تعتبر الأراضي الإفريقية مسرحًا جديدًا للتنافس العالمي بين القوى، في سباق لتحصيل النفوذ والتموضع في بلدان القارة السمراء المختلفة خصوصًا ذات الموقع المميز كالحالة السودانية..
وتسعى روسيا لفرض تواجدها في القارة الإفريقية عبر منافذ متعددة، بدأتها في ليبيا وتسعى لتعزيزها عبر البوابة السودانية وفق آخر التطورات والاتفاقيات التي وقعتها مؤخرًا مع الخرطوم.
يذكر أنه صرّح الرئيس المخلوع “عمر البشير” في عام 2017، أنه بحث مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ووزير الدفاع “سيرغي شويغو” إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في السودان، فيما أوضح السفير الروسي في الخرطوم لاحقًا أن الحديث يدور عن مركز لوجستي لا قاعدة عسكرية متكاملة.
وبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الإسلام السياسي في السودان وقيام الجيش السوداني بخلع البشير، أكدت السلطات السودانية الجديدة العام الماضي تمسك الخرطوم بالاتفاقيات السياسية الاقتصادية والعسكرية الموقعة مع روسيا.
اتفاقية بحرية
أعلنت – قبل عدة أيام – الحكومة الروسية عن مشروع اتفاق مع السودان، لإنشاء مركز لوجستي للأسطول الروسي على ساحل البلاد في البحر الأحمر.
وعرض المشروع الذي ينص على موافقة السودان لروسيا على إنشاء ونشر مركز لوجستي على أراضيه بهدف صيانة السفن الحربية الروسية وتموينها، على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وجه الحكومة باعتماده..
المركز المنتظر سيكون جاهزًا لاستيعاب السفن المزودة بتجهيزات نووية مع مراعات متطلبات السلامة.. في حين تقدم روسيا للسودان مجانا أسلحة ومعدات عسكرية بهدف تنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجيستي المقترح.. الذي أكد الطرفان أنه يحمل طابعًا دفاعيًا يتوافق مع أهداف الحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة.
حيثيات ومضامين
مدة الاتفاق 25 سنة قابلة للتجديد تلقائيًا لفترات 10 سنوات متتالية، وسيتم توفير الأراضي (بما في ذلك المنطقة الساحلية ومنطقة المياه) والعقارات الخاصة بالكائن الذي يتم إنشاؤه إلى روسيا مجانًا.
بدوره، سيقوم الجانب الروسي ببناء المنشأة، ووضع المعدات اللازمة، وتنفيذ أعمال التحديث أو الإصلاح ، وصيانة القاعدة على نفقته الخاصة.
وتمنح روسيا الحق في إنشاء المركز بكادر لا يزيد عن 300 شخص (يشمل هذا الرقم كلا من العسكريين والمتخصصين المدنيين).
إلا أن العقد استثنى الشرط السابق (شرط العدد) بالاتفاق مع الجانب السوداني حيث يمكن زيادة هذا العدد.. كما أن الحد الأقصى لعدد السفن الحربية الروسية المسموح لها بالبقاء في نفس الوقت هو أربع، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية.
إلى ذلك، يتمتع العاملون بالمركز بالحصانات والامتيازات المنصوص عليها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وسيتم العمل بالقانون الروسي على أراضي القاعدة. بينما سيتولى الجانب السوداني الحماية الخارجية لحدود المنطقة.
شروط منتظرة
يقوم الجانب الروسي بتقديم المساعدة في تنظيم وتنفيذ الدعم ضد عمليات التخريب في البحر الإقليمي والمياه الداخلية للسودان بناء على طلب السلطات المحلية.. كما يقوم بالمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، والمساعدة في توفير الدفاع الجوي للقاعدة البحرية، وتطوير إمكانات القوات المسلحة السودانية.
الاتفاقية نفسها نصت – بحسب الإعلام الروسي – على تزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية والخاصة بالطريقة والشروط التي سيتم النص عليها في بروتوكول منفصل.
علاقات تتطور
تتطور العلاقات السودانية الروسية بشكل ملحوظ، فقد سبق أن اتجه وفد روسي عسكري، يرأسه مدير الإدارة العامة للتعاون الدولي بوزارة الدفاع الروسية العقيد “سيرغي يورشنكا”، للخرطوم مطلع فبراير شباط المنصرم ضمن إطار الترتيبات الجارية بين البلدين لتعزيز التعاون العسكري في مختلف المجالات.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأكد عند لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2019 على هامش القمة الروسية الأفريقية في مدينة سوتشي، دعم السودان من أجل تحسين الوضع السياسي الداخلي.
