يوماً بعد يوم، تتكشف المزيد من التحديات، التي تواجه الحكومة العراقية على الجانب الاقتصادي، ومن بينها أزمة مرتبات الموظفين المتأخرة، التي تمثل حالياً واحدةً من أكثر القضايا الجدلية، حول أداء حكومة “مصطفى الكاظمي”.
ويمر العراق، الذي يصنف كواحد من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، بأزمة اقصادية تتجسد بتأخر رواتب الموظفين لنحو شهرين تقريباً وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وارتفاع معدلات الدين العام.
أداء متخبط.. تخفيض أجور مرتقب وحلول غائبة
استمرار الأزمات الاقتصادية وتتابعها، يرى فيه النائب في البرلمان العراقي، “منصور البعيجي”، مؤشراً على وجود خلل وأداء غير صحيح في السياسة المالية والاقتصادية العراقية، داعياً إلى ضرورة أن تعمل الحكومة على وقف التدهور المالي عبر إجراءات عاجلة لمعالجة الحالة الاقتصادية العامة في البلاد.
كما يكشف “البعيجي” عن وجود توجهٍ لدى الحكومة الحالية لخفض إجور ومرتبات الموظفين، مضيفاً: “هذا التوجه سيسبب كارثة اقتصادية كبيرة لهذه الشريحة المهمة التي تخدم دوائر الدولة خصوصا وان هذه الشريحة رواتبهم لاتكفيهم الى نهاية الشهر فكيف يكون الحال اذا تم تخفيضها وهذا الامر غير ممكن نهائيا”.
ويعاني العراق من عجز حاد في الموازنة العامة من المتوقع أن يصل إلى 65 مليار دولار حتى نهاية العام الجاري.
إلى جانب ذلك، يرى “البعيجي” أن الحل ممكن أن يكون بعيداً عن جيوب الموظفين من خلال تفعيل قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات والمنافذ الحدودية، والعمل على رفع ايرادت الدولة.
بيئة غير صالحة وموظفو الدول جائعون
تعليقاً على الحلول التي طرحها “البعيجي”، يشير المحلل الاقتصادي، “كرار علاوي” لمرصد مينا، إلى أن الأوضاع في العراق لا تشكل بيئة صالحة لإنعاش الاقتصاد في ظل التوتر الأمني والسياسي الحاصل، على اعتبار أن رأس المال لا يمكن أن يستثمر في بلد تحول فيه تساقط الصواريخ إلى شيء اعتيادي، لافتاً إلى ضرورة معالجة البيئة الأمنية والسياسي كخطوة أولى.
بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المتوترة، يوضح “علاوي” أن ارتفاع معدلات الفساد وهيمنة ما وصفه بـ “مافيا الاقتصاد” على المفاصل المالية والاقتصادية، يفقد العراق إمكانية جذب الاستثمارات الخارجية، التي يمكن بدورها أن تشكل عائد مالي إضافي للخزينة وفرصة للحد من البطالة وتوظيف الشباب العاطلين عن العمل.
يشار إلى أن وثائق رسمية قدرت سابقاً معدلات الفساد في العراق بنحو 500 مليار دولا أمريكي، وصنفته كواحدٍ من أعلى معدلات الفساد في العالم، في حين وصلت معدلات الفقر والبطالة إلى أكثر من 25 في المئة.
بالعودة إلى قضية الموظفين ومرتباتهم، يلفت “علاوي” إلى أنهم ضحية طبقة الفساد المتوغلة في العراق، واصفاً إياهم بواحدة من أكثر طبقات العراق بؤساً وجوعاً، بالإضافة إلى النازحين والعاطلين عن العمل.
كما يضيف “علاوي”: “كافة علل العراق، بما فيها أجور الموظفين والمتقاعدين، تصب في نهاية المطاف في بحيرة الفساد، المدعوم من متنفذين باتوا أعلى من سلطة الدولة”، لافتاً إلى أن الحل الوحيد لأزمة الرواتب، هي اقتراض الحكومة، في خطوة علاجية طارئة، قد تنهي الأزمة مرحلياً.
بيانات وثورة اقتصادية عاجلة
في ظل تناوله لقضية أجور الموظفين، يشير الباحث في الاقتصاد العراقي، “عبد المحسن النجيفي” إلى ضرورة أن تبحث الحكومة في مداخيل مالية إضافية غير النفط، لا سيما في ظل انخفاض أسعاره عالمياً، موضحاً: “رواتب الموظفين في العراق تبلغ شهرياً ما يصل إلى 5 مليارات دولار، في حين مدخول العراق النفطي، خلال شهر آب الماضي، وصل إلى 3.5 مليار دولار، ما يعني أكثر من نصف تلك الأجور بقليل، طبعاً بغض النظر عن كمية الأموال المنهوبة من تلك المدخيل”.
وكانت وثائق سرية مسربة، قد كشفت عن عمليات اختلاس يومية من مداخيل النفط العراقي، بقيمة 200 مليون دولار يومياً، من خلال شبكة وهمية من المستوردين، بالتعاون مع مسؤولين في المصرف المركزي، حيث لفتت الوثائق إلى أن تلك المبالغ كانت تودع في المصارف الإيرانية.
إلى جانب ذلك، يوضح النجيفي أن أزمة العراق عموماً هي أزمة مركبة ومترابطة ومتشعبة في ذات الوقت، ولا يمكن حلها إلى بشكل متزامن، مشدداً على أن الأزمة العراقية المالية تحتاج إلى إصلاحات أمنية وسياسية وحكومية بالدرج الأولى، على اعتبار أن الاقتصاد العراقي بحاجة إلى ثورة ونهضة وليس مجرد قرارات إصلاحية.