هيئة التحرير
قانون حظر إرسال السلاح إلى إيران لن يُمدد في مجلس الأمن، خطوة وصفتها الخارجية الإيرانية بالانتصار الدبلوماسي على واشنطن في أروقة المنظمة الأممية، ما طرح عدة تساؤلات حول النتائج المستقبلية لذلك “الانتصار”، وأسباب توجه الصين وروسيا لمنع تمرير قرار التمديد الأمريكي.
وكانت كل من روسيا والصين، قد عرقلتا مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن لتمديد حظر السلاح على إيران، الذي ينتهي في تشرين الأول القادم.
انتصار خلبي ووقائع تفرض نفسها
في المفهوم السياسي، فإن ما يدور خلف الكواليس يختلف تماماً عن ما تظهر عدسات الكاميرات والتصريحات، وفقاً لما يقوله المحلل السياسي، “عبد الله الناصر” لمرصد مينا، مشيراً إلى أن النتائج العملية لعدم تمديد حظر السلاح إلى إيران هي صفر، ولا يعني أن إيران ستدخل في سباق تسلح أو أنها ستمتلك أسلحة استثنائية على الإطلاق.
تلك النظرة، يرجعها “الناصر” إلى عدة عوامل، أبرزها الحالة الاقتصادية المزرية للنظام الإيراني، والتي تمنعه من عقد أي صفقات تسليح باهظة الثمن، كالحصول مثلا على منظومة إس 400 الجوية الروسية أو أنظمة صاروخية متطورة، مشيراً أن عامل التمويل بحد ذاته سيفرغ ما تصف إيران بـ”الانتصار” من محتواه.
وسبق للرئيس الإيراني، “حسن روحاني” أن أعلن قبل أسبوعين، عن حقيقة الأزمة الاقتصادية في البلاد، مشيراً إلى أن بلاده تعاني من أزمة حقيقية في تأمين القطع الأجنبي، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على قطاع النفط، في حين كشف المبعوث الأمريكي السابق إلى إيران، “براين هوك” أن خسائر إيران جراء العقوبات الأمريكية حتى نهاية العام 2019، وصل إلى 50 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، يشير “الناصر” إلى عوامل أخرى تمنع إيران من الاستفادة من رفع الحظر، في مقدمتها الضرورات الأمنية بالنسبة للدول، التي قد تسعى إيران لاستيراد السلاح منها، وتحديداً الصين وروسيا، موضحاً: “حالة التعارض العقائدي والفكري بين الدولتين الشيوعيتين وبين إيران الراديكالية، ستضع دائماً أمام بكين وموسكو حدود لتزويد إيران بالسلاح، خاصة بالنسبة للروس، الذين ينظرون بعين القلق للعلاقات بين النظام الإيراني وحركة طالبان الأفغانية، التي تعتبر تاريخياً أشد أعداء النظام الروسي والمد الشيوعي”.
في السياق ذاته، يتفق الخبير في العلاقات الإيرانية – الروسية، “رضا موسوي” في النظرة، التي قدمها المحلل “الناصر”، مشيراً إلى أن حالة التحالف الحالي بين إيران وروسيا، هي مجرد تحالفات مرحلية، لا تلغي حالة العداء التاريخي بينهما، وهو ما سيمنع الروس من السماح بتزويد إيران بأنواع متطورة من الأسلحة، لا سيما في ظل القرب الجغرافي بين الدولتين.
أوراق تفاوضية في معركة أكبر
أمام التحليلات السابقة، يوضح “موسوي” أن وقوف روسيا في وجه القرار الأمريكي، ليس إلا ورقة ستستخدمها موسكو في معاركها السياسية والدبلوماسية الأخرى مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن دعوة الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين” لعقد اجتماع مع الولايات المتحدة، لمناقشة وضع إيران، يكشف عن وجود بعض الملفات، التي تسعى موسكو لمناقشتها بشكل خاص مع الولايات المتحدة بعيداً عن المنظمة الأممية.
وكان الرئيس الروسي قد دعا الولايات المتحدة لعقد اجتماع الجمعة القادمة، بشأن إيران، وهو الاجتماع، الذي استبعد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، المشاركة فيه.
عن الموقف الصيني، يربط المحلل السياسي “الناصر” الموقف الصيني، بالتصعيد الحاصل بين بكين وواشنطن، معتبراً أن الصين بموقفها ضربت عصفورين بحجر واحد، الأول تصفية حسابات مع الإدارة الأمريكية، وإشغالها بمعارك أخرى، أما الثاني، فهو تعزيز سيطرتها على الاقتصاد والموارد الإيرانية، لا سيما بعد الاتفاقية المثيرة للجدل، التي وقعت بين الطرفين خلال الأشهر القليلة الماضية.
وكانت الأوساط السياسية الإيرانية قد أثارت خلال الأسابيع الماضية، قضية الاتفاقية السرية، التي وقعتها الحكومة الإيرانية مع الصين، والتي قال عدد من السياسيين الإيرانيين أنها تضع إيران رسمياً تحت الوصاية الصينية، لا سيما وأن الانبين لم يعلنا أي تفاصيل عن بنودها.
كما يشير “الناصر” إلى أن عدم تمديد الحظر بنتائجه الخفية، يعني نتيجتين، أولهما أن إيران باتت ورقة تفاوضية في يد موسكو، وثانيهما أن إيران أصبحت حديقة أمامية للصين في مواجهة الولايات المتحدة.
خيارات أكثر مرارة وقسوة
خلافاً لما ينتظره كل من الصين وروسيا، يؤكد الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “أحمد عرابي”، أن عدم تمديد الحظر، يخلق فرص جديدة أمام إدارة الرئيس “دونالد ترامب” لتشديد العقوبات على النظام الإيراني، وفرض عقوبات جديدة عليه وعلى مجال النفط، لافتاً إلى أن استمرار العقوبات على إيران يفرع أي قرارات أخرى من محتواها، ويحد من قدرة إيران على استغلال تلك القرارات.
كما يعتبر “عرابي” أن فرض عقوبات اقتصادية إضافية على إيران، يمثل بحد ذاته أهمية أكبر من تمديد الحظر بالنسبة للولايات المتحدة، على اعتبار أنها ستمكنها من ترسيخ حالة الشلل شبه الكاملة للنظام وتعمق من أزمته الداخلية.
وكان الرئيس الأمريكي عقب رفض مجلس الأمن تمديد الحظر، قد أعلن أن بلاده ستلجأ إلى تفعيل آلية الرد ضد إيران، في إشارة إلى إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران التي كانت سارية قبل عام 2015.
وكنقطة إضافية لصالح الولايات المتحدة، في تصوين الصين وروسيا ضد قرار تمديد الحظر، يوضح الباحث “عرابي” إلى أن واشنطن استغلت الحدث إعلامياً لإظهار روسية والصين كدولتين داعمتين للإرهاب في العالم، ويضعهما في معسكر الداعمين لإيران، ما يمكن الولايات المتحدة من تحميلهما مسؤولية أي توتر أو تصعيد مستقبلي، تحديداً في مياه الخليج بما يؤثر على حركة تجارة النفط العالمية.