، على حساب المعارضة، بدعم من الجيش الروسي، إلا أن عدد كبير من المحللين السياسيين يعتبرون أن ذلك التقدم لا يعني بقاء “بشار الأسد” في السلطة أو أن الأمور سياسياً تسير لصالحه، خاصةً مع تصاعد الحديث عن فرضيات وسيناريوهات لتسوية تقصي الأسد.
فاروق الشرع إلى الواجهة
مع تطورات الوضع السوري ومتغيراته، عاد اسم نائب رأس النظام السابق، “فاروق الشرع” إلى الواجهة من جديد، رغم تغييبه عن الساحة السياسية ومرضه وكبر سنه، حيث تكشف مصادر عن طرح السياسي والدبلوماسي السابق، ليكون الحلقة المفصلية في مرحلة انتقالية مفترضة في سوريا تتبع إنهاء العمليات العسكرية في سوريا.
كما توضح المصادر الخاصة لمرصد مينا، أن الجانب الروسي يفكر حالياً بخلق مناخ سياسي يساعده على الشروع في عمليات إعادة الإعمار في سوريا وترسيخ حالة الاستقرار الأمني، التي تعتبر بالغة الأهمية لتثبيت التواجد العسكري الروسي في سوريا، مشيرةً إلى أن “الشرع” أحد أبرز الشخصيات السورية، التي يرى فيها الروس عاملاً مهماً في إقرار المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الحرب.
إلى جانب ذلك، تؤكد المصادر أن الحديث السائد حالياً يدور حول قناعة روسية بأن استمرار “الأسد” او اختيار شخصية سياسية أو عسكرية موجود داخل النظام في الوقت الراهن، لا يخدم التوجه الروسي، موضحةً: “الروس أيضاً لا يثقون بالمعارضة السورية، لذا فإن الحل يدور حول شخصية سابقة في النظام تكون رأس حربة في عملية الانتقال السياسي ومقبولة من كافة الأطراف، ومن هنا تظهر الترجيحات حول الشرع”.
يشار إلى أن بعض الانباء والتسريبات قد أكدت أن “فاروق الشرع” حاول الانشقاق عن النظام عام 2013، عندما كان نائباً للرئيس، إلا أن العملية فشلت وتمكن النظام من وضعه تحت الإقامة الجبرية قبل أن يقصيه من منصبه والحياة السياسية ويمنعه من الظهور الإعلامي ويغيبه كلياً.
حماية وإجماع
تعليقاً على المعلومات، التي ذكرتها المصادر، يشير المحلل السياسي، “أكرم أبازيد” إلى أن عمل “الشرع” في السلك الدبلوماسي لعقود طويلة ومشاركته في مفاوضات مدريد عام 1991، قد تسهم في منحه إجماعاً دولياً وعربياً وإقليمياً على تولي الفترة الانتقالية، في حال طرحها، نظراً لشبكة العلاقات التي يمتلكها.
وعلى المستوى الشعبي، يعتبر “أبازيد” أن اقتصار عمل “الشرع” على الجانب الدبلوماسي وعدم إبداء أية آراءٍ موالية للنظام خلال السنوات الثورة والمعلومات، التي تناولت محاولته الانشقاق، قد تساعده في الحصول على موافقه من الشعب السوري، أو على الأقل عدم ممانعة على تلك الخطوة، مشيراً إلى أن الشعب السوري أيضاً وصل إلى حالة من الإرهاق المعيشي والاقتصادي والحياتي تدفعه للتفكير أيضاً بحلول قادرة على إنهاء المعاناة دون التخلي عن ثوابت ثورته بإقصاء النظام.
يذكر أن “الشرع” قد تولى حقيبة الخارجية في سوريا عام 1984، قبل أن يعين نائباً للرئيس عام 2006 خلفاً “لعبد الحليم خدام”.
من جهته، يلفت الباحث في السؤون السورية، “حسام يوسف” إلى أن تعيين “الشرع” في منصب نائب رئيس الجمهورية، قبل الثورة، قد يمنحه فرصة أيضاً ليكون مقبولاً على المستوى الشعبي ولدى المعارضة، خاصةً وأن تعيينه في ذلك المنصب، اعتبر بمثابة مؤشرٍ على تراجع العلاقة بينه وبين “الأسد”، لا سيما وأن الكثيرين حينها اعتبروا تلك الخطوة بمثابة تجميد للشرع ورفع يده عن السياسة الخارجية، خاصةً وان منصب نائب الرئيس في سوريا لا يملك أي صلاحيات واسعة ويوصف بانه منصب شرفي نسبياً، على حد قوله.