وسبق ذلك لقاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في سبتمبر أيلول 2019، بـ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقر الأمم المتحدة، على هامش الدورة 74 للجمعية العامة في نيويورك.. حيث اتفق الجانبان على مواصلة التعاون بينهما، والتنسيق في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفق ما ذكرته وكالة السودان للأنباء حينها.
كما وقع السودان وروسيا اتفاقات عدة للتعاون العسكري، خلال زيارة الرئيس المعزول عمر البشير، لموسكو في 2017، تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية لموانئ البلدين. وجرى خلال تلك الزيارة بحث إنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، لكن روسيا لم تتحمس حينها كثيرًا لهذا العرض.
هذا وتجدر الإشارة لما شهدته علاقات البلدين من تطورات مهمة تعود إلى عام 2014، حينها صوتت الخرطوم لصالح موسكو ضد قرار الأمم المتحدة بشأن ضم شبه جزيرة القرم.
أهداف سودانية محتملة
تحقق الاتفاقية الأخيرة بين موسكو والخرطوم عدة فوائد للأخيرة، تتضمن إمكانية الحصول بشكل مجاني على أسلحة ومعدات عسكرية.. في ظل ازدياد الحاجة السودانية لها في هذا التوقيت الذي تواجه فيه تحديات عدة داخليا وخارجيا..
وبحسب مراقبين فإن الدفاعات التي ستحمي المركز من شأنها مساعدة السودان في حماية بوابته الشرقية من خلال إمدادها بمنظومات دفاعية حديثة ومتطورة، مثل تسلم قيادة البحرية السودانية في قاعدة بورسودان البحرية سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا والتي تعتبر إضافة حقيقية لقدرات القوات البحرية السودانية.
كما أن التعاون الذي يمثله مركز الدعم اللوجستي، يسمح بمساعدة السودان كذلك في تنمية قدرات عناصرها البشرية العسكرية والبحرية من خلال توفير فرص للتدريب داخل القاعدة على منظومات متطورة.
وهناك نقطة في العمق تشتمل البعد الدولي للسودان الراغب في العودة للمنظومة الدولية بعد سنين العزلة التي أنتجها نظام الإخوان وتيار الإسلام السياسي بحكم البلاد لثلاثة عقود.. حيث من شأن هذا التعاون
مساعدة السودان في إقامة علاقات متوازنة مع الفواعل الدولية والإقليمية؛ بشكل يسمح له بهامش تحرر أكبر من السيطرة الأميركية الكاملة على شواطئه وموانيه..
وستستفيد الخرطوم من تلك النقطة – بحسب تقرير للـ “المجلة” – من أمرين:
أولها توجهات السياسة الروسية في عدم ربطها بين التعاون المشترك مع مختلف الدول دون التدخل في شؤونها الداخلية.
أما الثاني، عدم وجود تاريخ استعماري للدولة الروسية في القارة الأفريقية، وهو ما يفتح المجال أمام العودة الروسية وإن كانت بمقاربات مختلفة عما كان عليه الحال في زمن الاتحاد السوفياتي.
بدوره، أكد رئيس أركان القوات البحرية السودانية السابق، الفريق أول ركن فتح الرحمن محيي الدين صالح، بحسب إندبندنت عربي، أن “التعاون البحري مع الدول الصديقة، ومنها روسيا يؤدي إلى تطوير وخدمة القوات المسلحة السودانية، والقوات البحرية خصوصًا، كما يعزز أمن المنطقة، وقد سعى السودان لمثل هذا التعاون منذ فترة طويلة من أجل تبادل المصالح بالنظر لما يمتلكه من ساحل طويل على البحر الأحمر يذخر بموارد طبيعية كبيرة، تحتاج إمكانات مادية هائلة لاستغلالها، وأعتقد أن روسيا مؤهلة للقيام بهذا الدور لأنها قوة اقتصادية وعسكرية يمكن أن تفيد السودان اقتصاديًا وعسكريًا”.
ليشير القيادي والخبير العسكري، أن إنشاء قاعدة لوجستية بحرية روسية من شأنه رفع قدرات القوات البحرية السودانية التي تعاني من ضعف إمكاناتها ومقدراتها، حيث أن إنشاء قوة بحرية بمقدرات عالية يحتاج دولة لها إمكانات اقتصادية كبيرة مثل موسكو، كما أن هذا التعاون “يمكن أن يساعد في ارتقاء أفراد قواتنا البحرية عن طريق التدريب والتأهيل العالي، فضلاً عن أن هذه القاعدة تقام في منطقة إستراتيجية مهمة تتطلب تواجد قوة بمواصفات وإمكانيات عالية”.
ليتابع موضحًا: “في اعتقادي أن تأسيس هذه القاعدة من خلال تعاون وثيق مع روسيا يعتبر عملاً إيجابياً وتوجهاً جيداً سيكون له تأثير بالغ الإيجابية في المستقبل، فالسودان سعى لهذا التعاون في 2016، وحصل تبادل زيارات بين المسؤولين في هذا المجال من الدولتين، لكن وقف الحصار الأميركي المفروض على السودان حجر عثرة أمام تنفيذ هذا التعاون، وأعتقد أن الفرصة متاحة الآن للاستمرار في تلك المساعي بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي فرصة لبحث مزيد من التعاون مع دول متقدمة أخرى، للاستفادة من إمكاناتها العسكرية المتطورة خاصة في جانب القوات البحرية للارتقاء بها، وتزويدنا بمعدات ومعينات تتناسب مع حجم مواردنا”.
مصلحة موسكو “تخطيط بعيد الأمد”
يسعى الروس لموازنة الوجود العسكري الأميركي والصيني في القارة الأفريقية التي تشهد تنافسًا متصاعدًا بينهما، يبدو أن موسكو ترغب بالانخراط به، فاختارت شرق القارة عبر البوابة السودانية كون الوجود العسكري الأميركي بتركز بشكل رئيسي في غرب أفريقيا حيث تتوزع أكثر من 29 قاعدة أميركية في 15 دولة ومناطق مختلفة تتركز في دول الساحل الغربي للقارة الأفريقية..
دون نسيان القاعدة الأمريكي في جيبوتي المتواجدة مع القاعدة الصينية، لا تملك الصين غيرها في القارة الأفريقية، وهو ما يجعل التوجه الروسي شرق القارة أسهل مقارنة بالتواجد في غربها في ظل هيمنة أميركية وغربية “فرنسية” واسعة، هناك.
في مستوى أعمق، تعتبر روسيا وجودها على البحر الأحمر استكمال لمنظومة وجودها في شرق المتوسط (الوجود العسكرى الروسي في سوريا).. دون إهمال سعيها لمواجهة النفوذ التركي الذي استطاع خلال فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير من توقيع اتفاقية تركية سودانية بشأن ميناء سواكن على البحر الأحمر، دون أن يحسم وضعها بعد.
وعليه، تموضع موسكو العسكري في السودان يمنحها نقطة انطلاقة عبر محورين مهمين بحسب تقرير للـ “المجلة”:
المحور الأول منهما أفريقيًا، حيث يعتبر المركز اللوجستي بمثابة نقطة مهمة لتوسيع حضورها البحري في منطقة القرن الأفريقي، والقارة بشكل عام، بما يفتحه من آفاق رحبة لتنمية التعاون العسكري الروسي الأفريقي، وربما يفتح الأسواق الأفريقية للسلاح الروسي.
أما المحور الثاني، يشمل المنطقة العربية، إذ يمنح المركز روسيا حضورًا استراتيجيًا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، في ظل مثلث القواعد البحرية الروسية في سوريا – السودان – ليبيا، وما لذلك من تداعيات استراتيجية هامة.
وتتيح القاعدة حماية المصالح الروسية في البحر الأحمر خصوصًا بعد قيام الروس ببناء مصفاة للنفط في بورسودان، وهو ما أشار إليه الخبير الروسي بمجلس الشؤون الدولية إيليا كرامنيك – بحسب ذات التقرير – قائلاً: “من الطبيعي أن تكون إحدى مهمات قاعدتنا العسكرية حماية هذه المنشأة الهامة (مصفاة النفط)”.
أهمية خاصة
تشرف السواحل السودانية على البحر الأحمر الذي تزداد أهميته الجيو – الاستراتيجية، وكذلك السواحل السودانية، باعتبارها ممرا حيويا لمرور النفط والتجارة الدولية..
هذا ما أدركته مختلف القوى الدولية والإقليمية، فكان التواجد في هذه المنطقة، حلمًا يراود موسكو منذ الحقبة السوفياتية، بالتوازي مع حلم الوصول للمياه الدافئة في المتوسط، فسعى الاتحاد السوفياتي للحصول على موطئ قدم هناك، من خلال محاولات قديمة في الصومال، ثم إثيوبيا، لم تنجح فيها.
واليوم، فإن وجود مركز لوجستي في هذه المنطقة يعد بمثابة أول تشكيل بحري روسي في البحر الأحمر، يمنحها موطئ قدم مهما يمكنها من تحقيق حزمة من الأهداف مجتمعة.. رغم أن للروس تواجدًا غير ملحوظ في المحيط الهندي تمثله سفينتين فقط إلى جانب عدد من الغواصات..
أشار المدير التنفيذي للجنة التنسيق للتعاون الاقتصادي مع أفريقيا “ستانيسلاف ميزينتسيف”، الباحث في معهد الدراسات الأفريقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، إلى تلك النقاط – بحسب المجلة- موضحًا أهمية التموضع في السودان بقوله: “إن السودان هو مفتاح للبحر الأحمر، وبالتالي حوض المحيط الهندي للسفن الحربية الروسية… نظرا لأن السودان هو البلد الذي يسيطر على ساحل البحر الأحمر وهو ثاني أكبر ناقل للبضائع… وأن التواجد في المنطقة يضمن مشاركة روسيا في جميع العمليات الإقليمية، وإذا كان للأسطول الروسي قاعدة بحرية هناك فإنه سيعزز المواقع الاستراتيجية الروسية للجغرافيا السياسية”.
أما الباحث في الشؤون الأفريقية “كيستير كين كلوميجاه” في مقال نشره موقع “modern diplomacy” وترجمته مواقع إعلامية عربية، أن روسيا ستخطو خطوة كبيرة من خلال إنشاء منشأة بحرية في السودان، ما سيعزز وجودها الأمني في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة البحر الأحمر.
حيث يؤكد الباحث أن السودان يقع على نفس الخط الساحلي الاستراتيجي مع مصر، على طول البحر الأحمر، موضحًا أن الوثيقة المقترحة للمشروع، تتيح بقاء أربع سفن حربية في القاعدة اللوجستية، بما في ذلك السفن البحرية المزودة بنظام الدفع النووي.
كما أشار أنه على البحر الأحمر وخليج عدن، كان لروسيا قاعدة بحرية في الصومال خلال أيام الاتحاد السوفيتي، بينما تستضيف جيبوتي حاليا قواعد بحرية صينية وأمريكية.
أما الكاتب الروسي “أليكسي كوبريانوف”، في مقال نشرته صحيفة “إزفيستيا” الروسية، أن حصول الأسطول البحري الروسي على قاعدة في بورسودان السودانية، يشكل خطوة أولى نحو عودة روسيا إلى المحيط الهندي.
حيث يتوقع “كوبريانوف” أن “يشكل المركز الروسي المتوقع، مفتاحًا رئيسيًا للاستخبارات والقوات الخاصة”، ليؤكد أن المنطقة تحتاج إلى أدوات متخصصة أكثر من الأدوات العسكرية البحتة.
في مستوى خاص بما يمتلكه شاطئ البحر الأحمر من موارد يعلق رئيس الأركان البحرية السودانية سابقًا “فتح الرحمن صالح” للإندبندنت عربي أن: “ساحل البحر الأحمر غني بالموارد الطبيعية، خاصة الغاز، فقد سبق أن قامت شركة بريطانية – ماليزية بجهود أوشكت على الانتهاء من استخراج الغاز، حيث أقامت منصة جنوب الساحل داخل المياه الإقليمية، لكن مورست عليها ضغوط من الجانب الأميركي، مما أجبرها على التوقف عن العمل في وقت كانت قاب قوسين وأدنى من استخراجه، فهذا الساحل تتوفر فيه معادن كثيرة كالفوسفات والذهب، بجانب البترول والثروة السمكية، ويمكن أن يكون مصدرًا لاستقطاب استثمارات خارجية سواء من روسيا أو دول أخرى، بالنظر لحجم الموارد الكبير وتعددها”.
