تكثف القوات الروسية مساعيها لفرض تسوية سياسية وعسكرية في محافظة السويداء جنوبي سورية، وسط محاولات لإقناع الأهالي بتسوية وضع نحو 40 ألف شاب من أبناء المحافظة، القسم الأكبر منهم منضوٍ في حركة “رجال الكرامة”.
وعلى الرغم من تأكيدات مركز المصالحة الروسي، الذي يقوده عسكريون روس، فإنّ تلك التسوية باتت في طور الاكتمال لإدخالها حيز التنفيذ الفعلي، إلا أن مصادر محلية تنفي ذلك، مشيرة الى أن وجهاء المحافظة ما زالوا غير مقتنعين بانتفاء الأسباب التي تعيق التسوية.
محاولات الروس لفرض “التسوية” في السويداء ليست جديدة، إلا أنها تبدو مختلفة عن سابقاتها، كما تكشف مصادر محلية لمرصد “مينا”، مشيرة الى أن طرحها يتزامن مع مساعدات إنسانية لأهالي المحافظة، في مشهد يبدو وكأنه عمليات “إغراء وتقرب” من الحاضنة الشعبية.
تحجيم إيران في المنطقة
تهدف روسيا من فرض تسوية في السويداء إلى تحجيم المليشيات المدعومة إيرانيّاً في المحافظة، كـ”الدفاع الوطنيّ” و”جمعيّة البستان” و”حزب الله” السوريّ و”الحزب القوميّ السوريّ”، في محاولة لسحب ورقة “حماية الأقليّات” من يد إيران، التي طالما استثمرت فيها بالشراكة مع النظام، حسبما يرى الصحفي “جاد القلعي” الذي يكشف عن صراع نفوذ خفيّ بين الدولتين، إيران وروسيا في المحافظة، موضحا أن إيران عملت منذ عدة سنوات على تعزيز وجودها في المحافظة من خلال زيارات قام بها قادة إيرانيون، بغرض العمل على تحقيق تقارب فكري وتعزيز العلاقات بين إيران وأهالي المحافظة.
في السياق ذاته، يضيف “القلعي” أن هذا التقارب تطور لاحقاً إلى محاولات تشييع وتجنيد لشبان المحافظة أجرتها مكاتب أذرعها الممتدة في المحافظة، كميليشيا “حزب الله” اللبناني والحرس الثوري الإيراني حيث استهدفت العديد من أبناء قرى محافظة السويداء كـ (عرى، المجيمر، ذيبين، القريا) وتم تجنيد أكثر من مئتي شاب في هذه القرى عبر استقطابهم إما برواتب مالية وبطاقات أمنية، أو من خلال إشراكهم في عمليات التهريب التي يقوم بها “الحزب” في المنطقة.
يذكر أن وفدا إيرانيا يضمّ شخصيات دينية وسياسية، أجرى مطلع شهر كانون الأول\ ديسمبر الماضي زيارة إلى السويداء بحجة تهنئة النائب في مجلس الشعب “نشأت الأطرش”، على الرغم من مرور أشهر عديدة على فوزه بانتخابات مجلس الشعب.
وتقول مصادر محلية في المحافظة أن الوفد الإيراني الذي زار المحافظة مطلع الشهر الماضي لم يكن آخر تلك الوفود التي جاءت للمحافظة، فهنالك زيارات سرية وأخرى تظهر للإعلام على العلن.
خلق الاستقرار تحضيرا للانتخابات
خلال الأسابيع القليلة الماضية، أرسلت قيادة القوات الروسية في سوريا إلى السويداء وفدين اثنين، الأول التقى بالأمير لؤي الأطرش أحد وجهاء السويداء وجبل العرب إلى جانب عدد من وجوه المحافظة في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، فيما قصد الوفد الثاني في 17 ديسمبر المرجعيات الروحية والدينية، فالتقى بشيخ العقل الأول، حكمت الهجري، وشيخ العقل الثاني يوسف جربوع.