في السياق ذاته، يذهب “يوسف” في تناوله لمسألة ترشيح “الشرع” للعب دورٍ سياسي قادم في سوريا، إلى عدم تصفيته من قبل النظام السوري، بعد ما أشيع عن محاولة انشقاقه عام 2013، موضحاً: “النظام لا يتوانى عن تصفية أي شخص يشك في ولائه، وبقاء الشرع على قيد الحياة حتى الآن، يوحي بوجود حماية له من قبل إحدى الاطرف الفاعلة في سوريا، وتحديداُ من روسيا، وهذا قد يؤكد فرضية تهيئته لدور ما”.
مرض وتقدم في السن.. مواصفات روسية مطلوبة
اصطدام فرضية عودة “الشرع” إلى الساحة السياسية السورية في وقتٍ لاحق، بمرضه وتقدمه في السن، حيث يبلغ 82 عاماً، لم يكن كافياً لنفي تلك الفرضية، كما يقول الخبير في العلاقات السورية – الروسي، “فيتشلاف خورخي”، مشيراً إلى أن المطلوب روسياً هو قيادة فترة رئاسية من عامين فقط في سوريا، وذلك يجعل السياسي السابق، متطابقاً مع الرؤية الروسية.
يشار إلى أن آخر المعلومات المتوفرة حول “الشرع”، كشفت عن إصابته بمرض السرطان، وانه يتلقى العلاج داخل سوريا، في ظل منع النظام له من السفر إلى الخارج.
كما يضيف “خورخي”: “روسيا الآن لا تبحث عن تنصيب قاديروف جديد في سوريا يحكم لعقود، وإنما رجل يحكم لمدة قصيرة، يمنحها فرصة أطول لتخطيط وصع أكثر استقرار في سوريا قبل الانتقال إلى الحكم الراسخ، فمسألة التأسيس لنظام طويل الامد في بلاد تعيش كل تلك الأزمات منذ 10 سنوات وتعاني من تشابك في المصالح الإقليمية لن يكون بالامر السهل بالنسبة لموسكو”، لافتاً إلى وجود فروقات كبيرة بين سوريا والشيشان من ناحية كثرة الأطراف الفاعلية في هذا الملف.
ويؤكد “خورخي” أن من وجهة النظر الروسية، فإنها بحاجة إلى فترة انتقالية في سوريا تقبل بها كل الأطراف، لكسب المزيد من الوقت لتصفية العديد من الملفات، بينها الوجود الإيراني والموقف الدولي وتسوية ملفات ساح المعارضة والميليشيات والوصول لتسويات حول إعادة الإعمار، لافتاً إلى ان تلك الأمور لا ترتبط بشخصية “الشرع” ولكن وفاة العديد من المسؤولين السابقين في النظام والموثوقين من قبل روسيا، يمنح “الشرع” فرصة أكبر ليكون ضمن التشكيلة الانتقالية.
ليس المنقذ.. وتطورات الموقف الأمريكي
ارتباط اسم “الشرع” بالمرحلة الانتقالية وتعاظم فرصه، لا يعني من وجهة نظر الباحث السياسي “عبد الله فاخوري”، رفع الرجل إلى مرتبة المخلص أو المنقذ، وإنما إمكانية حصوله على توافق دولي ومحلي تضعه في خانة تقريب وجهات النظر بين كل تلك الأطراف، لافتاً إلى أن تلك الفترة في حال التوافق عليها ستتم بوجود “الشرع” أو عدمه.
كما بين “فاخوري” أن تداول اسم نائب الرئيس السابق، ليخلفه لمدة عامين، مبعثه أنه الأقرب بين كل الأطراف المعنية في الشأن السوري، موضحاً أنه لن يكون صاحب صلاحيات واسعة في الفترة الانتقالية، وان قد يكو أقرب إلى المنصب الشرفي، على أساس أن شكل الحكم في سوريا ستفرزه توافقات دولية تكون مقبولة من الشعب السوري.
أما عن إمكانية تحقق سيناريو الفترة الانتقالية في سوريا بحد ذاته، يربط “الفاخوري” ذلك السيناريو بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الانتشار الروسي في منطقة الشرق الأوسط، ومدى قدرة موسكو على إقناع الرئيس المنتخب “جو بايدن” بمثل تلك التسوية، لا سيما وان الإدارة الديمقراطية تبدي قلقاً اكثر من سابقتها الجمهورية، برئاسة “ترامب”، من الوجود الروسي في المتوسط.
وبكل الأحوال، يشير “الفاخوري” إلى أن مسألة الوصل إلى الفترة الانتقالية يبقى مرتبطاً بالكثير من التطورات على الأرض، كملف مدينة إدلب والموقف التركي منه، بالإضافة إلى قدرة روسيا على إخراج الإيرانيين وموقف إسرائيل من ذلك الملف، إلى جانب الرؤية الاوروبية ومصالح الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى تلك المرحلة، خاصةً وأنها مهمة بالنسبة له، ضمن مساعيه للحد من تدفق اللاجئين