معضلة وتساؤلات
لا يمكن إهمال دلالة التوقيت في اتخاذ الخطوة بين الروس والسودانيين في منعطف مهم تعيشه الخرطوم ومع سعي روسيا لتوسع بقوة في المشهد العالمي
في حديث إعلامي، أكد الباحث في الشؤون الروسية باسل الحاج جاسم أنه “لا يمكن تجاهل أن الأمر مرتبط بعودة روسيا إلى الساحة الدولية، في ظل تراجع وانكماش اللاعب الأمريكي، المنشغل بمشاكله الداخلية”.
حيث نوّه “جاسم” أنه رغم اقتصار المركز الروسي على الدعم اللوجستي، إلا أنه “سيمهد الطريق لإنشاء قاعدة عسكرية”، موضحًا أن المركز في بدايته سيكون لإصلاح وإمدادات السفن، التي تقوم بدوريات في المنطقة لأهداف عديدة.
لتبقى المعضلة الرئيسية التي تواجه الخرطوم – وكذلك الروس- هي في الموقف الأمريكي الفعلي من الاتفاقية في ظل توجه البلاد لتعزيز علاقتها مع واشنطن لرفع العقوبات عنها، فوصلت لمرحلة التطبيع مع تل أبيب تحت ضغوط أمريكية، ما يثير تساؤلًا خاصًا بقضية القاعدة وحول المدى الذي يمكن أن تنجح فيه السودان بتحقيق هذه العلاقة التوازنية بين الوجود الروسي الجديد والتقارب السوداني الأميركي، لا سيما بعد الاتفاق السوداني الإسرائيلي الخاص بالزراعة كخطوة أولى لتطبيع علاقات البلدين..
فالمتوقع في ظل السياسة الأميركية الجديدة تجاه السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. تعزيز التقارب الأميركي السوداني، الأمر الذي يستوجب من القيادة السودانية التحرك بحرفية عالية في كيفية تنسيق علاقاتها مع الطرفين، وهو ما قد يجد صعوبة في تلك الأوضاع الراهنة التي يواجه فيها السودان عديد المشكلات الداخلية والأزمات الخارجية.
مسؤول السياسات في منظمة كفاية الأميركية السوداني الأصل، سليمان علي بلدو، أن “الاتفاقية التي كشف عنها الجانب الروسي تطرح أسئلة ملحة يجب أن تثار، وأن نطالب الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري بالإجابة عليها”..
ليشير -بحسب إندبندنت عربي- إلى أنه من ناحية إجرائية وقانونية، فإن مراحل اعتماد الاتفاقية بالجانب الروسي تنم عن مساهمة كل أجهزة الدولة التنفيذية والقانونية والتشريعية في مراجعة واعتماد بنودها قبل التوقيع عليها، ومن الواضح أن ذلك قد تم وفق متطلبات الدفاع عن المصالح الإستراتيجية للدولة الروسية.
أما فيما يتعلق بالجانب السوداني، والتساؤلات المتعلقة بإشراك الجهات التنفيذية والقانونية والتشريعية السودانية في إجراء هذه المراجعات، أم أن المكون العسكري قد انفرد بإدارة هذه الإجراءات، اعتبر الخبير الأمريكي السوداني أنه: “إذا كان المكون العسكري قد انفرد بإدارة إجراءات هذه الاتفاقية من الجانب السوداني، فما موقف المكون المدني والقوى السياسية والمجتمع المدني وقادة الرأي منها؟ وفي ما يختص بتبادل المصالح المشتركة بين الدول ذات السيادة، ما المصالح التي ستعود للسودان من إقامة هذه القاعدة خلاف تزويد روسيا بلادنا ممثلة في قواتنا المسلحة بالأسلحة والتكنولوجيا المتطورة مقابل مبلغ من المال أو صفقة من موارده المختلفة؟”.
ليبين أن الجانب السوداني قام بالتخطيط للاتفاقية في الظلام الكامل من دون حوار وطني ومراجعات مؤسساتية على مستوى كافة الأجهزة المعنية بالدولة، موضحًا “إن كان ذلك ما حدث كما أخشى، فسيكون هزيمة أخرى لآمال أهل السودان في التغيير والحرية واستقلال القرار”.