بناء على اللقاءات التي عقدتها الوفود الروسية مؤخرا مع وجهاء السويداء، يكشف أحد المشاركين في الاجتماع، رفض الكشف عن اسمه، أن الروس ألمحوا بشكل صريح إلى نيتهم خلق حالة استقرار نسبي في الجنوب، تمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة منتصف عام 2021.
وأكد لمرصد “مينا” أن الروس لم يقدموا أي حلول تقنع شباب المحافظة المتخلفين والمنشقين بالعودة للخدمة في صفوف الجيش حتى اليوم، كما أنهم لم يبحثوا الأسباب التي دفعت آلاف الشباب للانشقاق عن الخدمة أو عدم الالتحاق بها.
حماية المصالح الروسية في ليبيا وفنزويلا
إلى جانب الزيارات والاجتماعات كان لافتا في الأيام الماضية وصول مساعدات إنسانية روسية، لعشرات العائلات من محافظة السويداء، وجاء تقديم المساعدات في إطار حملة أطلق عليها اسم “إلى مدينة السويداء بكل الحب من روسيا”، بمثابة “إغراءات وخطوات تمهيد” من أجل كسب الحاضنة الشعبية، حسبما تكشف مصادر محلية في المحافظة.
تعليقا على الخطوات الروسية، يؤكد الصحفي المستقل “مجد نصر” أن روسيا ليس لديها أي حلول جديّة للواقع الحالي، وخصوصاً الوضع الاقتصادي المتدهور، وتهدف جهودها فقط لتجنيد الشباب والفتيات، لحماية مصالحها داخل سوريا وخارجها.
ويضيف “نصر” لمرصد “مينا” إن القوات النظامية ليست بحاجة للشباب المتخلفين عن الخدمة بالسويداء في هذه الفترة، فهي استطاعت حشد آلاف المقاتلين من الميلشيات الأجنبية، وخاصة الإيرانية منها، لكن روسيا تسعى لتجنيد شبان السويداء لصالح حراسة حقول النفط في فنزويلا وللقتال في ليبيا.
الى جانب ذلك يؤكد “نصر” أن الدفعة الأخيرة التي تم تجنيدها خرجت قبل اسبوع واحد من محافظة السويداء باتجاه قاعدة حميميم العسكرية الروسية، حيث بلغ عدد الشبان 243 مقاتلا سيتم إرسالهم إلى ليبيا بداية العام المقبل.
ولم تكن هذه هي المجموعة الأولى من المقاتلين الذين تم تجنيدهم للقتال في ليبيا في الفترة الأخيرة، وإنما هي المجموعة الثانية حيث حلّقت منذ قرابة 20 يوما مجموعة من المقاتلين من مطار حميميم العسكري إلى مطار بنغازي في ليبيا، والبالغ عددهم 201 مقاتل.
الى جانب ذلك، أكد “نصر” بدء القوات الروسية في سوريا بجذب الكوادر الطبية والفنية في محافظة السويداء، للعمل إلى جانب القوات الروسية في ليبيا، مستغلة حالة الفقر الشديد للأهالي، خاصة مع تردي الحالة المعيشية، كاشفا أن القوات الروسية جندت أكثر من 45 ممرضة سيتم نقلهن الى قاعدة حميميم وبعدها الى ليبيا في يوم الخامس من كانون الثاني الجاري.
يشار الى أن مصادر محلية في السويداء كانت كشفت في وقت سابق لمرصد “مينا” أن روسيا أطلقت حملة لتجنيد الشبان في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وذلك بغية إرسالهم إلى فنزويلا من أجل “حراسة حقول النفط ومناجم الذهب”.
المصادر أوضحت أن شركات أمنية مرتبطة بالسلطات السورية والروسية عملت على استقطاب الشباب وإغرائهم للسفر إلى فنزويلا، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني منها أبناء المنطقة نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، مؤكدة أن حوالي 3500 شخص من فئات عمرية مختلفة، سجلوا أسمائهم خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر، وتشرين الثاني/نوفمبر، للسفر إلى فنزويلا، في رحلة يجهلون تفاصيلها، بعد تقديم وكلاء الشركات الأمنية في المحافظة عروضاً مغرية لهم، ووعود برواتب تصل إلى 4500 دولار شهرياً.