مع دعوة حركة النهضة التونسية أنصارها إلى التجمع في الشوارع التونسية، تنتقل المعركة السياسية داخل البرلمان التونسي إلى طور جديد، عنوانه الأبرز، استعراض البيئات الحاضنة بين الأطراف السياسية، في تحول نوعي في الخلافات السياسية، التي أصبحت معركة كسر عظم بين حركة النهضة ومعارضيها سواء في مؤسسة الرئاسة أو البرلمان، وفقاً لما يقوله المحلل السياسي، ” مراد سليم”.
يشار إلى أن حركة النهضة التونسية قد هددت في وقتٍ سابق، بإنزال مناصريها إلى الشارع التونسي، لإحبار الرئيس، “قيس سعيد” على إقرار التعديلات الوزارية على حكومة “هشام المشيشي”، ودفعه لاستقبالهم في القصر الرئاسي لأداء اليمين الدستورية.
وكان “سعيد” قد أبدى خلال الأيام القليلة الماضية، إصراراً على عدم قبول التعديلات الوزارية لا سيما في ظل رفض عدة تيارات سياسية لها، بسبب وجود عدة وزراء ملاحقين بقضايا فساد، وسط أنباءٍ عن أن التعديل الوزاري تم بتحريض من حركة النهضة لإقصاء الوزراء المحسوبين على الرئيس لصالح وزراء مقربين من الحركة.
نظام الحركة الواحدة
مشكلة تمرير التعديلات الحكومية وإقرارها لا تقف عند حد توزير أناس متهمين بالفساد وحسب، وإنما تتجاوز ذلك بحسب ما يراه “سليم” إلى تحول تونس إلى نظام الحركة الواحدة، موضحاً: “منذ 2013 ومع إقرار النظام شبه البرلماني في البلاد، تحولت حركة النهضة إلى المتحكم الاول في طريقة تسيير البلاد، ما مكنها من فرض سيطرة معينة على كافة الحكومات المتعاقبة، واليوم في حال تمكنت من إجبار الرئيس على تمرير التعديلات الوزراية بما تحتويه فإنها عملياً تكون سيطرت على تونس بشكلٍ كامل”.
كما يلفت “سليم” إلى أن البنية التنظيمية والعقائدية لحركة النهضة تمكنها من توجيه أنصارها تحت شعارات دينية وآيديولوجية معينة، بعيداً عن الوضع السياسي والاقتصادي المتردي في البلاد، خاصة وأنها تمارس السياسة تحت الشعار الديني، الذي يعتبر المحرك الأول لأنصارها، مشيراً إلى أن تونس عملياً ستكون في ظل عهد النهضة قد تحولت من ديكتاتوية الشخص الواحد، إلى دكتاتورية الحركة الواحدة.
وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، قد صعد من لهجته ضد رئيس الجمهورية “قيس سعيد”،والذي اتهمه بالتسبب في تعطيل مصالحة الدولة، معتبراً أن رفض رئيس الجمهورية استقبال الوزراء المعنيين بالتعديل الوزاري تسبب في تعطيل المرفق العمومي ومصالح الدولة.
في هذا السياق، يشير “سليم” إلى أن حركة النهضة و”المشيشي”، يحاولان الضغط على الرئيس من خلال تحميله وزر ما تشهده البلاد من تراجع سياسي واقتصادي ومعيشي، وإظهاره كعقدة في طريق الإصلا السياسي والاقتصادي، ومعرقلاً لعمل الحكومة، لافتاً إلى أن تهديد الحركة باللجوء إلى الشارع هو محاولة لإظهار نفسها ضمن الحراك الشعبي، الذي اندلع قبل أسبيع قليلة ضد تراجع الأحوال العام في البلاد.
يذكر أن عدة مدن تونسية شهدت انتفاضة كبيرة تزامناً مع الذكرة العاشرة لتنحي الرئيس الراحل، “زين العابدين بن علي” عن السلطة، حيث نددوا بسوء الأوضاع المعيشية والازمات المتواصلة والفشل الحكومي في تأمين حياة كريمة للمواطن التونسي، على حد وصفهم.
تصدير الأزمات
من الأمور التي لا تغيب عن متابع الشأن التونسي، بحسب البحث في الحركات الإسلامية، “رشيد بوزيان”، هو تعدد الازمات التي لاحقت حركة النهضة خلال العام الماضي، والتي تخللها انشقاقات من قبل قادة الصف الأول في الحركة، لا سيما بعد سعي، رئيس الحركة، “راشد الغنوشي”، لتعديل نصوص الحركة وقواعدها للبقاء على رأسها مدة أطول، لافتاً إلى أن خلق الأزمة مع رئيس الجمهورية، شكل بالنسبة للحركة فرصة لإيجاد عدو خارجي تتحد الحركة ضده، ما يمنع المزيد من الانهيار في منظومتها.
كما يوضح “بوزيان” عموماً تسعى الحركات ذات الطابع الديني إلى ربط طريقها السياسي بأعداء محيطين بها للحفاظ على تماسكها، لا سيما وان تلك الحركات غالباً ما يندلع صراعاً بين قياداتها، بعد وصولها للسلطة وبقاءها فترة طويلة في الحكم، تماماً كما هو الحال في تركيا مثلاً، مضيفاً: “حركة النهضة في تونس لم تكن استثناءاً فعملياً عام 2020 كان عاماً صعباً عليها، داخلياً وخارجياً، سواء من حيث الانشقاقات الداخلية، وضغوط الشارع المحتج على الأوضاع السيئة في البلاد، وبالتالي فإن خلق العداء مع تيارات سياسية خارجية إعادت للحركة فعلياً قدرتها على وقف حالة الانهيار”.
يذكر أن عدداُ من قيادات حركة النهضة قد أعلنوا استقالاتهم من الحركة احتجاجاً على ما شهده مؤتمر الحركة في العام الماضي، من توجهات “الغنوشي” لتغيير النظام الداخلي، وتعديله بشكلٍ يخوله الترشخ لمدة إضافية، وهو ما ان يمنعه النظام القديم.
توقعات “بوزيان” حول الحركة، يظهرها من خلال التذكير بحزب العدالة والتنمية التركي، وحليف الحركة، الذي شهد انهياراً كبيراً في منظومته عام 2014، بخروج عد كبير من المؤسسين بينهم الرئيس السابق، “عبد الله غول” ورئيس الوزرء الأسبق، “أحمد داوود أوغلو” ووزير الاقتصاد الأسبق، “علي باباجان”، موضحاً: “تلك الانشقاقات بدأت فعلياً عندا أراد أردوغان التحول إلى رمز سلطة أوحد ونقل كافة الصلاحيات إلى يده، وهذا ذاته ما كان سوف يحصل مع حركة النهضة بعد خطوات الغنوشي، إلا أن الأخير تجاوزمرحلياً ذلك السيناريو من خلال تصدير الأزمة والدخول في صدامات داخل البرلمان ومع رئاسة الجمهورية”.
إلى جانب ذلك، يحذر “بوزيان” من أن لجوء النهضة إلى الشارع التونسي قد يشعل البلاد ويدخلها في صدامات أهلية، خاصةً وأن نسبة عالية من التيارات والأحزاب قد ترد بذات الطريقة، انطلاقاً من وجود شريحة كبيرة من الشعب التونسي رافضة للحركة والنظام والأوضاع القائمة، مشيراً إلى ان الحل لأفضل يكمن في الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة