“تتبع قطر تجاه الغرب استراتيجية منافقة بوجهين، أحدهما منشرح يبتسم للغرب ويغمز من قناة العلاقات الاقتصادية والاستثمار بثرواتها الضخمة، والآخر معاكس تماماً، يعمل على إذكاء نيران فتنة عالمية ضد الغرب، بدعمها للتنظيمات المتطرفة كالإخوان المسلمين” تلك قراءة باتت شائعة ليس فقط في الأوساط الغربية، وإنما في عديد من البلدان العربية والإسلامية.
ولكن هل وصلت هذه التحذيرات مسامع الحكومة الإيطالية ووزير خارجيتها عندما صادق مجلس الشيوخ في روما في 27 من أيار / مايو على اتفاقية تعاون مع قطر في “التعليم والبحث العلمي والتبادل الأكاديمي” بمبلغ قدره 600.000 يورو؟!
MoVimento 5 Stelle الحركة الشعبوية الإيطالية وغيرها من الأحزاب التزمت الصمت تماماً ولم يشككوا بقطر وتحالفاتها، مع إيران الملالي وتركيا الأردوغانية بالإضافة طبعاً لحماس والجهاد الإسلامي في غزة.
وبينما كان مجلس الشيوخ الإيطالي يوطد علاقات بلاده مع القطريين تم رفع دعوى في الولايات المتحدة ضد “قطر الخيرية” و “بنك قطر الوطني”، بالنيابة عن ضحايا أمريكيين مدنيين قضوا بعمليات حماس في إسرائيل، كما أشارت الدعوى إلى أن مؤسسات مالية وخيرية قطرية قامت باستغلال النظام المالي الأمريكي لهدف “تزويد هذه الجماعات بشكل غير قانوني بالأموال اللازمة لتنظيم وإدارة الهجمات الإرهابية” كما جاء في مذكرة الادعاء.
برلمانيو Fratelli d’Italia كانوا الاستثناء في منح الموافقة “بهذه الاتفاقية، سيتم فتح باب جامعاتنا لأولئك الذين يصدرون الإسلام الأصولي إلى أوروبا، وستتمكن جماعة الإخوان المسلمين من الوصول وامتلاك النفوذ في إيطاليا، ولن يكون بوسع إيطاليا التأثير على هذا التطور” بهذه العبارات ينتقد السيناتور جيوفان فاتسولاري تمرير القانون.
تعود بداية هذا الاتفاق للعام 2012، عندما كان ماريو مونتي يرأس الحكومة وهو من وقع الاتفاق المبدئي مع الأمير السابق حمد من خليفة آل ثاني، والذي تنازل لصالح ابنه الأكثر تهوراً تميم.
خلال تلك السنوات، تضاعفت الاستثمارات القطرية في إيطاليا، فتم شراء العديد من الفنادق الفخمة ودار فالنتينو الشهيرة للأزياء الفاخرة، شركات طيران، عيادات طبية وحتى أحياء سكنية بأكملها. بالإضافة إلى ذلك تروجُ أنباء هنا وهناك عن استثمارات قطرية أخرى في الكرة الإيطالية مع الخطوط الجوية القطرية -الراعي السابق لنادي روما- وقطر للاستثمارات الرياضية -الشركة المالكة لنادي باريس سان جيرمان-.
كما ويشارك صندوق جهاز قطر للاستثمار (QIA)، وهو صندوق سيادي للإمارة بأصول تقدر بـ 335 مليار دولار أمريكي، في أعمال أخرى في إيطاليا من خلال شراء إمدادات عسكرية كبيرة، وضخ السيولة في خزائن شركات كـ “ليوناردو” المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع و “فينكانتيري” لصناعة السفن الحربية والقطاع الصناعي بمجمله خاصة في مجال الدفاع. تجاوزت قيمة هذه المعاملات 65 مليار يورو، ما دفع صيرفي إيطالي للتصريح لمركز أبحاث ودراسات “مينا” وقد طلب عدم الكشف عن هويته: “هذه هي تكتيكات قطر: أضخ الأموال في شركاتك الاستراتيجية، وأنت تسمح لي بالمقابل ببناء المساجد والتبشير في إيطاليا”.
في إطار مواز يكتب “أنطونيو أوكيوتو” الباحث في مركز Gulf State Analytics: “بعد التوقيع على الاتفاق القطري الإيطالي بأشهر قليلة، تم التوقيع على اتفاقية مهمة على محور الدوحة-روما في مجال الدفاع، ما أثار استياء خصوم قطر الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات، تلك الاتفاقية تزود من خلالها شركة “فينكانتيري” البحرية القطرية بالغواصات مع إمكانية إدارة المجموعة الإيطالية للأسطول البحري القطري بالكامل”
تكمن المعضلة الإيطالية في السياقات الجيوبوليتيكية لتلك الاتفاقات “إن التنافس الإقليمي بين دول التحالف العربي ومحور تركيا-قطر في ازدياد، وعليه فإن الخيارات الإيطالية، الراهنة والمستقبلية، ستؤخذ عليها كمواقف استراتيجية”، وعلى الرغم من المحاولات الإيطالية الحثيثة للمحافظة على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، إلا أنه “سيكون من الصعوبة بمكان تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع طرف دون التضحية بالطرف الآخر”.
على سبيل المثال “لدى أبو ظبي أيضاً استثمارات ضخمة في إيطاليا، خاصة في مجال البنوك والقطاعات المالية، هذا بالإضافة إلى أن الصادرات الإيطالية إلى الإمارات تفوق الصادرات إلى قطر بالثلث، أما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإن مشروع رؤية 2030، سيشرع الأبواب أمام العديد من فرص الاستثمار، خاصة في مجالات البتروكيماويات، البنى التحتية والإعمار، الصحة والطاقة المتجددة، ما لا ترغب الشركات الإيطالية بأن تكون مستثناة منها” بحسب أوكيوتو.
خلاصة القول، إن هذا المعين الاقتصادي الذي وطد علاقات روما بالدوحة، سيعني المغامرة بشراكة صلبة طويلة الأمد مع شركاء آخرين في المنطقة، والسؤال كيف تعتزم الحكومة الإيطالية أن تدير مثل تلك الملفات، من غير أن تتأثر؟